“يظل المبدأ الثابت في الحياة والذي لا يتغير هو أن المرأة نبع العطاء والخير الذي لا ينضب، وطاقة الأمان والتضحية التي تتجدد بمرور الزمن، فهي المصدر الأول للحكمة والمبادئ، والركيزة الاساسية لبناء الأسرة وتماسكها” …هكذا جاءت كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسى فى اليوم العالمى للمرأة الموافق 8 مارس الجارى، وهو ذكرى ما حدث فى عام ١٩٠٨ عندما خرجت 15,000 امرأة في مسيرة احتجاجية بشوارع مدينة نيويورك الأمريكية، للمطالبة بتقليل ساعات العمل وتحسين الأجور والحصول على حق التصويت في الانتخابات .ونحتفل يوم الثلاثاء الموافق 16 مارس الجاري بيوم المرأة المصرية، ولقد تم اختيار هذا اليوم تحديدا لانه يحمل ذكرى ثورة المرأة المصرية ضد الاستعمار ونضالها من أجل الاستقلال في 16 مارس 1919 م، وقد تظاهرت في هذا اليوم أكثر من 300 سيدة بقيادة هدى شعراوي رافعين أعلام الهلال والصليب كرمز للوحدة الوطنية ومنددين بالاحتلال البريطاني والاستعمار. وفي 16 مارس عام 1923م دعت هدى شعراوي لتأسيس أول اتحاد نسائي في مصر، وكان على رأس مطالبه رفع مستوى المرأة لتحقيق المساواة السياسية والاجتماعية للرجل من ناحية القوانين وضرورة حصول المصريات على حق التعليم العام الثانوي والجامعي، وإصلاح القوانين فيما يتعلق بالزواج . وبالفعل في عام 1928م دخلت أول مجموعة من الفتيات إلى جامعة القاهرة – جامعة فؤاد.
و بعد مرور أكثر من 100 عام على ثورة المرأة المصرية فى مارس 1919 م هناك العديد من الحقوق التى تم اكتسابها بعد المطالبة بها لسنوات والخطوات الإيجابية على طريق تمكين المرأة والمساواة فى الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولكن فى ذات الوقت هناك بعض القضايا والملفات المهمه التى تؤثر تأثيرا مباشرا على المرأة المصرية حيث لا تزال هناك مشكلات وعقبات تحتاج لحلول و تدخل لتذليل العقبات و الحصول على الحقوق…نحاول في هذه السطور طرح لبعض ما تحقق من مكتسبات وكذلك بعض القضايا التي تحتاج لمزيد من التدخل والمطالب التي لا تزال معلقة للمرأة المصرية.
توجيهات الرئاسة للعدل خطوة إيجابية
أمنية طاهر جادالله – مؤسسة مبادرة”المنصة حقها” – للمطالبة باعتلاء المرأة منصة القضاء بكافة درجاته منذ عام 2014- ومدرس مساعد بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، أعربت عن بالغ سعادتها بالتوجيه الصادر من الرئيس عبد الفتاح السيسي، لوزير العدل فى يوم 8 مارس الجاري بالاستعانة بالمرأة في القضاء العادي ومجلس الدولة، وقالت” إن كسر الحاجز الزجاجي بين المرأة المصرية والتعيين في القضاء العادي ومجلس الدولة دائماً ما يحتاج لإرادة سياسية منصفة للمرأة المصرية. ويعد توجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي لوزير العدل المستشار عمر مروان بالتنسيق مع رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس مجلس الدولة، للاستعانة بالمرأة في هاتين الجهتين تفعيلاً للاستحقاق الدستوري بالمساواة وعدم التمييز تفعيلاً كاملاً. كما أكدت وزارة العدل على أن هذه التوجيهات جاءت لتؤكد على جدارة المرأة في تولي المناصب المختلفة، وتعظيماً لما تحققه من نجاحات في كافة المجالات التي تعمل بها. ولقد بدأت الوزارة في تنفيذ هذا التوجيه والتواصل مع الجهتين القضائيتين لوضعه موضع التنفيذ في أقرب وقت.
وأضافت جاد الله قائلة: كان قد صدر قرار أخر من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي رقم 695 لسنة 2020 بتعيين المستشارة فاطمة الرزاز فى ديسمبر 2020 كنائبة بالمحكمة الدستورية العليا ، وتعد هذه المرة الأولى التى تختار فيها سيدة لعضوية منذ عام 2012 بعد المستشارة تهانى الجبالى، ولقد سعدت “المنصة حقها” بهذا القرار فى حينه وقمنا بتهنئة فاطمة محمد أحمد الرزاز، عميدة كلية حقوق حلوان باختيارها لتكون نائبة لرئيس المحكمة وتعتلي منصة المحكمة الدستورية العليا، لتكون بذلك القاضية الوحيدة على المنصة من بين ١٤ قاض وثاني امرأة مصرية تعتلي منصة المحكمة الدستورية العليا منذ انشائها عام 1969 بعد المستشارة (المحامية) تهاني الجبالي (2003-2012).
