يقول الشاعر جبران خليل جبران “كل البيوت مظلمة إلى أن تستيقظ الأمهات”، فالأم هي التي ترعى أولادها وزوجها وأحيانا أيضا والديها أو والدي الزوج، كانت قديما تنحصر أدوارها في تنظيف المنزل وإعداد الطعام ورعاية أفراد أسرتها ، ومع الحداثة أصبحت المرأة شريك أساسي في المجتمع وتحملت اعباء العمل بل تخطت ذلك إلى أنها أصبحت العائل الوحيد لحوالى 32 % من الأسر في مصر طبقا لآخر إحصائية.
وجاءت الأزمة العالمية الناتجة عن جائحة كورونا لتتحمل المرأة وخاصة الأم أعباء إضافية من الجهود الكبيرة التي تقوم بها للتوفيق بين العمل الذي تقوم به (عن بُعد)، والأبناء المحتاجين للرعاية، سواء المنزلية أو التعليمية، ومتطلبات الحياة اليومية، بالإضافة لزوج أقعده الحجر المنزلي ويقوم بعمله ايضا أونلاين، وإذا كانت من فريق الأطباء أو الممرضات اللاتي يواجهن يوميا الفيروس كانت المعاناة والأعباء مضاعفة مرات عديدة، وجاءت اوقات الامتحانات لتتحمل الأم معاناة أخرى على معاناتها . بعد عام من أزمة كورونا ، نجد أن عيد الام يأتي للمرة الثانية ونحن فى ظل هذه الازمة لنرصد جهود الأم المصرية وأثر ذلك عليها وعلى أسرتها ودور الدولة والمجتمع فى ذلك.
الأمهات بين الاشتياق والخوف
ما بين مشاعر الاشتياق إلى الأبناء ومشاعر الخوف عليهم من وباء كورونا والخوف على كبار السن من الجدود والأجداد ، يشعر كثير من الأمهات بالحيرة ، فتقول الدكتورة راوية كرشة مسؤول تنسيقية نساء مصر: لدي بنتان و٣ أحفاد ، جدهم زوجي لم يراهم منذ مارس ٢٠٢٠ أى منذ سنة او اكثر ، أنا أرى الصغار في الحديقة كل ٣ أشهر ، هم يرتدون الماسكات وانا وأمهم أيضا ، نحتفظ بالتباعد ، لا استطيع مشاركتهم فى اللعب ، كما الحديث صعب مع وجود الماسكات ، افقد قربى وصداقتي مع احفادي أحمد وأمينة مع مرور الوقت لم يعودوا يتحدثون تليفونيا ويشتكون من أمهم كما كان الحال قبل الكورونا.
لم أر حفيدى الأصغر سوى مرة واحدة خلال العام ، يحدثنى تليفونيا بين الحين والآخر ، وقد قامت بناتى بفرض هذا لحظر ، حيث يشعرون أن أولادهم وهم أنفسهم قد يشكلون خطرا ومصدرا للعدوى لى ولابيهم . يحدثونا يوميا تليفونيا يرسلوا صورهم وصور لأولادهم على صفحات التواصل.
في المقابل أصبحت مسئولية بناتي أن يضطلعون بكل شئوننا المالية التعامل مع البنوك والهيئات الحكومية ، شراء ما يلزمنا ولا نستطيع ان نحصل عليه بنظام التوصيل الى المنازل ، تفاصيل اخرى كثيرة اضافة الى أعبائهم العملية والعائلية ،اشعر انني اصبحت انا وزوجى عبأ على بناتنا بالرغم من أننا والحمد لله مازلنا قادرين على الاهتمام بشؤوننا .
وكثيرا ما يتردد سؤال الاختيار المطروح أمامي: هل على أن اختار بين أن أحرم من مصدر سعادتي الأكبر وهم اولادى واحفادي او اتعرض للاصابة بهذا الفيروس اللعين فى هذا العمر وما تحمله الاصابة من احتمالات بائسة .
معاناة العمل والأسرة.
وتوضح نهلة الضبع باحثة بقضايا النوع الاجتماعى والمساواة بين الجنسين ، لقد جاء فيروس كورونا ليتوقف عملى تماما ، هذا غير زيادة الأعباء حيث أقوم بدور الأم من اعباء منزلية والمعلمة لاولادى كل حسب مرحلته التعليمية ، هذا غير ضغط البحث عن العمل، بالإضافة الى الضغط النفسى من الخوف على أطفالي من العدوى.
