رحل عن عالمنا أول أمس، فنان قدير، يُعد من أهم فناني زمن الفن الجميل، فقد كرس حياته لخدمة الفن فقط، وكان من رواد الفن الراقي الأصيل، أحب التمثيل وبدأ مشواره الفني أثناء دراسته في المعهد العالي للفنون المسرحية.
ظهر على الساحة الفنية منذ ستينيات القرن الماضي واستمر يفيض من نهر عطائه الفني دون انقطاع حتى قبل رحيله بأيام قليلة.
عمل بالسينما والتلفزيون والمسرح، وشارك في أعمال أصبحت الآن تراثًا مخلدًا للفن المصري الأصيل.
له أعمالًا فنية خلدت أحداث وبطولات وطنية وتاريخية لم يكن يعلمها الأجيال المعاصرة إلا من خلال أعماله الفنية التي كان يجسد فيها بطولات وإنجازات كبار رجال المخابرات المصرية .
هذا الفنان الذي صنع نجومية لنفسه من نوع خاص عن سائر زملائه بالوسط الفني، الذي لم يشارك في أعمال تحمل إسفافًا، فكان راقيًا بفنه وهذا عكس ما نراه اليوم من بعض فناني الجيل الحالي الذين يسعون “وراء” الربح المادي أو إلى مجرد التواجد فقط على الساحة الفنية.
ولقيمة هذا الرجل وفنه الراقي أردنا أن نبحر و نبحث لمعرفة سيرته الذاتية و مشواره الفني الحافل بالأعمال الفنية المتميزة لكي نخلد ذكراه العطرة، إنه الفنان والممثل القدير الرائع “يوسف شعبان”.
ولكي نتعرف عن حياته الاجتماعية و على المناصب التي تقلدها ولنعرف كيف أوصت زوجة الرئيس مبارك بتأجيل آخر حلقة من مسلسل شارك فيه يوسف شعبان؟ و لنتعرف أيضًا لماذا أسقط نفسه في اختبار الكلية الحربية؟وكيف أجبرته وخيرته أسرته بين الالتحاق بالكلية الحربية أوكلية الشرطة ثم كلية الحقوق؟ ولماذا قرر الخروج من كلية الحقوق؟ وكيف وقع الفنان عبد الحليم في خلاف مع الفنانة شادية بسبب يوسف شعبان؟.
وما هي الشخصية المثيرة للجدل التي جسدها، ثم أصبحت تدرس بأكاديمية الفنون؟ وهل كان أمينًا في عمله كنقيب للممثلين؟ ولكي نتعرف أيضًا عن آخر محطات حياته ومرضه بڤيروس كورونا الذي أودى بحياته .
بداية حياته :-
ولد يوسف في حي شبرا بالقاهرة، وكان والده مصمم إعلانات مشهور في شركة (إيجبشان جازيت)، تلقى تعليمه الأساسي في مدرسة الإسماعيلية،
والتعليم في المرحلة الثانوي في مدرسة التوفيقية الثانوية.
اختبار الكلية الحربية:
كان يوسف شعبان متفوقًا في مادة الرسم، فقرر الانتساب في كلية الفنون الجميلة ولكن عائلته رفضت بشدة وخيرته بين كلية الشرطة (ليلتحق بأبناء أخواله) أو الكلية الحربية (ليلتحق بأبناء أعمامه) أو كلية الحقوق، ونتيجة للضغط الشديد عليه قرر الالتحاق بالكلية الحربية ولكن في اختبار الهيئة أسقط نفسه فرفضوا انضمامه ولكن عائلته علمت بما دبره فأجبرته على الانضمام لكلية الحقوق.
انسحب من كلية الحقوق ودخل معهد الفنون:
أثناء دراسته للحقوق في جامعة عين شمس، تعرف على أصدقاء عمره الفنان كرم مطاوع والممثل سعيد عبد الغني والكاتب إبراهيم نافع. وقرر بناء على نصيحة كرم مطاوع الالتحاق بفريق التمثيل في الكلية ثم قدم أوراقه اعتماده في المعهد العالي للفنون المسرحية، وبسبب ضغط الدراسة في الكلية والمعهد قرر التركيز في دراسة المعهد وسحب أوراقه من كلية الحقوق وهو في السنة الثالثة، تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية سنة 1962.
