والأم الحكيمة لا تهدد. وإنما تتصرف تصرفا حكيما. يجمع بين الحب والحزم. وبين العقاب والعلاج. فيكون العقاب هدفه العلاج وليس لمجرد العقاب والمجازاة.
وبحكمة تكون العقوبة, وتعرف صاحبتها متي تكون؟ ولأي سبب؟ هل تصلح؟ وإلي أي مدي؟
شروط العقوبة
1ـ الشرط الأول: أن يعرف الابن أنه غلطان, ويستحق العقوبة لذلك ينبغي توضيح الموقف له وشرح نوعية الخطأ الذي وقع فيه ونتائجه. علي أن يقتنع بذلك لأنه إذا لم يدرك أنه قد أخطأ سيشعر أنه واقع تحت ظلم وأن سلطة الوالدين تستخدم بطريقة عشوائية وبدون حق. وهذا الشعور يضره ويتعبه.
2ـ يجب إقناعه أيضا بأن العقوبة نافعة له…
وأنها تفيده وتربيه. حتي يبتعد عن الخطأ. ولا يكرره ولا يصبح عادة له, وكلما يتذكر العقوبة. يذكر أنه قد فعل ما لا يليق, وقد أغضب الله ووالديه بما قد فعله. وربما قد أساء كذلك إلي سمعة الأسرة, وقدم صورة غير لائقة لإخوته. الذين قد يقلدونه إذا وجدوا أن خطأه قد مر بسهولة دون عقاب, فالعقوبة كما هي نافعة له. هي نافعة أيضا لغيره.
3ـ إشعاره بأن العقوبة لا تمنع المحبة.
فمحبة أمه له قائمة, تظهرها نحوه بأساليب أخري علي الرغم من بقاء العقوبة, وأن هذه المحبة جزء من طبيعة الأم وقد أظهرتها نحوه في مناسبات عديدة تذكره بها.
وأن الله نفسه قد عاقب, علي الرغم من محبته للبشر.
4ـ من شروط العقوبة أن تكون علي قدر الاحتمال.
علي قدر ما يستحق الخطأ من جهة. وعلي قدر ما يحتمل المخطئ من جهةأخري… ويراعي في هذا شعور الابن الحساس. والابن الصغير, والابن المحب قد تصدمه العقوبة في أمه, وأيضا يراعي شعور الابن المحتاج إلي حنان لظروف خاصة, ويراعي أيضا عامل السن, وعامل المعرفة أوالجهل.
5ـ تكون العقوبة لوقت محدد, تنتهي بعده.
لأن هناك أمهات: إذا غضبت مرة واحدة يكون غضبا مستمرا لا تعرف متي ينتهي! وإن خاصمت يستمر الخصام إلي مدي لا تعرف نهايته! وهكذا إذا عاقبت, لا يعرف الابن متي تنتهي عقوبته! وإذا منعته عن شيء, لا يعرف متي ينتهي هذا المنع!
وكل هذا خطأ بلا شك. فالله نفسه ـ تبارك اسمه ـ قيل عنه في المزمور إنه كثير الرحمة وبطيء الغضب لا يحاكم إلي الأبد, ولا يحقد إلي الدهر (مز 103: 9).
6ـ تكون العقوبة لونا من العلاج.
فتعاقبه الأم بمنعه عما يضره, وبإبعاده عن أسباب الخطأ, ويكون هذا علاجا له. بحيث يدرك أيضا أن هذا لون من العلاج, وليس مجرد عقاب كمنعه مثلا من صداقات ضارة, وعن زيارات تسبب له خطايا. أو منعه عن مرفهات ومسليات تضره.
7ـ ويشترط في العقوبة أن تكون علي أساس ثابت.
بحيث يفهم الابن أنها تمثل مبادئ وقيما ثابتة, وهكذا لا تكون الأم مترددة تمنعه عن شيء في وقت ما. وتصرح بنفس الشيء في وقت آخر. فلا يدري الابن أين الحكمة من تصرفها ومن معاقبتها. مادامت هي تأمر بالشيء وعكسه!!
مصادقة الأبناء:
يفيد جدا في التربية وفي العلاقات الأسرية أن تكون الأم صديقة لأبنائها: تربطها معهم عوامل من المودة, وليس مجرد سلطة الأعلي علي الأدني.
وفي هذه الصداقة والمودة, توجد الثقة والمصارحة.
فيستطيع الابن أن يفتح قلبه لها, ويحدثها بكل صراحة عما في داخله وعن مشاكله وحروبه الروحية, دون أن يخشي عقابا أو توبيخا أو فقدانا لثقتها به, بل يطلب المشورة والإرشاد ولا مانع من الحوار لا بلون من المجاملة والكبرياء, بل لمجرد التوضيح وبحث كل وجهات النظر معا.
وحتي إن كشف لها أخطاءه ومشاكله, يكون علي يقين أنها ستحفظ السر, ولن تعايره بخطأ وقع فيه… أو تعاقبه عليه..
