– عرف أول نصب تذكاري “للجندي المجهول” خلال الحرب العالمية الأولى.
– في مصر ما يقرب من ستة نصب تذكارية .
– أقدم النُصب التذكارية لـ«الجندي المجهول» بميدان المنشية بالإسكندرية.
إبداع نحتي أو معماري شيد من أجل التذكير بشخصية أو حدث تاريخي، لتجسيد الاحداث التاريخية في حاضر ومستقبل الدول سواء كانت هذه الاحداث سياسية أو عسكرية أو تاريخية وغيرها من الاحداث، حيث أن لها تأثير بالغا في نفوس الشعوب، خاصة انها تخلد تلك الاحداث وتبقي في ذاكرة الامم عبر الزمن.
والنُصب التذكاري، عبارة عن إبداع نحتي او معماري شيد من اجل التذكير بشخصية او حدث تاريخي، وغالبا ما يأتي على هيئة عمود أو مسلة أو على هيئة بناء أو تلة مصطنعة، فمفهوم النُصب التذكاري كما اوضحها اسلام محمد منصور في كتابة ” النُصب التذكارية والتماثيل الشخصية”، غالبا ما يتمحور حول وظيفته الرمزية وهو إشارة تذكارية بحدث تاريخي.
ويوافق التاسع من مارس من كل عام ذكرى “يوم الشهيد” .. وهو يوم استشهاد البطل عبدالمنعم رياض – رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق – وسط جنوده على الجبهة في الضفة الغربية لقناة السويس، وتحديدا في 9 مارس 1969، وهو يطبق رؤيته عن تذويب الفوارق بين القادة والجنود لتحقيق معادلة الشرف والنصر، وفي جميع المناسبات الوطنية خاصة التي تأتى في ذكرى الانتصارات العظيمة مثل حرب أكتوبر المجيدة أو ثورة 23 يوليو، كما تأتى زيارة قبر الجندي المجهول على رأس أولويات القادة ابتداء من رئيس الجمهورية، والوزراء والمحافظين والشخصيات العامة. فمن هو الجندي المجهول، وما سبب تشييد نصب تذكاري له؟.
“الجندي المجهول” هو أي جندي استشهد في الحرب ولم يتم الاستدلال على شخصيته أو هويته، فلا يتم دفنه في المدافن العسكرية ولكن يتم إقامة مكان يطلق عليه النُصب التذكاري أو قبر الجندي المجهول لدفن هؤلاء الجنود الذين لم يتم التعرف على هوياتهم نتيجة التشوهات من الحروب، ويقام في مكان متسع يصممه فنانون عالميون، وهو تقليد متعارف عليه في أغلب دول العالم التي شهدت ويلات الحروب، ويزور هذا النُصب القادة والشخصيات العامة في احتفالات النصر والأعياد القومية ويضعوا على قبورهم أكاليل الزهور تكريما لذكراهم.
عرف النُصب التذكاري “للجندي المجهول” أول مرة خلال الحرب العالمية الأولى، حيث ظهر هذا التعبير في فرنسا للدلالة على جندي فرنسي مجهول الهوية استشهد في ساحة الشرف خلال الحرب العالمية الأولى ونقل جثمانه إلى باريس قوس النصر في 11 نوفمبر 1920، وكان يرمز للتضحية التي قدمها ما يقرب من 1.390 مليون عسكري فرنسي قتلوا في تلك المعارك، ونقش على الضريح العبارة التالية (هنا يرقد جندي فرنسي مات في سبيل الوطن) وأقيمت شعلة فوق الضريح تبقى مشتعلة ومضاءة.
ومن هنا تحول هذا التقليد الفرنسي إلى تقليد عالمي تسعى الدول من خلاله إلى تكريم شهدائها من العسكرين الذين استشهدوا في ساحات المعركة، وفى المعتاد يدفن الشهداء العسكريين في مقابر عسكرية، بخلاف الجندي المجهول الذى يمكن أن يقام نصبه في أي مكان، حيث تختار كل دولة مكان النُصب في منطقة واسعة ولها مواصفات معينة يمكن خلالها إقامة الاحتفالات واستقبال الزيارات الرسمية وغير الرسمية لمن يأتي لزيارة هذا النُصب.
وفى مصر ضم السجل الوطني المصري قائمة طويلة من الشهداء الذين قدموا اروع صور البطولة والتضحية والفداء ، وتخليدا لذكرى هؤلاء الأبطال ، قامت الدولة ببناء النُصب التذكارية في مختلف المحافظات المصرية ، ويوجد في مصر ما يقرب من ستة نصب تذكارية متفرقة في عدد من المحافظات، مثل النُصب التذكاري للجندي المجهول بـمدينة نصر، حيث قام الفنان سامى رافع مصمم جداريات مترو الأنفاق بتصميم هذا النُصب التذكاري، و ينتمى هذا النُصب إلى مدرسة الرمزية ، فهو على شكل هرمى مفرغ من الداخل على ارتفاع 33 متر، للإيحاء بالانتصار والاتجاه للسماء ، مع تداخل أسماء للشهداء المجهولين المحفورة على سطحه الجرانيتي بخط عربي ليعطيه الفخر والإحساس بالعزة.