تعليم الفتيات ومفاهيم مغلوطة
استطردت جاد الله قائلة: “لا نستطيع أن نتحدث عن واقع المرأة المصرية وما تم تحقيقه من إنجازات أو إخفاقات و مشكلات وعراقيل تتعرض لها علينا الا بعد أن نتحدث عن الحقوق الأساسية و نقوم بالتحدث عن واقع المرأة المصرية فى كل حق منهم، سواء الحق فى التعليم والصحة والعمل وتقلد المناصب القيادية والحق فى التمييز وعدم المساواة..إلخ، حتى نستطيع أن نقدم تقييما واقعيا لواقع المرأة المصرية. بداية لو تحدثنا عن الحق فى التعليم فمن حيث المبدأ متاح لها الحق فى التعليم لكن نظرا لوجود بعض المفاهيم المجتمعية احيانا التى تعطى الأولوية فى التعليم للولد لانهم لديهم معتقدات مغلوطة بأن البنت فى الآخر مسيرها لبيتها وزوجها وأولادها وللاسف هذه المفاهيم المجتمعية قد تحرم الفتيات داخل بعض الأسر من حقهم فى التعليم والوصول لأعلى الدرجات العلمية اذا كنا يرغبن فى ذلك ، لأن أسرهم لديهم هذا المفهوم المغلوط ولن يشجعوا او يهتموا بتعليم البنت مثلما يفعلون مع الولد. فهم يعطون أولوية للابن، وكذلك الحال بعد التخرج يمكنهم منع الفتاة من العمل..وهذا الأمر يرجع للمفاهيم المجتمعية المغلوطة بشكل أساسى، ولكن على وزارة الثقافة و التربية والتعليم دور مهم فى رفع الوعى المجتمعى.
وأضافت جاد الله : ” وفيما يتعلق بالحق في العمل وتقلد المناصب القيادية للمرأة خلال العام الماضى كان هناك تطورات إيجابية يمكن أن نلاحظها، فمثلا يوجد 8 وزيرات بمجلس الوزراء..فهذا يعد تطورا لا يمكن أن نقلل من قوته و لكنه يظل تطور شكلى أحيانا لأن هذه الوزارات ليست وزارات سيادية مثل وزارة العدل وغيرها.
وفيما يتعلق بالحق في الصحة هناك مبادرة رئيس الجمهورية لدعم صحة المرأة والتي بدأت العام الماضى، والتى تستهدف الوصول إلى 28 مليون إمرأة والحكومة تحاول جاهدة توفير مستشفيات للجميع لكن لايزال هناك مشكلات تتعلق بجودة الرعاية الصحية التى تحتاج إليها المرأة خاصة فى القرى والنجوع فهي غير متاحة بالشكل المناسب للاحتياج إليها.”
جائحة كورونا تؤثر سلبا
كريستين عرب ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة فى مصر قالت بمناسبة اليوم العالمي للمرأة : ” إن المرأة المصرية تمثل 27 % من مجلس النواب و 13 % من مجلس الشيوخ و 25 % من المناصب الوزارية المرأة تساهم بحوالي 167 مليار جنيه سنويا خلال مساهمتها فى أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر داخل الأسرة، إن جائحة كورونا تهدد مكاسب تمكين المرأة حيث تتفاقم أوجه عدم المساواة في الدخل وتزيد أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر التي تؤديها المرأة في المنزل و من المحتمل أن يكون للجائحة تأثيرا على زيادة العنف داخل المنزل وزيادة الممارسات الضارة مثل الختان والزواج المبكر، لذلك يجب التكاتف لكافة الجهات المعنية لحمايتها حتى يكون هناك مساواة دون تمييز.”
‘دوّي’ لتمكين الفتيات
هناك بعض المبادرات والحملات التى تم إطلاقها لحماية الفتيات من الزواج المبكر ويتم بث حملات اعلامية بالقنوات التليفزيونية المختلفة والتى تؤكد على ضرورة الإبلاغ عن احتمالية تعرض أى طفلة أو فتاة لاى أذى من خلال التواصل على الخط الساخن 16000 أو من خلال رقم الواتس اب على رقم 01102121600 او من خلال الصفحة الرسمية للمجلس القومي للطفولة والأمومة، و بالفعل حينما يتم الإبلاغ يقوم المجلس القومى بالتدخل.
كما أطلق المجلس القومى للطفولة ‘دوّي’، المبادرة الوطنية لتمكين الفتاة بالتنسيق مع يونيسف مصر وبالشراكة مع المجلس القومي للمرأة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، ووزارة الصحة والسكان، ووزارة الشباب والرياضة، ووزارة التضامن الإجتماعي، ووزارة الثقافة، ووزارة الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وصندوق الأمم المتحدة للسكان ، وهيئة بلان انترناشيونال، وهيئة إنقاذ الطفولة، و جمعية تنمية الطفولة بمحافظة أسيوط …هدف المبادرة هو دعم الفتيات وتمكينهن للحصول على أفضل الفرص وتحسين مهارتهن.
