خلال زيارته الأولى والتاريخية لدولة العراق قام بابا الفاتيكان بإلقاء كلمة يدعو فيها أطياف الشعب العراقى للوحدة والوآم للعيش في سلام، وذلك بقصر بغداد.
بدأ قداسة البابا فرنسيس كلمته بتقديم الشكر لدعوته لزيارة العراق قائلاً:
أشكر هذه الفرصة التي أتيحت لى لزيارة مهد الحضارات التي ترتبط إرتباطاً وثيقاً عبر عن أبينا النبي إبراهيم والعديد من الأنبياء بتاريخ الخلاص والتقاليد الدينية الكبرى اليهودية والمسيحية والإسلام، وأعبر عن شكري الخالص للسيد الرئيس “برهم صالح” لدعوته الكريمة وكلمات الترحيب الطيبة التي وجهها إلى بإسمه وبإسم السلطات العراقية.
– اوجه التحية الحارة للأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات ولكل المؤمنين في الكنيسة الكاثوليكية جئت حاجً لأشجعهم في شهادتهم فى الإيمان والرجاء والمحبة في وسط المجتمع المدني.
– كما احيي أعضاء الكنائس الاخرى والجماعات المسيحية الكنسية وأحيي كل المؤمنين المسلمين وممثلي سائر التقاليد الدينية ليمنحنا الله ان نسير معاً كإخوة وأخوات في قناعة راسخة بأن تعليم الحق للديانات تدعون بأن نتمسك بقيم السلام وبالمعرفة المتبادلة وبلأخوة الإنسانية وبالعيش المشترك.
– إن زيارتي هذه تأتي في زمن يحاول فيه العالم بأسرة بأن يخرج من حائحة كوفيد 19 الذي لم يؤثر فط على صحة كثيرين بل تسببت الجائحة أيضاً في تدهور الظروف الإجتماعية والإقتصادية التي كانت تعاني اصلاً من الهشاشة وعدم الإستقرار هذه الأزمة تتطلب جهود مشتركة من كل واحد منا حتى نقوم بالخطوات العديدة الضرورية بما في ذلك التوزيع المنصف للقاح يشمل الجميع ولكن هذا لايكفي ، هذه الأزمة تدعونا لنعيد التفكير ثانية لأنماط حياتنا وبمعني وجودنا هذا يعني أن نخرج من زمن المحنة هذه أفضل مما كنا عليه في السابق وأن نبني مستقبلنا على ما يوحدنا ليس على ما يفرق بيننا.
خلال العقود الماضية عانى العراق من كوارث الحروب والارهاب ومن الصراعات الطائفية التي غالباً ما تقوم على الأصولية التي لا تقبل ان تتعايش في سلام مختلف الجماعات العرقية والدينية بمختلف افكارها وتنوع ثقافاتها كل ذلك سبب الموت والدمار وأنقاض مازالت مرئية وظاهرة للعيان على ليس فقط على المستوي المادي والأضرار أكثر عمقاً من ذلك ويكفي أن نتذكر الجروح في قلوب الكثيرين من الناس والجماعات، والتي ستستغرق سنوات لتشفى.
– وهنا ومن بين الذين عانوا لا يسعني الا ان اتذكر اليزيديين الضحايا الابرياء في همجية عبثية وعديمة الانسانيه، الذين تعرضوا للاضطهاد والقتل بسبب انتمائهم الديني وبسبب هويتهم فتعرضت هويتهم وبقائهم للخطر، لذا فإن تمكنا أن ننظر بعضنا لبعض بوجود إختلافتنا كأعضاء بشرية واحدة يمكننا أن نطلق عملية فعالة لإعادة البناء والإعمار وان نسلم أجيالنا القادمة عالماً أكثر عدلًا وإنصافً وإنسانية. وبهذا الصدد فان التنوع الديني والثقافي والعرقى الذي ميز المجتمع العراقي لآلاف السنوات أنما هو مورد سمين نستمد منه وليس عائق للتخلص منه.
اليوم العراق مدعوً ليبين للجميع وخاصة للشرق الأوسط أن الاختلافات بدلا من ان تثير الصراعات يجب ان تتعاون في وئام للحياه المدنية.
