كانت السينما المصرية عبر تاريخها الممتد منذ بدايتها في مصر عام 1895 معبرة بقوة عن كل تفاصيل الحياة ويمكن اعتبارها ديوانا للحياة خاصة التطورات السياسية التي شهدتها مصر ولحقت الدراما التليفزيونية بالسينما وقدمت مئات الأعمال منذ نشأة التليفزيون عام .1960
وتحتفظ الذاكرة العربية بمئات الأعمال التي ساهمت في شحذ الهمم في سنوات المواجهة والنضال سواء كان ضد الاحتلال البريطاني أو العدوان الصهيوني أو كل ما مر يهدد الوطن وما مر به من محن وعثرات, كما أن الدراما سواء السينمائية أو التليفزيونية يمكن اعتبارها إحدي وسائل التأريخ الاجتماعي والسياسي للمجتمع المصري.
نذكر هذا في الوقت الذي تواجه مصر منذ سبع سنوات ـ علي الأقل ـ خطر الإرهاب وأفكاره ومنظماته ومدافعه نواجه بصلابة تنظيمات مدعومة من أطراف خارجية ودول معادية تستهدف النيل من مصر وشعبها الذي نجح في إقصاء مشروع الهوية الوطنية.
ويطل السؤال المربك بقوة كل لحظة.. هل يمكن كانت الدراما السينمائية والتليفزيونية علي مستوي المواجهة واستطاعت أن تسجل تلك المرحلة التي مازلنا في أتونها ونرصد تفاصيلها وتناقضاتها وتستخدم قدراتها السحرية تأثيرها القوي والفعال في نقل ما تعيشه البلاد وما واجهته من مخاطر؟؟
سؤال يبدو بسيطا وسهلا لكن محير وتعدد إجاباته. فسوف يخرج من يقول إن الفن بشكل عام لم يكن علي مستوي الحدث ولم يكن في المواجهة مع خطر الإرهاب خاصة بالمواجهة الفكرية والتوعية وكشف عوار الخطاب المعادي وفي القلب من تلك الفنون كانت السينما شبه غائبة والدراما التليفزيونية في معظمها أقل من المستوي.
والبعض الآخر سوف يؤكد أن السينما المصرية قدمت أعمالا تتعاطي مع تلك المخاطر ربما أحدثها فيلم السرب الذي سيعرض قريبا ويكشف جزءا من المواجهات المسلحة مع التنظيمات الإرهابية ثم أن التليفزيون قدم مسلسل الاختيار العام الماضي وسوف يقدم الجزء الثاني منه في العام الجاري.
وأظن أن رأي كلا الطرفين به قدر من الصحة.. فالأول لا يري مواجهة فنية جذرية مع الأفكار المحرضة علي العنف والمعادية للوطن وهذا بالطبع ما يحتاج إلي مناخ أكثر حرية وإطلاق للطاقات الفنية لكي تعبر برحابة عن تصوراتها.
وتتمكن من خوض مواجهة جذرية ضد أفكار تعشش في التربة المصرية ونسعي لاقتلاعها تماما وهذا لن يحدث بمجرد عمل فني أو بعض الأعمال لكن من خلال مشروع فني متكامل ترعاه مؤسسات ثقافية رسمية مع قدر كبير من الحرية في إطار الأرضية الوطنية الجامعة.
بالتأكيد فإن تأثير مسلسل أو فيلم علي عموم الجماهير هو الأقوي والأسرع لذلك نلح وسوف نلح مرارا علي أهمية هذا السلاح الذي لم نستفد منه بالدرجة المثلي ولم نستثمر ما لدينا من طاقات في هذا السياق.. طاقات إن سمح لها أن تعبر عن نفسها بحرية سوف تخوض معركة التنوير بجسارة ولنا في وحيد حامد خير مثال.
نتذكر أيضا قدمت السينما عشرات الأعمال عن حرب أكتوبر المجيدة ورغم ذلك العدد فإنني أعتقد أن أكتوبر ماتزال غنية بالقصص والبطولات الإنسانية والعسكرية التي تتسع لعشرات الأعمال العظيمة لكن دعونا نتذكر سويا ما قدمته السينما عن الحرب المجيدة لنكتشف أن من أعظمها أغنية علي الممر ـ وحكايات الغريب.
لما نذكرهما لأن صناعهما تجاوزا حدود القنابل والمدافع والضربات الجوية ليغوصا في عمق الإنسان المصري وتفاعلاته واقتربا من مشاعره لدرجة بها قدر كبير من الصدق.. هذا ما نبحث عنه دوما وهذا ما جعل السينما العالمية قدم أروع كلاسيكياتها مستلهمة قصص إنسانية من ويلات الحروب العالمية والأمثلة علي ذلك كثيرة منها الفيلم الأمريكي إنقاذ الجندي ريان وفيلم الخط الأحمر الرفيع وغيرهما الكثير من الأعمال العظيمة.
سوف تقف الأجيال القادمة طويلا عند هذا الأمر ويتساءلون ويحاسبون من سبقوهم ماذا قدمتم عن تلك المرحلة وأين كنتم؟
هل نتدارك الأمر قبل هذا السؤال المرير والإجابة الأشد مرارة.. لدينا فرصة ما تزال لإنتاج أعمال أكثر عددا وعمقا وإنسانية تسجل وترصد وتحلل وتواجه الأفكار قبل أن تواجه المدافع فمواجهة المدافع لها جنودها المخلصون الذين نثق فيهم كل الثقة وندعمهم كل الدعم.