افتتح مساء يوم الأحد الماضى بقاعة الزمالك للفن معرض ذاكرة الخمسون للفنان العراقى أنس الألوسي.
المعرض يضم أربعين نحتا برونزيا، بالنسبة للفنان أنس الألوسي لا تعنى الخمسون رقما محددا ،بقدر ما هى رحلة عبر سنوات متعاقبة قادته لتلك اللحظة الآتية بكل ما تحمله من خبرات وتراكمات فكرية وبصرية.
انس الألوسي الكاره للقيود، والتمرد على القوالب التى تخرج كل قطعة من منحوتاته حاملة مغامرة على مستوى الشكل او الدلالة ليخاطب بها فكرة او لحظة او موقف، يشرح من خلالها إحساسه بأحد الكائنات الأخرى يحاور الصمت ويزاوج بين الحركة والسكون ،ينحت نحتا كلاسيكيا يلتزم فيه بقواعد النحت الأكاديمية ثم ينحنى إلى الاختزال والتبسيط والتجريد.
الحقيقة أن ذاكرة الخمسون ليس ابحارا فى نهر الزمن فحسب ،بل هى رحلة بين الزمان والمكان إذ يستحضر من خلال أعماله مفردات النحت التى ألفها فى العراق موطنه الأصلى، يقدم مفردات جديدة اكتسبها من معايشته وتأملاته فى البيئة الموالية ،إذ يقدم فى هذا المعرض طائر البومةالمليئتين بالغموض والعمق وقد استبدلهما بتجويف غائر ،وتعتبر البومة عنصر غير مألوف بالنسبة النحت العراقى عادة ما تميل إلى تجسيد القوة مثل توظيف الثور والحصان.
من جانب آخر تبدو حالة الارتحال والتنقل بين الأماكن ممثلة فى توظيف الألوسي لعنصر القارب ،إذ يعكس القارب لرحلة حياة الفنان.
إذ نجد مثلا فى عمله مسافرة تزاوج بين القارب المنحوت من الجرانيت والمنحوت من البرونز والتى يميل الفنان للاختزال مزاوجا بين الخامتين وبين الحركة والسكون وبدايات تجربة جديدة يستهلها الفنان بهذا العمل.
ويميل الفنان أنس الألوسي الى استخدام خامة البرونز التى يجد فيها سحرا خاصا لدرجة تجعله يبتسم دائما ويقول اتخيل نفسى مصنوعا من البرونز إنها الخامة التى يجد فى تطويعها متعة لا نهائية ليقدم من خلالها الجديد ،محافظا على السمات الرئيسية التى تميز أعماله والتى تتمثل فى الإحساس باللمسات الغائرة وكأنه يتعامل مع خامة لينة والخطوط الهندسية والمنحنيات وتوظيف الفراغات .
ومن أهم الأعمال سمو وفرحة وسعادة وأمان واشتياق وحب شرقى وغيرها من الأسماء التي تحمل معانى مليئة بالمشاعر الإيجابية والتفاؤل وتنوعت اسماء المنحوتات التى يقدمها الفنان أنس الألوسي يحب تسمية أعماله التى يعتبرهاكابنائه حد تعبيره وعلى الرغم من دعوته للبهجة والتفاؤل والانطلاق ومحبة الحياة فثمة دلالات تعكس انكفاء الإنسان على نفسه فى حالات عدة ، لتعكس تلك اللحظات الصعبة والمواقف والازمات التى يمر بها الإنسان الذى ينكفىء على ذاته كرد فعل نفسى لمحاربة الضغوط الخارجية لكنه مع ذلك هو إنسان باحث عن امل ولذا ثمة فراغات بتلك المنحوتات التى تترك فرصة لبصيص من الأمل.
ثمة أطر متعددة فى هذا المعرض، أطر تحمل عصافير وكثير من المحبة يطل منها المحبين على بعضهما البعض ، إنها نوافذ وشبابيك وأبواب منزلة ،او كما يقول الفنان إنها ترمز لبيتى الذى احمله معى واحتفظ به بداخلى ،أما أعماله التصويرية فثمة أطر أخرى متداخلة ،هندسيات ومربعات ودوائر تأخذك لاعماقها، بالنسبة له فإن المسطحات التصويرية تحمل شحنة انفعالية قوية اوبالأحرى هى مساحة لتفريغ انفعالاته على المسطح.
ويقول الفنان محمد بكر الفيومى ذاكرة الخمسون ما بين الحنين إلى الوطن الام والانتماء الى الوطن الحصان، يقدم لنا الفنان أنس الألوسي تجربته الجديدة التى تجمع بين اسلوبين مختلفين اتحدا التشكيل كتلة واضحة المعالم بنقوش غائرة وكأنها حروف لغة محفورة على الجدران وخطوط راقصة تشكل دلالات خاصة بخيال طفل حالم وإبداع فنان متمكن يتنقل بين حضارتين هم الأكبر بالعالم الفرات والنيل، فاضت منهما ذاكرته لتكون بمثابة مستند ووثيقة راصدة لحقبة امتدت الى نصف قرن.
اما التصوير الملون التى تحتويه جدران القاعة فما هو الا نوافذ وصناديق مغلقة، تقف امامها وتطل من خلالها مع الفنان على عوالمه الخاصة لننقب داخل هذه الصناديق عن أسرار قد تبوح بها ذاكرة الخمسين.
والفنان أنس الألوسي ولد ببغداد بالعراق عام ١٩٧١.
حصل على بكالوريوس الفنون الجميلة من جامعة بغداد.
شارك في العديد من المعارض الجماعية والمهرجانات الفنية داخل العراق وخارجه.
ويستمر المعرض حتى ٥ أبريل.