القوانين تسري منذ لحظة إقرارها, ولا يوجد قانون يتم تطبيقه بأثر رجعي في أي مكان, علي أي مجموعة من المواطنين, القوانين وظيفتها الأساسية تنظيم وجلب الحقوق وليس تعقيد الحياة وإحباط المواطنين وتجميد أموالهم, ووضع حياتهم وما يملكون في مهب الريح, للأسف هذا هو الشعور العام الحالي بعد بدء العمل بتعديلات قانون الشهر العقاري التي أصابت الناس بالذعر, خصوصا أبناء الطبقة المتوسطة, فمعظم الخائفين ليسوا تجارا للعقارات ولا مليونيرات تتولي أموالهم الدفاع عن حقوقهم.
أبناء الطبقة المتوسطة الذين يبحثون عن الستر في عيون من حولهم مقابل الحرمان من مباهج الحياة في الخفاء, يتخبطون, فلا هم قادرون علي تحمل نفقات رسوم التسجيل المقررة والتي لم يعرفوا عنها شيئا من قبل, ولا هم قادرون علي تحمل تكاليف المحامين لإنهاء حالة التوتر والقلق, وحسم الجدل الدائر بفهم صحيح وإجراء لا غبار عليه, لأن كل شيء بفلوس, التسجيل بفلوس, والمحامي بفلوس, والصمت وعدم التسجيل قد يكون كلفته أغلي من الفلوس, وهي التشريد وضياع تحويشة العمر وستر الأربع حيطان, كما أشاع البعض, فماذا يفعل المنتفعون بالوحدات السكنية من غير التجار أمام تعديلات القوانين التي لم تكن قائمة حينما قرروا شراء وحدة سكنية؟ حتى بعد الضغط الشعبي الذي تم على مواقع التواصل الاجتماعي واستجابة الدولة له، انحصر ارجاء وتاجيل التنفيذ في المادة ٣٥ من قانون الشهر العقاري والمعنية بعدم ادخال المرافق للوحدات غير المسجلة، أما ما يتعلق بالرسوم فييتمر كما هو .
لتسجيل شقتك تتضمن التعديلات دفع رسوم لخمس جهات حكومية, وهي رسوم التسجيل في الشهر العقاري تتراوح ما بين 500 إلي 2000 جنيه حسب المساحة, ورسم نقابة المحامين بنسبة 1% من قيمة العقد, ورسم ضريبة تصرفات بنسبة 2.5% من قيمة عقد البيع المتفق عليه.. ورسم المساحة يقدر حسب المساحة يتراويح ما بين 190 إلي 570 جنيها., وإنهاء الإجراءات ما بين 1000 إلي 2000 جنيه تقريبا. ورسم دعوي صحة ونفاذ ورسم الدعوة في حدود 500 جنيه تقريبا. هذا بخلاف أتعاب المحامي, ورسم الأمانة القضائية. يتم دفع 75% منه. والباقي عند تسجيل الحكم, ويقدر بـ45 جنيها علي كل 1000جنيه من سعر الشقة محل التعاقد.
ما ذنب المشتري الذي عاش يدخر من شقاه وتعبه ويقتطع من لحمه, حتي يوفر أربعة حوائط تحميه وذويه, حتي يدفع لكل هذه الجهات آلاف الجنيهات التي ربما لا يحتكم عليها حاليا, لأنه بالكاد سدد أقساط الشقة التي يمتلكها, وليس لأنه مليونير ويخفي مدخراته تحت البلاطة, والدولة تريد ضبطها وإدراجها ضمن الثروة العقارية, تلك الثروة التي بتطبيق التعديلات الأخيرة دون جدول زمني محكم, سوف يتم تجميدها علي الأقل لسنوات فلصالح من يحدث ذلك؟
ما يجري يخلط الحابل بالنابل, لأن ببساطة ما يمكن تطبيقه علي حيتان العقارات وأصحاب الفيلات, لا يمكن أبدا تطبيقه علي الذين يكدون ليلا نهارا فقط من أجل الستر بعيدا عن نزيف الإيجارات الجديدة, ولا يمكن تجميد أموال الناس, فمن لديه وحدة يريد بيعها الآن لسبب قهري عليه الانتظار حتي يسير في دورة تسجيل قد تطول لسنوات طبقا للمعلن, والذي نوه عنه كل المحامين أيضا, فلا توجد جهات مختصة يمكنها استيعاب ملايين الملفات المعنية بإشهار عقود البيع التيي لم يتم إشهارها منذ عقود.
علي الحكومة والبرلمان اللذان قررا تمرير التعديلات إيجاد حلول تهدئ من روع الناس وتسمح لهم بالعيش في سلام, القرارات التي تسري بأثر رجعي ويدفع كلفتها المواطنون تنتج ذعرا. الوطن في غني عنه, الوطن يحتاج للسلام الاجتماعي الذي لا يمكن إرساؤه إلا باستقرار دعائم الحياة الأساسية, وطمأنة المواطنين بأنهم قادرون علي الوفاء بالتزاماتهم والعيش الآمن الذي لا يقتصر علي توفير الأمن الشخصي في الشوارع وإنما يتجاوز ذلك المفهوم الإجرائي للمفهوم الأشمل والأعمق وهو الأمن الإنساني, العائلي النفسي تجاه استقرار موارد الدخل والسكن الآمن دون وجود ضغوط وإلحاحات تهديدات القوانين والقرارات الجديدة يوما بعد يوم, فكيف يمكن أن يطمئن الناس في ظل تغيير مستمر وفرض رسوم وضرائب مستمرة لا تتسق مع دخولهم ورواتبهم؟ فالتغيير يستلزم التدريج الزمني وعدم سحق الذين لا ناقة لهم ولا جمل, فإذا كان الأمر ضروريا, فليكن تصاعديا بشكل مقنع وفق عمق الفجوة بين الدخول ومستويات المعيشة للفئات المختلفة, وليكن وفقا لجدول زمني موضوعي, وبأثر تقدمي غير رجعي.
حنان فكري
Hanan.fkry@yahoo,com