– إن التعايش الاخوي يحتاج الى حوار صابر وصادق، حوار محمي من العدل وإحترام القانون، وهذه ليست بمهامه وسهله يتطلب جهداً وإلتزام من طرف الجميع حتى يتم التغلب على الخصام وعلى المجابهات، ينبغي ان نتكلم بعضنا إلى بعض إنطلاقاً من أعمق هوية أبناء الله الواحد الخالق.وإستنداً على هذا المبدأ فإن الكرسي الرسولى في العراق وفي كل مكان تناشد دون كلل السلطات المختصة وحتى تمنح كل الجماعات الدينية كل الإحترام والحقوق والحماية. ونقدر الجهود التي تمت في هذا الإتجاه وأضم صوتي إلى صوت الرجال والنساء وذوي النوايا الحسنة حتى يستمروا في مسعاهم لخير البلد ومنفعته.
– إن المجتمع الذي يحمل ثمة الوحدة الأخوية هو مجتمع يعيش افراده في تضامن فيما بينهم، فالتضامن يساعدنا على رؤية الأخر كقريب لنا وكرفيق في دربنا، وهي فضيلة تحملنا على القيام بأعمال الرعاية والخدمة وإعتناء خاص لأناس أكثر ضعفاً وحاجة.
– وافكر بالذين فقدوا بسبب العنف والإضطهاد والإرهاب الذين فقدوا أحبائهم وأفراد عائلاتهم منازلهم وممتلكاتهم وافكر بكل الناس الذين يكافحون كل يوم بحثا عن الأمان وعن سبل العيش ليستمروا في حياتهم، في حين تزداد البطالة والفقر وإن معرفتنا بمسؤليتنا تجاه ضعف الأخرين ينبغي ان تلهم كل جهد لخلق إمكانات ملموسة على الصعيدين الإقتصادي والتربوي وكذلك للعناية بالخليقة “بيتنا المشترك”وبعد الأزمة لا يكفى إعادة البناء بل من الضرورى أن نجيد إعادة البناء حتى يتمكن الجميع من العيش بكرامة والتمتع بحياة كريمة “لا نخرج من الأزمة كما كنا من قبل، نخرج منها إما في حالة أسواء أو أفضل” وبصفتكم مسؤليين سياسيين ودبلوماسيين فأنتم مدعويين لتعزيز هذه الروح “روح التضامن الأخوي” ومن الضروري التصدي لآفة الفساد ولإستغلال السلطة فكل ما هو غير شرعي ولكن هذا لا يكفى ينبغي في نفس الوقت تحقيق العدالة والنزاهة والشفافية وتقوية المؤسسات المسؤلة عن ذلك، بهذه الطريقة يمكن أن يزداد الإستقرار وأن تتطور سياسة سليمة قادرة على توفيره للجميع وخاصة للشباب فهم كثروا في هذه البلد وأن يتوفر لهم الأمل في مستقبل أفضل.
السيد فخامة الرئيس، السلطات الموقرون، أيها الأصدقاء الأعزاء أأتي بصفتي تائب الذي يطلب المغفرة من السماء ومن الأخوة لكثرة الدمار والقسوة، أتيت حاجاً يحمل السلام بإسم السيد المسيح أمير السلام.
كم صلينا في هذه السنوات من أجل السلام في العراق”القديس البابا يوحنا بولس الثاني” لم يدخر مبادرة ولا سيما قدم الصلوات والآلام من أجل السلام والله يصغى دائماً وعلينا نحن أن نصغى إليه وأن نسير في طرقه، فلتصمت الأسلحة ولنضع حداً لإنتشارها هنا وفي كل مكان، لتتوقف المصالح الخاصة التي لا تهتم بالسكان المحليين ولنسمع صوت كل من يبني ويصنع السلام، لنسمع صوت الصغار والفقراء والبسطاء الذين يريدون أن يعيشوا ويعملوا ويصلوا في سلام.
