نحتفل طوال هذا الشهر بالمرأة, ففي 8 مارس اليوم العالمي للمرأة, الذي يحتفل فيه العالم بنسائه و16 مارس هو اليوم الذي نحتفل فيه بالمرأة المصرية, مارس هو شهر المرأة لا شك في ذلك فهو بداية الربيع وعنوان الجمال, في 21 مارس نحتفل في مصر أيضا بعيد الأم, الصدفة وحدها قادت للاحتفال بالنساء في هذا الشهر أكثر من مرة, ربما هي رسالة من الكون كي ننظر للنساء بعين التقدير ونشكرهن في مرات متتالية لكل ما يقدمنه لأجل العالم الذي لا يلتفت لجهودهن إلا قليلا.
تثار هذه الأيام مناقشات حول تعديلات قانونية تمس النساء فيما يخص حقوقهن كمواطنات مصريات, ودون الدخول في تفاصيل, فإن النقاش يعكس وضعا بائسا للنساء المصريات كنا نتصور أننا قد تجاوزناه, فبعد كل نضال النساء المصريات والمجتمع المدني المصري والقانونيين المصريين, وبعد كل ما قدمته الدولة المصرية للنساء من دعم لأجل زيادة تمكينهن علي عدة مستويات إيمانا منها بالدور العظيم الذي لعبته المرأة المصرية في خدمة مجتمعها كتفا بكتف إلي جانب الرجل, وبعد نضال النساء المصريات ضد حكم الإخوان الرجعي البغيض, حيث انتفضن لطرد هذا الكابوس الذي جثم علي صدر الوطن لعام كامل أراد فيه هدم كل مكتسبات المدنية في مصر, بعد كل ذلك تجد النساء المصريات أنفسهن أمام تعديلات قانونية مقترحة تهدم كل ما فات وكأن أكثر من مائة عام من عمر المدنية الحديثة في مصر ذهبت أدراج الرياح, وكأن ميراث الحضارة المصرية القديمة التي احترمت النساء وعاملتهن ككاملات الأهلية وقت أن كان أغلب العالم لا يعرف عن الحضارة شيئا, كأن كل ذلك لا وجود له, وكأن المصريات لسن مواطنات كاملات بحكم الدستور, الذي ينص علي المساواة بين المواطنين وعدم جواز التفرقة بينهم لأي سبب كان, وكأن المرأة المصرية عليها أن تظل قابعة تحت سيف مسلط علي رقبتها لتعيش أسيرة الخوف الدائم أن تسلب منها أحقيتها كمواطنة متساوية مع الرجل بحكم الدستور.
أحزن كثيرا لكوننا في حالة اضطرار لمناقشة موضوعات عفي عليها الزمن حرفيا, لن أقول إن العالم تجاوزها, ولا أن البلدان التي صدرت لنا ثقافتها هي نفسها تخلت عن هذه القناعات, لكنني سأقول بأن هناك في هذه الحياة ما يستحق هذه الطاقة التي نهدرها في مناقشة ما أصبح بديهيا في هذا الزمن, نحن في عالم يحاول النجاة من وباء يبدو بلا نهاية حتي الآن, ونحن مجتمع يتطلع للأفضل: للتقدم الاقتصادي والتميز الحضاري واستعادة مجد كان, لكن يبدو أن هناك من لا يرضي لنا ذلك, فيتعمد وضع الأحجار في طريق تحقيقنا لأهدافنا لتتشتت جهودنا وتتبدد طاقاتنا, وليزرع الفتنة والشقاق بيننا, لكني أيضا علي ثقة أن تماسك بنيان هذا المجتمع, وتطلعه نحو القمة, وقدرته علي تحدي الصعاب وفرز الجيد من الرديء سيساعده كالعادة في تخطي هذا الجدل غير الصحي.
مرة أخري. تحية كبيرة للمرأة المصرية في يوم المرأة العالمي وفي يوم المرأة المصرية, تحية لكل النساء الصابرات القادرات علي تقديم الحب والرعاية لأسرهن مهما كانت الظروف, تحية لكل النساء القادرات في كل صباح علي البداية من جديد لأجل أن تصبح البيوت دافئة ومضيئة, تحية لكل النساء اللاتي يعتبرن أسرهن منحة الله لهن وهدية السماء التي يرعينها دون تذمر, تحية لكل النساء اللاتي يخدمن وطنهن بكل إخلاص ويحمين مكتسباتهن بكل إباء وقوة, تحية لكل النساء اللاتي يقدمن فلذات أكبادهن فداء للوطن راضيات محتسبات أجرهن عند الله, تحية لكل النساء اللاتي يخرجن إلي العمل ليشاركن في صنع تقدم وازدهار الوطن, تحية لكل النساء المصريات برغم أنف الكارهين.