افتتحه الرئيس الراحل السادات عام 1975 ، ويضم النُصب رُفاة أحد الجنود المجهولين في حرب أكتوبر ، و قبر الرئيس الراحل ، وفي عام 1991 تم إضافة نافورتين من الرخام تحملان عربات أحمس التي تطارد الهكسوس، و ستارة كُتب عليها الآية الكريمة «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا ، بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون» ، ولوحة تصور اقتحام الجندي المصري لخط بارليف.
أما النُصب التذكاري لـ«الجندي المجهول» لرجال البحرية المصرية الكائن بكورنيش الإسكندرية، وبالأخص بميدان المنشية، يرجع تاريخه إلى عصر الخديوي إسماعيل، حيث تم تشييده على يد الجالية الإيطالية البارعة في فنون العمارة، والتي أحبت «إسماعيل» حتي أنها شيدت له هذا النُصب كهدية، يتوسطها تمثالًا له. وبعد ذلك بسنوات أصدر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قراراً رئاسيًا بتحويل هذا الموقع إلى نصب تذكاري لجنود البحرية المصرية المجهولين عام 1964، والذي أصبح ذا مغزي بإضافة عيد البحرية يوم 21 أكتوبر من كُل عام، في ذكري تدمير البحرية المصرية للمدمرة الإسرائيلية «إيلات» ضمن حرب الاستنزاف المطولة التي خاضتها مصر بين 1967 و 1973.
جدير بالذكر أن تمثال الخديوي إسماعيل تم نقله إلي متحف الفنون الجميلة بمحرم بك، والنُصب عبارة عن قاعدة رُخامية، تنبت منها عمدان رُخامية منقوشة بدقة يعرفها جيدًا أهل الإسكندرية.
كما أن الإسكندرية تحتوي على نصب تذكاري آخر لجندي الإسكندرية “الشهيد المجهول” في حرب أكتوبر 1973، بميدان الشهداء.
و تتميز بورسعيد بـ”نُصب بواسل بورسعيد”، وترجع قصة هذا النُصب الي ما واجهته بورسعيد اثناء العدوان الثلاثيّ وحدها، حيث تضررت التضرر الأكبر وكابدت أمريّ التهجير والقصف، وأفشلت بها مصر عدوانًا ثلاثيًا اشتركت فيه فرنسا وإنجلترا وإسرائيل، كان لابُد لشهيدها المجهول في 1956، والذي رُبما كان فدائيًا أو مُجندًا مات غريبًا ولم يُعرَف عنه شيئًا بعدها، احتفت المدينة بشهدائها لتُشيّد لهم نصبًا تذكاريًا على طريقة الفراعنة الذين كانوا يغرسون المسلات في مواضع انتصارهم، بميدان الشهداء أو ميدان المسلة، أمام ديوان عام محافظة بورسعيد، تم تشييد هذا النُصب، حسب الموقع الرسمي لمحافظة بورسعيد، قسم المزارات التاريخية، كمسلة جرانيتية تعلوها شُعلة، على سطح متحف النصر.
وفى دسوق، حيث تمُر من جواره تاكسيّات محافظة كفر الشيخ ذات اللون الأصفر في الأبيض المُميّز، يُشيّعها رُكاب دسوق في سكينة، فكفر الشيخ في أعقاب حرب 1973 أبت إلا أن تخلّد مفقوديها الشهداء بنصب تذكاري يتوسط مدينتها دسوق، يعلوه لفظ الجلالة بلون أخضر.
أما إذا قمت بزيارة مدينة الإسماعيلية، ونازعتك نفسك بالرغبة في الترحم وتذكر شهداء هذه المدينة الذين قدمتهُم في سبيل تُراب الأرض كونها إحدى مُدن القنال التي شملها من نار الحرب القسم الأكبر، إلى جوار ما قدمته من مجندين إسماعيليّ النشأة، فإنه يتوجّب عليك استقلال «معديّة» تعبر قناة السويس إلى الجانب الآخر الشرقي منه، لإلقاء السلام والتحية على صب شهداء معركة الإسماعيلية”.
يذكر أن معركة الإسماعيلية هي واحدة من سلسلة معارك حرب أكتوبر 1973، على خلفية ثغرة «الدفرسوار» بقيادة الجنرال الإسرائيلي «آرييل شارون» الذي كان على وشك العبور بسرعة إلى مدينة الإسماعيلية على ضفتها الغربية قبل إعلان وقف إطلاق النار من قبل مجلس الأمن، والتي تعاملت فيها إسرائيل على أنها معركة فاصلة، بيد أن القوات الإسرائيلية لم تنجح وقتها في خطة عزل المدينة كما خططت، ليتم تخليد ذكرى شهداء المعركة الذين واجهوا آخر مراحل العدوان الإسرائيلي بنصب تذكاري على هيئة «سونكي- سيف» يُعد من أجمل النُصب التذكارية من حيث اختيار الموقع المُطل على سيناء والإسماعيلية في نفس الوقت، بالإضافة إلى روعة واتقان بناءه الذي يوحي بفخامةٍ ما تليق بشهداء المعركة.