وفي هذا يثق الابن أن أمه موضوعية وليست انفعالية.
تحلل ما يقوله لها في موضوعية وترشده إلي الواجب عليه دون أن تثور ودون أن تتضايق أو تبكي, أو تطالبه بأكثر مما يستطيع أو تشتد في لومه وفي إيلامه.
وفي حفظها للسر لا يكون ذلك بحفظ اللسان فقط من الكلام, بل أيضا يحفظ ملامحها فلا تكشف شيئا, وبالحرص في معاملاتها له فلا يستنتج منها ما أرادت أن تخفيه بصمتها..
مثل هذه الأم التي لا تتصرف بطريقة انفعالية. تكون موضع ثقة ابنها وتقديره, ويستطيع أن يتخذها كصديقة ومرشدة…. في ثقته بها. توجد المصارحة وكشف القلب والفكر علي أساس من المودة والحب. ويا ليت الابن أيضا يثق بذكاء أمه وحكمتها وحسن تصريفها للأمور. فليست كل أم تصلح أن يتخذها أبناؤها مرشدة لهم…
الاحترام والتقدير:
من المفروض أن يحترم الأبناء آباءهم وأمهاتهم, فالكتاب يقول أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك علي الأرض.. (خر 20:12), ولكي يكون لك خير علي الأرض.. (تث 5:16) وقد علق القديس بولس الرسول علي هذه الوصية بأنها وصية بوعد (أف 6:2).
ويكون احترام الإنسان لأمه. ليس مجرد مركزها العائلي كأم, ولكن حبذا لو كان ذلك أيضا بسبب تقديره لعقلها وحكمتها وحسن مشورتها, وحسن تصريفها وتدبيرها لأمور الأسرة, ولا تكون مثل بتشبع أم سليمان الملك التي جاءته في طلب فقام عن كرسي ملكه وسجد لها, وأجلسها علي كرسي عن يمينه.. ولكن لما طلبت منه طلبا شعر أنه ضد الشريعة لم يستجب لها, بل عاقب من جاءت تتوسط لأجله وأمر بقتله.! (مل 3:19ـ25).
هناك إذن فرق بين الاحترام للمركز, واحترام الصفات والشخصية.
والأم الحكيمة العاقلة. هي الأم التي يحترمها أبناؤها للأمرين معا.
حتي لو لم تكن أما. لا يقل احترامهم لها, فشخصيتها توجب الاحترام.
وكلامها يجب تنفيذه, ليس لأنه مجرد كلام أم بل بالأكثر لأنه كلام منفعة كله حكمة وفائدة.
هذه هي الأم التي لها مواهب وشخصية وحياة ماثلة. إنه احترام من عمق القلب, والعقل. لأنها موضع ثقة.
غير أن بعض الأمهات للأسف يطلبن الاحترام والطاعة في مواقف وأوامر خاطئة لا يمكن للابن الحكيم أن يطيعها!! كما حدث لبتشبع مع ابنها سليمان الحكيم.. وإن حدث لمثل هذه الأم أن خالفها ابنها: أن تثور عليه وتوبخه. وتقول له: أبهذا الأسلوب تكلم أمك؟! وأين هي الطاعة التي أمرك بها الرب؟! ونفس الوضع بالنسبة إلي الأب المخطئ في أوامره. وهكذا يقول الكتاب, أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب, لأن هذا حق (أف 6:1).
نعم في الرب فهذا حق أما خارج دائرة الرب فيقول السيد الرب: من أحب أبا أو أما أكثر مني فلا يستحقني.. (مت 10:37). أما في الرب فكل كلمة تقولها الأم تكون موضع الطاعة وموضع الاحترام وموضع التنفيذ… يرضي وبشكر.. والأم الحكيمة تحترم أولادها أيضا كما يحترمونها.
لا تهينهم ولا توبخهم بغير سبب يستحقون عليه التوبيخ ولا تجرح شعورهم ولا تصغر من شأنهم بل تكلمهم بألفاظ رقيقة ويكونون في نظرها كبارا تفتخر بهم وترفع من قدرهم أمام الكل وتمتدح ما فيهم من حسنات وتسر بنجاحهم وتفوقهم.
الابن يعاملونه خارج بيته معاملة طيبة وباحترام, ولكنه للأسف لا يجد في بيته نفس الاحترام الذي يجده خارجا, فإنه في نظرهم باستمرار صغير مهما كبر لهذا يعاملونه في البيت كصغير لا يستحق احتراما. وبهذا قد ينشأ الابن معقدا يبحث عن احترامه دائما خارج بيته!!
أما في البيت فقد يجد الابن العناية. ولكن ليس الاحترام.
لهذا أقول باستمرار إن الزواج يحتاج بكل تأكيد إلي مواهب تربوية لأنه ينجب أولادا تحتاج إلي تربية سليمة.
والأم بالذات تحتاج بالأكثر إلي هذه المواهب التربوية, لأن الأب غالبا ما يكون مشغولا بعمله خارج البيت, تاركا مسئولية تربية أبنائه علي أمهم