بداية مشواره السينمائي :
بدأ مسيرته السينمائية سنة 1961 في فيلم في بيتنا رجل مع عمر الشريف والمخرج بركات، ثم توالت أعماله السينمائية التي تعدت إلى ١١٠ فيلم سينمائي وتوالت مسلسلاته وأعماله التلفزيون حتى تفوق من بين رفاق جيل من الوسط الفن و برع في تقديم العديد من الشخصيات فمنها الرومانسية والشخصية الصعيدية ابن الريف والقرية وبرع أيضًا في تقديم الشخصيات الجادة مثل تقمصه لدور رجل المخابرات المصرية.
خلاف عبد الحليم مع شادية :
لاقى الراحل في بداياته السينمائية منافسة شرسة ولكنها شريفة من أبرز نجوم فترة الستينات وهم رشدي أباظة، كمال الشناوي، صلاح ذو الفقار، حسن يوسف، وشكري سرحان، وكان بعضهم يغري المنتجين بتخفيض الأجر الذي يحصل عليه للتأثير عليهم لاختيارهم وعدم اختياره.
وقد حدث خلاف كبير قبل البدء في تصوير فيلم معبودة الجماهير إنتاج سنة1967 والسبب أن الفنان الكبير عبد الحليم حافظ كان غير مقتنع به بينما العكس عند الفنانة شادية المقتنعة به لأنهما قدما أفلاماً ناجحة معاً في السنوات القليلة الماضية، فهددت شادية بترك الفيلم إذا لم يتم التعاقد مع يوسف شعبان وبدوره قرر يوسف شعبان ترك الفيلم كحل وسط للخلاف القائم بين النجمان الكبيران ولكن ذكاء الفنان عبد الحليم حافظ كان أكبر من هذا الخلاف البسيط واجتمعت جميع الأطراف في منزله وتم حل المشكلة ودياً ووافق على مشاركة يوسف شعبان معهما في بطولة الفيلم وأصبحا صديقين حميمين.
شخصية مثيرة للجدل أصبحت تُدرس:
في فترة السبعينات قدم شخصية مثيرة للجدل في الفيلم حمام الملاطيلي حيث أدى دور الرجل الشاذ، وعلى الرغم من اللغط الذي دار في مصر وخارجها فقد حصل على العديد من الجوائز المحلية والعالمية وتقرر تدريس دوره في هذا الفيلم في “معهد السينما” وأكاديمية الفنون.
مسيرتة عبر الشاشة التلفزيونية :
بدأت مسيرة أعماله التلفزيونية منذ عام 1963 وقدم أكثر من 130 مسلسلًا أبرزها العائلة والناس والشهد والدموع .
أهم أعماله:
أهم الأعمال التي شارك بها الفنان وتركت علامة مميزة في أذهان المصريين مسلسل “رأفت الهجان” بطولة الفنان “محمودعبدالعزيز”، حيث تألق فيه بشكل بارع في أداؤه للشخصية في تقمص دور “محسن ممتاز” رجل المخابرات المصرية المخدرم، والذي تدور أحداثه حول كيف استطاع رجل المخابرات محسن ممتاز أن يصنع شخصية رأفت الهجان لكي يعمل ويعيش مع الإسرائيلين كإسرائيلي مثلهم لمعرفة معلومات سرية عنهم ومعرفة ما يقومؤن به في التخطيط والحرب ضد الدولة المصرية هذا العمل الذي قدمه الراحل ببراعة و خلدت أحداثه بطولات وطنية وتاريخية لم يكن يعلمها الشعب المصري ولا الأجيال المعاصرة إلا من خلال هذا العمل الفني الدرامي التي كان يجسد فيه بطولات وإنجازات كبار رجال المخابرات المصرية حينذاك.
مسلسل “الوتد”:
فهو “ابأ الحج درويش” جسد شخصية الابن الأكبر للحاجة فاطمة تعلبة التي جسدت شخصيتها الفنانة القديرة “هدى سلطان” في مسلسل “الوتد”
ذاك المسلسل الذي اجتمعت حينذاك حوله كل الأسر المصرية بجميع اختلاف مراحلها العمرية و العلمية والثقافية، لمشاهدته وانتظار حلقاته اليومية بحب وشغف لمعرفة تطورات المسلسل من أحداث متتالية تلك الأحداث التي كانت تدور حول قصة واقعية لسيدة مصرية في إحدى قرى الصعيد الريفية وهي شخصية الحاجة «فاطمة تعلبة»، ذلك النموذج المهم للأم المثالية، التي تجمع بين أبنائها وتحيطهم بالحب والحنان والقوة والشدة، تلك هي الشخصية العظيمة التي قدمتها الفنانة هدى سلطان، وظل المشاهدون يتابعون حلقاتها لحظة بلحظة طوال أيام شهر رمضان عام ١٩٩٦، وحُفر هذا المسلسل في ذاكرة عشاق الأعمال الدرامية، بل وفي ذاكرة الدراما المصرية بأكملها.
