بعدما عشنا احتياجنا إلى التوبة فى الأسبوع الأول من الصوم لكى نخرج من أرض عبوديتنا للخطية ونعبر البرية إلى الأرض الجديدة التى وعدنا بها الرب يسوع، وبعدما عرفنا المنهج الذى يجب اتباعه لتحقيق هذه التوبة وهو الصوم والصلاة وصنع الرحمة بالإيمان والمحبة والغفران، نبدأ الأسبوع الثانى من الصوم بتحديد الهدف الذى نسعى إليه ونرجو أن نبلغه بهذا الصوم المقدس، الهدف العظيم هو ملكوت الله.
إنجيل عشية هذا اليوم وهو الأحد الأول فى الصوم من إنجيل (متى ٦: ٣٤ – ٧: ١-١٢ ) يبدأ ب “لاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ”. إن هموم العالم وشئونه قادرة تماما أن تبعدنا عن السعى إلى الملكوت الذى نسعى إليه، فلا يجب أن نصب اهتمامنا عليها. إذاً كيف نتدبر معيشتنا؟ يكمل الانجيل بوعد الرب: “اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ”.
إنجيل باكر من (متى ٧: ٢٢ الخ ) يحدثنا فيه الرب يسوع عن الرجل العاقل الذى بنى بيته على الصخر والرجل الجاهل الذى بنى على الرمل. البيت المبنى على الصخر هو المبنى على ملكوت الله الذى لا يتزعزع، أما المبنى على الرمل هو المبنى على هذا العالم الزائل الذى مصيره السقوط “وكان سقوطه عظيما”. الاختيار واضح ولنا أن نقرره.
البولس من الرسالة إلى (رومية ٣١ ) يطمئننا أنه “لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ. حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ، وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً”. أى أن الخضوع لسلاطين هذا العالم لا يبعدنا عن سعينا للملكوت. بل “أَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ: الْجِزْيَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِزْيَةُ. الْجِبَايَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِبَايَةُ. وَالْخَوْفَ لِمَنْ لَهُ الْخَوْفُ. وَالإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ الإِكْرَامُ.
لاَ تَكُونُوا مَدْيُونِينَ لأَحَدٍ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِأَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، لأَنَّ مَنْ أَحَبَّ غَيْرَهُ فَقَدْ أَكْمَلَ النَّامُوس”. ويعود فيذكرنا: “أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ، فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ.
ويروى لنا القديس بولس فى (أعمال الرسل ٢١، ٢٢) تجربته الشخصية فى دعوة الرب له عندما كان بعد شاول الطرسوسي إلى الملكوت وهو فى طريقه إلى دمشق ليكمل اضطهاده للكنيسة. وكيف ظهر له النور العظيم ظهرا “فَسَقَطْتُ عَلَى الأَرْضِ، وَسَمِعْتُ صَوْتًا قَائِلًا لِي: شَاوُلُ، شَاوُلُ،! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ فَأَجَبْتُ: مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ فَقَالَ لِي: أَنَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ … فَقُلْتُ: مَاذَا أَفْعَلُ يَا رَبُّ؟ فَقَالَ لِي الرَّبُّ: قُمْ وَاذْهَبْ إِلَى دِمَشْقَ، وَهُنَاكَ يُقَالُ لَكَ عَنْ جَمِيعِ مَا تَرَتَّبَ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ. وَإِذْ كُنْتُ لاَ أُبْصِرُ مِنْ أَجْلِ بَهَاءِ ذلِكَ النُّورِ، اقْتَادَنِي بِيَدِي الَّذِينَ كَانُوا مَعِي، فَجِئْتُ إِلَى دِمَشْق” حيث قيل له “إِلهُ آبَائِنَا انْتَخَبَكَ لِتَعْلَمَ مَشِيئَتَهُ، وَتُبْصِرَ الْبَارَّ، وَتَسْمَعَ صَوْتًا مِنْ فَمِهِ. لأَنَّكَ سَتَكُونُ لَهُ شَاهِدًا لِجَمِيعِ النَّاسِ بِمَا رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ. وَالآنَ لِمَاذَا تَتَوَانَى؟ قُمْ وَاعْتَمِدْ وَاغْسِلْ خَطَايَاكَ دَاعِيا باسم الرب” وقام بولس ترك كل شئ وخدم الرب وربح ملكوت السموات.
فى إنجيل القداس من (متى ٦: ١٩ – ٣٣) يحثنا الرب يسوع على أن نكنز لنا كنوزًا فى السماء حيث لا يفسدها سوس ولا يسرقها سارق. “لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا”.
ويحذرنا: “لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَال.” ويعود يذكرنا ألا نهتم “لاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ؟ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ؟ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ … لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هذِهِ كُلِّهَا. لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلًا مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ.”