* تعريف الصوم:
تعريف الصوم من الناحية الروحية سنذكره بالتفصيل فيما بعد..
ولكن ما هو تعريف الصوم من الناحية الجسدية؟.
الصوم هو انقطاع عن الطعام لفترة من الوقت يعقبها طعام خال من الدسم الحيواني.
* فترة الانقطاع:
لابد من فترة انقطاع لأننا لو أكلنا من بدء اليوم بدون انقطاع, لصرنا نباتيين وليس صائمين, وحتي الصوم في اللغة هو الامتناع أو الانقطاع. فلابد إذن أن نمتنع عن الطعام لفترة معينة.
فترة الانقطاع عن الطعام تختلف من شخص لآخر.
وذلك لأسباب كثيرة نذكر من بينها:
1ـ يختلف الناس في درجاتهم الروحية, فهناك المبتدئ الذي لا يستطيع أن ينقطع طويلا . ويليه المتدرب الذي يستطيع أكثر. يفوقهما الناضج روحيا الذي يمكنه أن ينقطع عن الطعام لفترة طويلة. وأكثر من هؤلاء الناسك الذي يستطيع أن يطوي الأيام صوما كما كان يفعل آباؤنا الرهبان والمتوحدون والسواح.
2ـ يختلف الصائمون في سنهم, فمستوي الطفل أو الصبي في الصوم. غير مستوي الشاب و الرجل الناضج. غير ما يستطيعه الشيخ أو الكهل.
3ـ يختلف الصائمون أيضا في صحتهم, فما يحتمله القوي غير ما يحتمله الضعيف. كما أن المرضي قد يكون لهم نظام خاص, أو يعفون من الانقطاع حسبما تكون نوعية أمراضهم وطريقة علاجهم.
4ـ يختلف الصائمون كذلك في نوعية عملهم, فالبعض يقومون بأعمال تحتاج إلي مجهود جسدي كبير. والبعض أعمالهم مريحة أعمالهم يجلسون فيها إلي مكاتبهم بضع ساعات في اليوم, واحتمال هؤلاء للانقطاع غير أولئك.
5ـ هناك أيضا نظام التدرج, فقد يبدأ الصائم الأسبوع الأول من صومه بدرجة انقطاع معينة, تزداد علي مر الأسابيع. حتي يكون انقطاعه في آخر الصوم أعلي بكثير من نقطة البدء. وهذا التدرج نافع وينصح به الآباء الروحيون.
علي أنه قد يوجد حد أدني لهذا الانقطاع.
وربما يختلف هذا الحد الأدني من صوم إلي آخر, فالصوم الكبير مثلا يكون حده الأدني أعلي من باقي الأصوام.
والحد الأدني في أسبوع الآلام يكون أعلي مما في الصوم الكبير نفسه. والبعض كانوا يطوون الفترة من بعد خميس العهد إلي قداس العيد وأيام البرامون في أصلها تطوي أيضا, أما الضعفاء فلهم تسهيل خاص.. ومع كل ذلك, فيمكننا أن نضع قاعدة مهمة وهي:
فترة الانقطاع تكون حسب إرشاد أب الاعتراف.
وذلك حتي لا يبالغ فيها البعض فتتعبهم جسديا, وقد تتعبهم روحيا أيضا أن تجلب لهم أفكارا من المجد الباطل. كما أن البعض من الناحية الأخري قد يتهاون بطريقة تفقده فائدة الصوم, والأفضل أن يشرف أب الاعتراف علي هذا الأمر.
علي أنه من جهة النظام العام للكنيسة في فترة الانقطاع.
نود أن نسأل سؤالا.
هل هناك علاقة بين الانقطاع والساعة التاسعة!
يبدو أن هناك علاقة.. لأنه في طقس الكنيسة الخاص بصلاة الساعة التاسعة, نلاحظ اختيار فصل الإنجيل الخاص بمباركة الطعام بعد فترة من الجوع (لو9:10ـ17).
وواضح أننا في صلاة الساعة التاسعة نذكر فيها موت السيد المسيح علي الصليب, فلماذا إذن هذا الفصل من الإنجيل الخاص بمباركة الطعام؟ يبدو أن نظام الانقطاع كان عموما إلي الساعة الساعة التاسعة, فيصلي الناس هذه الساعة بإنجيلها المناسب, ثم يتناول طعامهم ولما كانت غالبية السنة صوما, ولكي لا يتغير نظام الصلاة اليومية بين الإفطار والصوم, بقي هذا الفصل من الإنجيل علي مدار السنة. حتي في الأيام التي ليس فيها انقطاع, يذكرنا بالصوم , أو يذكرنا بمباركة الرب للطعام قبل الأكل أيا كان الموعد..
والمعروف أن الساعة التاسعة من النهار هي الثالثة بعد الظهر, علي اعتبار أن النهار يبدأ علي الأغلب من السادسة صباحا.
وعلي أي حال, لا داعي للاستفاضة في بحث هذه النقطة, مادامت فترة الانقطاع تتغير من شخص إلي آخر, كما أننا تركنا تحديدها لأب الاعتراف ولحالة الصائم الروحية..
والمهم عندنا هو الوضع الروحي لفترة الانقطاع.
فلا نريد أن ندخل في شكليات أو في قوانين خاصة بفترة الانقطاع, إنما نريد أن نتحدث عن الطريقة التي يستفيد بها الإنسان روحيا من فترة انقطاعه عن الطعام. لأنه قد ينقطع إنسان عن الطعام إلي التاسعة من النهار أو إلي الغروب أو إلي ظهور النجم, ولا يستفيد روحيا, إذ كان قد سلك بطريقة غير روحية, فما هي الطريقة الروحية إذن!.
1ـ ينبغي أن تكون فترة الانقطاع فترة زهد ونسك.
فلا تهتم فيها بما للجسد. أي لا تكون منقطعا عن الطعام, وتظل تفكر متي تأكل, أو ماذا ستأكل, أو تجد لذة في تجهيز ما تأكل.. إنما ينبغي أن تكون فترة الانقطاع فترة زاهدة ناسكة, ترتفع تماما عن مستوي الأكل وعن مستوي المادة وعن مستوي الطعام.
2ـ وبعد فترة الانقطاع لا تأكل بشهوة.
فالذي ينقطع عن الطعام, ثم يأكل بعد ذلك ما يشتهيه, أو يتخير أصنافا معينة تلذ له, هذا لا يكون قد أخضع جسده أو أذله أو أمات شهوته, أو إذ يأكل ما يشتهي, يدل علي أنه لم يستفد روحيا من فترة الانقطاع, ولم يتعلم منها الزهد والنسك..! انظر ما قاله دانيال النبي عن صومه, لم أكل طعاما شهيا (دا 10:3).
وهذا يكون كمن يهدم ما يبنيه, بلا فائدة..!! وليس الصوم هو أن نبني ونهدم, ثم نبني ثم نهدم, بغير قيام…