سوزان مبارك ويوسف شعبان:
من أهم المواقف التي تعجب منها المشاهدين أثناء عرض مسلسل الوتد هو أن المسلسل ظل يعرض طوال شهر رمضان، إلا أن الحلقة الأخيرة تم تأجيل عرضها لليوم التالي من قبل التليفزيون المصري، وهو الأمر الذي جعل البعض يظن أنها حيلة من أسرة المسلسل من أجل إثارة الجمهور وتشويقهم للحلقة الأخيرة، إلا أن هذا غير صحيح؛ لأن سبب تأجيل الحلقة حسب ما روي فيما بعد المخرج أحمد النحاس مخرج المسلسل، أن التليفزيون المصرى أجّل عرض الحلقة الأخيرة من مسلسل «الوتد»، بسبب أن سوزان مبارك زوجة الرئيس السابق طلبت تأجيلها لأنها مرتبطة بحفل، ولن تستطيع مشاهدتها في وقتها.
واوضح حينها المخرج أحمد النحاس، أن صفوت الشريف، وزير الإعلام قام بزيارة طاقم العمل داخل استوديو التصوير، الذي كان يصور به المسلسل وطلب منهم الاهتمام بالعمل، وأمر كل وسائل الإعلام الاهتمام بالمسلسل وزيادة الدعاية والترويج له.
وقال زين العابدين، نجل المؤلف خيرى شلبي، الذي كتب قصة وسيناريو وحوار المسلسل، إن شخصية «فاطمة تعلبة» هي شخصية حقيقية، وهي زوجة عم الكاتب الراحل خيري شلبي، والذي رحل عن عالمنا في سبتمبر عام ٢٠١١.
أعمال تلفزيونية أخرى للفنان:
مثل مسلسل عيلة الدوغري ولحظة ضعف وأعمال رجال والتوأم وضد التيار وأميرة في عابدين وامرأة من زمن الحب والضوء الشارد والمال والبنون والمشاركة بالجزء الخامس من (ليالي الحلمية) والجزء الأول من مسلسل حول (السيرة الهلالية) بنفس العنوان وغيرها من الأعمال. وشارك في مسلسل الحقيقة والسراب.
الأكثر مشاهدة في دول الخليج والأردن وسوريا :-
قدم يوسف شعبان مسلسلًا غريبًا أبدع فيه باختلاف اللهجة المصرية وهوالمسلسل الأردني وضحا وابن عجلان، والذي اعتبر الأكثر مشاهدة في دول الخليج والأردن وسوريا في حينه، وشاركته البطولة من سوريا سلوى سعيد، ومن الأردن نبيل المشيني إلى جانب مجموعة من الممثلين الأردنيين والسوريين الكبار، والمسلسل قصة عشق بدوية هي ذاتها قصة نمر بن عدوان تعتبر نقلة نوعية في مسيرة يوسف شعبان الفنية.
– مشواره الفني على خشبة المسرح :-
بدأ مسيرته المسرحية بالمسرحية التلفزيونية (الطريق المسدود)، وهي من إخراج الفنان نور الدمرداش ثم قدم عدة مسرحيات أهمها (شيء في صدري) و (أرض النفاق).
وعندها قرر تقديم اقتراح جريء بإنشاء ستة (6) فرق مسرحية تلفزيونية بدلًا من فرقة مسرحية واحدة لاستيعاب الأعداد الكبيرة التي تخرجت من المعهد المسرحي، ولكن قوبل اقتراحه بالرفض وصدر قرار بتوقيفه لمدة ثلاث سنوات.
وبعدها حصلت أزمة كبيرة في مسرح التلفزيون وقرروا إلغاء إيقافه ولكنه رفض العودة إليهم، وشارك في بطولة مسرحية من إنتاج القطاع الخاص بعنوان (مطار الحب) بمشاركة الفنان الراحل عبد المنعم مدبولي والفنانة ميرفت أمين عام١٩٧٠.
– حياته الاجتماعية وزواجه من ليلى طاهر :
أخفى يوسف شعبان عن الناس والأضواء خبر زواجه، وأثناء تصوير مسلسل (الحب الكبير) سنة 1963 قرر الاعتراف علنًا لكل الموجودين بزواجه من الفنانة ليلى طاهر الذي استمر أربع سنوات فقط وحدث خلالها الطلاق ثلاث مرات، مما أدى إلى الانفصال النهائي بينما، وقد ظل الحب والاحترام يسود العلاقة بينهما، وبعدها تزوج من نادية إسماعيل شيرين ابنة الأميرة فوزية بنت فؤاد الأول أخت الملك فاروق وأنجب منها ابنته سيناء – متزوج حاليًا من (إيمان خالد الشريعان ) سيدة كويتية وأنجب منها ابنته زينب وابنه مراد المقيمين حاليًا بدولة الكويت.