الأم المصرية هي من تتحمل فاتورة الأزمة
تقول منى عزت الباحثة فى قضايا النساء، جاءت تبعات أزمة جائحة كورونا على الأم المصرية متعددة حيث تضاعفت عليها أعباء البيت والأسرة، بداية من زيادة المجهود اليومى من التطهير والتعقيم بشكل يومي ولكل شئ ولكل فرد فى الأسرة داخل الى المنزل بشكل مضاعف ، ومع التوزيع غير المتكافئ لأعمال رعاية الأسرة بين الرجال والنساء حيث في الأوقات المعتادة، تتحمل النساء والفتيات مسؤولية رعاية الأسرة والمنزل بسبب التقاليد الاجتماعية ،ولكن يتحملن الآن على الأرجح الزيادة في مسؤوليات أعمال الرعاية الناجمة عن إغلاق المدارس، وعزل كبار السن، والأعداد المتزايدة لأفراد الأسرة المرضى.
هذا غير عبء الدراسة مع نظام تعليمى جديد من تعليم على بعد واستخدام التابلت ولان الأم معظم الوقت هى التى تتابع المذاكرة والدراسة لاطفالها فقامت ايضا الامهات بجهد مضاعف من المساعدة فى تعليم أطفالها و كتابة الابحاث ومتابعة كل التعليمات الجديدة من الوزارة ، فجاء عبء اخر وغير تقليدى ويحتاج إلى السرعة لمواجهة الامتحانات والدراسة ، وازداد ذلك العبء بالنسبة للأم العاملة من كيف ستتابع الأم دراسة أبنائها عبر المنصة، وبذات الوقت عملها عن بعد، كما أن العديد من الوظائف تتطلب التواجد في مكان العمل فلمن ستتركهم.
ارتفاع معدل العنف الأسري
وتوضح عزت، أن العبء الثالث والأخطر من وجهة نظرى هو ارتفاع أرقام العنف الأسرى مجددا لتدق ناقوس الخطر وهذا ما حدث مع تداعيات فيروس كورونا وصدرت نتائج «استطلاع رأي» أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام «بصيرة» بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، والذى جاء في مناخ مجتمعي من التوتر الذي صاحب فيروس كورونا والموجة الأولى من آثاره الاقتصادية، و فيها تلقي الضوء مجددا على أكثر أنواع العنف تعقيدا لأنه يصدر عن الزوج أو الأب، أي من له سلطة داخل الأسرة، ومثل هذا النوع من العنف يصعب الكلام عنه لان الاتجاه العام في المجتمع يتعامل مع هذا النوع من العنف باعتباره شأن خاص، غير مرحب بأي دور لأي مؤسسات سواء حكومية أو غير حكومية.
ومن النتائج التي أكد عليها استطلاع الرأي تعرض النساء للعنف الأسري في مختلف الأعمار فالاستطلاع شمل النساء من أعمارهم 18 سنة فأكثر ، كما تتعرض النساء للعنف في الريف والحضر ، فوفقا لنسب محل الإقامة للنساء المستهدفات في الاستطلاع في الحضر بنسبة 41% والريف 59%، وتعرض النساء للعنف ليس مرتبط بالحالة التعليمية لأن النساء اللائي أجري معهن الاستطلاع في مستويات تعليمية مختلفة فبلغت 54% نسبة الأقل من متوسط و بلغت 33% نسبة متوسط / فوق متوسط ، وبلغت 13% نسبة جامعي فأعلى.
وبسؤال المشاركات بالبحث حول تأثير كورونا على تعرض الزوجات للعنف من الزوج: ذكرت 11 %من الزوجات تعرضهن للعنف من قبل الزوج خلال الأسبوع الذي سبق اجراء استطلاع الرأي و ذكرت 7% منهن أنهن لن يتعرضن للعنف من قبل بينما 4% تعرضن للعنف من قبل وكانت أشكال العنف ضرب بنسبة 15.3% ورقلها الزوج بقوة نسبتها 8.1% وتعرض الزوجة لأهانه لفظية من الزوج نسبتها 83.4%، بينما ذكرت 89% أنهن لم يتعرضن للعنف خلال الأسبوع الذي سبق اجراء استطلاع الرأي.