– كفا عنفاً وتطرف وتحزبات وعدم تسامح ولنعطي المجال لكل المواطنين الذين يريدون أن يبنوا معاً هذا البلد من خلال الحوار ومن خلال مواجهة صريحة وصادقة، لنعطي المجال لكل من يلتزم في المصالحة والخير العام وكل من يستعد أن يضع مصالحه الخاصة جانباً.
– في هذه السنوات يسعى العراق لإرثاء الأسس لمجتمع ديمقراطي ولابد في هذا الصدد أن نضمن مشاركة كل الفئات السياسية والاجتماعية والدينية وأن نضمن لكل المواطنين الحقوق الأساسية.
– يجب ألا يعتبر أحد مواطن من الدرجة الثانية،وأشجع كل الخطوات التي تم إتخاذها في هذا الإتجاه حتى الآن وأرجو أن تتعزز الطمأنينة والوآم.
وللمجتمع الدولى دور حاسم يقوم به من أجل تعزيز السلام في هذه الأرض وفى كامل الشرق الأوسط.ورأينا ذلك في خلال الصراع طويل الأمد في سوريا المجاورة في هذه الآيام قد مرت الآن عشر سنوات على بدايته، وأن التحديات اليوم تدعوا إلى كامل الأسرة البشرية دعوة مُلحة وهي تتطلب منا التعاون على نطاق عالمى من أجل التصدي لعدم المساواه في المجال الإقتصادي وأن نتصدي للتوترات الإقليمية التي تعرض الإستقرار في هذه البلدان للخطر.
– واشكر الدول والمنظمات الدولية التي تعمل في العراق من أجل الإعمار ومن أجل تقديم المساعدة للاجئين وللنازحين الداخليين والذين يصعب عليهم أن يعودوا إلى منازلهم لأنها توفر الغذاء والماء والخدمات الصحية والطبية في هذا البلد كما تقدم البرامج الهادفة للمصالحة وبناء السلام. وهنا لا يسعني إلا أن أشكر العديد من الوكالات ومن بينها وكالات كاثوليكية التي ظلت منذ سنوات تساعد السكان المدنيين بإلزام كبير.
– إن تلبية الإحتياجات الأساسية للكثير من الإخوة والأخوات هو عمل محبة وعدل ويسهم في سلام دائم.
– وأتمنى ألا تسحب الدول يد الصداقة، والإلتزام البناء الممدودة للشعب العراقى بل أن تواصل عملها بروح
المسؤلية المشتركة مع السلطات المحلية دون فرض مصالح سياسية أو أيدولوجية.
– الديانة بطبيعتها يجب أن تكون في خدمة السلام والأخوة، إن أسم الله لا يجوز أن يستخدم لتبرير القتل والتشريد والإرهاب والبطش على العكس فإن الله الذي خلق الكائنات البشرية متساوون في الكرامة وفى الحقوق يدعون أن ننشر المحبة والإحسان والوآم ولاسيما وكذلك في العراق.
– إن الكنيسة الكاثوليكية تريد أن تكون صديقة للجميع ومن خلال الحوار أن تتعاون بطريقة بناءة مع كل الديانات الأخرى من أجل قضية السلام.
إن الوجود العريق المسيحيين في هذه الأرض وإسهامهم في حياة هذا البلد يمثل إرثاً غنياً ويريد أن يكون قادراً على الإستمرار في خدمة الجميع.إن مساهمتهم في الحياة العامة كمواطنون يتمتعون بكامل الحقوق والحريات والمسؤوليات يشهد أن تعددية دينيه وعرقية وثقافية سليمة من شأنها أن تسهم في إزدهار البلاد وإنسجامه.
– أيها الأصدقاء الأعزاء أود أن أعبر مرة أخرى عن شكري الخالص لكل ما فعلتموه وما تواصلون فعله من أجل مجتمع يقوم على الوحدة والأخوة والتضامن والوآم.
– إن عملكم في خدمة الخير العام هو عمل نبيل، و أسأل الله القدير أن يؤيدكم في مسؤلياتكم وأن يرشدكم على طريق الحكمة والعدل والحقيقة، ولكل واحد منكم ولعائلاتكم وأحبائكم وللشعب العراقى بأثره أسأل الله وافر البركات الإلهية. أشكركم.