أمانته في عمله كنقيب للممثلين :
فاز في انتخابات الترشيحات لمقعد النقيب في نقابة المهن التمثيلية في سنة 1997، ولأمانته على هذا المنصب قرر الفنان يوسف شعبان الابتعاد عن المجال السينمائي والاكتفاء بتمثيل مسلسل واحد أو اثنين في السنة للتركيز في مهمته الجديدة كنقيب للممثلين.
واستطاع خلال فترته تسديد جميع الديون المترتبة على النقابة وأنشأ ناديًا كبيرًا في القاهرة لاجتماع جميع الممثلين وعالج العديد من الفنانين الذين لم يكونوا يستطيعون دفع مصاريف علاجهم، واستطاع أن يستمر في هذا المنصب لدورتين متتاليتين قبل أن يخسر في انتخابات النقابة عام 2003 أمام الدكتورالفنان أشرف زكي.
– تكريمه من الرئيس الفلسطيني :
كرم الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، الفنان يوسف شعبان وذلك بنادي نقابة المهن التمثيلية، ونظرًا لغياب الرئيس الفلسطيني عن الحضور، سلمه التكريم السفير دياب اللوح سفير دوله فلسطين بالقاهرة حينذاك.
– لماذا لا يحب المشاركة في أعمال الفنان “محمد رمضان”:-
قال الفنان يوسف شعبان في إحدى حواراته الصحفية إنه لا يمكن أن يشارك الفنان محمد رمضان في أي عمل فني، لأن الفنان الحقيقي لا يتطاول على زملائه ويحترم مشاهديه ويتمتع بمصداقية في ما يقدمه لجمهوره.
وأضاف “شعبان”: أن «الفنان قديمًا عندما كان يشاهد فناناً كبيراً أقدم منه بسنة واحدة كان يقف له احتراماً وتقديراً، فالفنان دون أخلاق لا يساوي شيئاً فما بالك لو تطاول على زملائه»، مؤكدًا أن «الفنان من الأساس لا يجوز أن يطلق على نفسه لقب رقم واحد»، وتابع: «نحن كنا نقدر الجيل السابق مثل شكري سرحان وأحمد رمزي، ونكمل ما تركه لنا النجوم الذين سبقونا، ولا نبهدلهم من أجل الأموال».
– آخر محطات حياته وڤيروس كورونا:
“يوسف شعبان ” قبل دخوله في وعكة صحية كان يصور مسلسل “عش الدبابير”، المقرر عرضه في السباق الرمضاني المقبل ٢٠٢١، في دولة لبنان، وبعدها عاد إلى مصر بعد أن اشتد عليه المرض بعدما دخل في حالة صدمة نفسية عقب معرفته إصابته بفيروس كورونا المستجد، المنتشر في البلاد”.
دخل مستشفى الدقي لتلقي العلاج في العناية المركزة في عزل صحي.
ومنذ هذه اللحظة ترددت شائعات عبر معظم المواقع الاخبارية عن نبأ وفاته، بعدها طمأنت ابنته إيمان محبي والدها على حالته الصحية، مؤكدة أن الفنان يوسف شعبان على قيد الحياة ومازال في مستشفى الدقي يتلقى العلاج في العناية المركزة في عزل صحي.
و علقت على تداول البعض شائعات خبر وفاة والدها، قائلة: “بعض الأشخاص ينشرون تلك الشائعات لمجرد الحصول على التريند أو تفاعلات على صفحاتهم”.
وبعد يومين من تصريح ابنته توفي الراحل الفنان “يوسف شعبان”في يوم 28 فبراير عام ٢٠٢١ عن عمر ناهز 85 عامًا تاركا ارثا فنيا مشرفا خلد اسمه في التراث الفني المصري الأصيل.
ويعد الفنان الراحل هو ثالث فنان مصري يرحل بسبب ڤيروس كورونا وذلك بعد رحيل الفنانة رجاء الجداوي في العام الماضي ٢٠٢٠ ثم رحيل الفنان هادي الجيار٢٠٢١ اللذين رحلوا بنفس الڤيروس المستجد و المنتشر بالبلاد والذي ظهر بدايته في دولة الصين في مطلع بداية عام ٢٠٢٠ ومنها انتشر في جميع وانحاء البلاد والعالم أجمع.