وبسؤالهن، بعد التغيرات التي حدثت بسبب كورونا هل زاد عنف الأزواج أم زي ما هو أم قلت المشاكل العائلية والخلافات الزوجية والخلافات بين الأبوين والأولاد؟ جاءت الإجابات على النحو التالي: ٣٣ ٪ هي نسبة الزيادة و64% ذي ما هى و 3% قلت . وفى سؤال آخر حول العنف بين أفرا د الأسرة (المقصود العنف الجسدي سواء بين الزوجين أو من الأبوين للأولاد) وجاءت الإجابات كالتالي: وصلت نسبة الزيادة ١٩ ٪ و 77% ذي ما هو و 4% قلت.
كما تحملت الأم والزوجة الآثار الاقتصادية الناتجة عن هذه الأزمة بداية من نتيجة سوء ظروف العمل او فقدان العمل سواء لها او لزوجها ونظرا لان 70 % من العمالة تقع فى القطاع الخاص فقد انعكس ذلك على الأسرة ، من عدم وجود حماية صحية او القلق من فقدان العمل.
وجاءت الأمهات التى تعول اسرهم والتى تصل نسبتهم 32 %، والكثير منهم عمالة غير منتظمة مثل عاملات المنازل التى فقدوا فرص عملهم من الخوف من العدوى مما اثر عليها وعلى اولادها من تعولهم يقع عليها العبء الأعظم.
وتضيف الباحثة في قضايا النساء، أنه حتى المرأة العاملة وان جاءت الدولة واقرت ان كل امرأة حامل او لديها طفل حتى 12 سنة من حقها التغيب من العمل ، جاء القطاع الخاص غير ملتزم بذلك واضطرت الامهات الى النزول وعدم التمتع بالحماية لها ولاسرتها ، مما اثر عليها نفسيا من الخوف من العدوى ولكنها مضطرة للذهاب الى العمل حتى فيما يخص الدعم النقدى التى قامت به الدولة لم تستطع كثير من النساء إثبات أنها من العمالة المؤقتة او استخدام التكنولوجيا فى ملء الطلب.
هذا غير الأمهات من الطبيبات والممرضات الذين كانوا خط الدفاع الاول فى مواجهة هذه الازمة و الأعباء النفسية حينما ترجع الى المنزل ، فالأم هنا لا تستطيع ان تعزل نفسها مثل الاب ، فاطفالها يحتاجون اليها فى كل احتياجاتهم اليومية من غذاء و تعليم وتنظيف ورعاية.
كل هذا من ضغوط نفسية واقتصادية واجتماعية على الأمهات نتيجة تقسيم الأدوار غير العادل فى المجتمع المصرى حيث تقوم الام برعاية الأطفال فى كل احتياجاتهم حتى لو تعمل.
وإن كانت الدولة المصرية فيما يخص الإجراءات التى اتخذتها بالمقارنة مع القطاع الخاص من سياسات ونظم الحماية فقد اتخذت قرارات سريعة جيدة جدا وتابعت تنفيذ إجراءات الحماية ، كما قامت بالدعم المادى للعمالة المؤقتة فجاءت كقشة تساعد هذه الفئة فى مواجهة هذه الازمة ، فجاء القطاع العام الحكومى اكثر قدرة على توفير الحماية والخدمات عن القطاع الخاص الذى لم يلتزم فى الاغلب بالنظم التى تساعد على الحماية.
أما عن مؤسسات المجتمع المدني وضحت أنه كانت هناك نقابات قدمت دعم نقدى لاعضائها مثل نقابة السائقين ، لانهم من اكثر الفئات تضررا ، وكان هناك جمعيات تقدم دعم خاصة الجمعيات الذى نشاطها خيرى وإغاثة.
في النهاية هذه الأزمة جاءت لتؤكد ضرورة وجود نظم حماية اجتماعية قوية وعلينا الإسراع فى التصديق على قوانين التامين الصحى الشامل وقانون التأمينات الاجتماعية وخاصة ان هذه القوانين تشمل العمالة غير المنتظمة وهذه خطوة ايجابية.
الأم والأمراض النفسجسمية
وتؤكد المعالجة النفسية والأسرية بسمة محمود، أن الأم دائما من تدفع فاتورة الازمات سواء الاجتماعية او الاقتصادية وايضا الصحية ، وتتحمل نتائج ذلك اسريا وعلى مستوى الدولة ، فمع محاولة الام المواءمة بين البيت والعمل، ومع أزمة كورونا باتت أزمة الوقت تشكل ضغطا نفسيا عاليا جدا، أوجد حالة من القلق تجاه أسرتها وعملها، وخوفها على العائلة والقلق النفسي، والذى أثر في قدرة المرأة على أداء مهامها المثقلة بها من الأساس.
ومع قرارات الحكومة وجعل التعلم عن بعد للسيطرة على الوباء، وضعت الأم أمام أعباء جديدة، حيث أخذت أدوار المعلم والمدير والرعاية أيضا، فعانت نفسيا وجسديا مما تسبب لها بأعراض نفسية جسمية، فنجد هؤلاء السيدات أصبحن يعانوا من الصداع النصفى وضعف البصر والضعف العصبي والمناعي نتيجة المعاناة المضاعفة التى أثرت على الأم نتيجة عام كامل من الضغط النفسي.
هذا غير العنف الأسري الذي تضاعف أيضا فى هذه الفترة وتحملت الأم كل هذا مما أدى الى أمراض مزمنة غير نوبات القلق والهلع الذى وصل الى الاكتئاب والانتحار.
وتضيف محمود ، وان كانت طموحاتنا أعلى مما اتخذ فيما يخص إجراءات الحماية التى قامت بها الدولة للام والسيدة المصرية لذا يتوجب مراجعة كافة القرارات بطريقة استثنائية، نتيجة هذه الظروف الاستثنائية وتحديدا في موضوع التعلم عن بعد ، وجاءت مؤسسات المجتمع المدني لتحاول بكافة قدراتها تقديم الدعم المادي والنفسي والاجتماعي ، ، وعلى الصعيد العائلي يجب أن تقسم كل هذه الأعباء.
الأمم المتحدة: أزمة كورونا أظهرت تحيز النظم
وقد نشرت إدارة الأمم المتحدة للتواصل العالمي الوعي والإدراك العالميين بمنظمة الأمم المتحدة بحث عن أثر مرض فيروس كورونا على النساء والفتيات ، أكدت فيه أن جائحة كوفيد-19، جاءت لتكشف ما يشوب النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من مواطن ضعف فيما يخص حقوق النساء وتزايد بدورها من آثار الجائحة في جميع المجالات، من الصحة إلى الاقتصاد، ومن الأمن إلى الحماية الاجتماعية بالنسبة للنساء والفتيات لمجرد كونهن إناثا.
كما أكد البحث إن جائحة كوفيد-19 لا تمثل تحديا للنظم الصحية في العالم فحسب، بل إنها أيضا اختبار لروحنا البشرية. والتعافي من هذه الجائحة يجب أن يؤدي إلى عالم أكثر مساواة وأكثر قدرة على التكيف مع الأزمات في المستقبل. ولقد أقرت عدة بلدان حُزماً من الحوافز الضريبية واتخذت تدابير طارئة لمعالجة الثغرات في مجال الصحة العامة بهدف التخفيف من آثار جائحة كوفيد-19 . ولا بد لجميع الاستجابات الوطنية، إذا أُريد لها أن تحقق الآثار الضرورية، من أن تركز على النساء والفتيات – فيما يتعلق بإدماجهن وتمثيلهن وحقوقهن، وتحقيق نتائج اجتماعية واقتصادية تعود عليهن بالنفع، وكفالة المساواة والحماية لهن . ولا يتعلق الأمر بمجرد تصحيح أوجه عدم المساواة التي طال أمدها، بل أيضا ببناء عالم أكثر عدلا وقدرة على التكيف. ولا يصب هذا الأمر في مصلحة النساء والفتيات فحسب، بل أيضا في مصلحة الفتيان والرجال. ولئن كانت المرأة هي الأكثر تضررا من هذا الوباء، فإنها ستكون أيضا العمود الفقري للتعافي في المجتمعات المحلية. وكل استجابة سياساتية تعترف بهذا الأمر ستكون أكثر تأثيرا نتيجة لذلك.