حيث تستهدف آلاف الفتيات والفتيان في المدارس ومراكز الشباب والجامعات والمجتمعات وأماكن أخرى للتفاعل معهم، وتساعدهم في الحصول على المهارات والمعلومات والخدمات اللازمة للنجاح. ‘دوّي’ أيضًا تساعد على توصيل صوت الفتيات للمجتمع، وتساهم في خلق مجتمع متفهم ومتواصل ومزدهر ومؤمن بالمساواة.
قانون الأحوال الشخصية جدل لم ينتهى ؟!!
منذ أن تم نشر المسودة الأولية لقانون الأحوال الشخصية فى بعض المواقع الإلكترونية يوم ٢٣ فبراير الماضي بدأت ردود أفعال رافضة للعديد من مواد المسودة التي وصفها الكثيرون بأنها جاءت صادمة و لا تتناسب مع مقتضيات العصر، خاصة فى بعض الأمور المتعلقة بالطلاق والحضانة …إلخ.
أما فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية للمسيحيين فلايزال قيد المناقشات بوزارة العدل ولم تصدر المسودة النهائية للقانون ليتم عرضها بعد ذلك على مجلس النواب…وبذلك لا تزال هناك مشكلات وعقبات كثيرة في قضايا الأحوال الشخصية مما يؤثر سلبا على الأسر المصرية.
عزة سليمان – رئيسة مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة، قالت: ” أتمنى أن تضع مؤسسات الدولة قضايا النساء على أجندتهم، وأن نرى قانون للأسرة لكل المصريين/ت قائم على الحرية والعدالة والمساواة والانصاف، يحترم أهلية النساء كمواطنات داخل هذا الوطن، كما أتمنى أن يتم إصدار قانون لمناهضة العنف الأسري والعنف الجنسي. وأن يكون هناك استراتيجة تتبنى خطاب اعلامي و ديني وتعليمي يحارب خطاب الكراهية تجاه النساء أو الحط من كرامتها، استراتيجية تعكس قيم التسامح وحقوق الإنسان وحقوق المرأة في المجتمع المصري.”
الأوضاع الاقتصادية سببا الزواج المبكر
روفيه عادل حامد – مسئولة بقسم الأبحاث في مركز تدوين للدراسات فى النوع الاجتماعى – أوضحت أن الزواج المبكر وختان الإناث لا يزال موجود والتراجع فى ختان الإناث عادة يرجع للعقوبات الرادعة لبعض الأطباء والأسر،وقالت:” قام مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي بإجراء دراسة استقصائية حول معرفة اتجاهات وممارسة طلاب كليات الطب لختان الإناث فى مصر – صدرت في ديسمبر 2020 ، وتم إجراء الدراسة البحثية في 6 جامعات مصرية هى : عين شمس – الأزهر – أسيوط ، بنى سويف ، طنطا ، بنها، واستهدفت هذه الدراسة تحديد اتجاهات طلاب كليات الطب نحو ظاهرة ختان الإناث، ودرجة تأييدهم لتلك الظاهرة ومعرفة مدى تلقي طلاب كليات الطب خلال سنوات دراستهم الجامعية لأي معلومات نظرية أو عملية حول الختان و تحديد اتجاهات طلاب كلية الطب نحو إجراء عمليات ختان للإناث في المستقبل، خاصة بعد إنهائهم لدراستهم الجامعية.
و خلصت نتائج البحث إلى بعض النتائج منها : 45 % من الطلاب المشاركين فى الدراسة أكدوا على أنهم درسوا ختان الاناث فى كلياتهم ، و67 % درسوا أضرار الختان للإناث.كما كشفت نتائج الدراسة أن ثلث عدد الطلاب المشاركين بالدراسة لم يكن لديهم معرفة القانون الذي يجرم ختان الإناث.
وجاءت توصيات الدراسة تؤكد على ضرورة تضمين التدريبات التى تقوم بها وزارة الصحة لطلاب كلية الطب حديثى التخرج معلومات مفصلة عن الختان ورسائل مناهضة له وتزويدهم بالمهارات اللازمة لتوعية أفراد المجتمع بعدم ممارسته.
وأضافت روفيده قائلة: إن ممارسات ختان الاناث أصبحت أقل وبشكل خاص بعد إصدار بعض الأحكام القضائية بعقوبات للأطباء ممن قاموا بإجراء ختان للإناث ،وأصبحت هناك تحقيقات وعقوبات لبعض الآباء والأمهات.
أما فيما يتعلق بزواج الفتيات مبكرا قالت : للأسف لايزال هناك نسبة غير قليلة من الأسر يقوموا بتزويج الفتيات مبكرا والسبب الرئيسى لذلك عادة ما يرجع إلى سوء الظروف الاقتصادية لبعض الأسر خاصة فى ظل الظروف الأخيرة فى ظل جائحة كورونا.
وحول حوادث الاعتداء الجنسي في مصر قام مركز تدوين بتحليل مضمون لشهادات الناجين والناجيات من الاعتداءات ،وأوصت الدراسة التي شملت الاعتداء الجنسي بمختلف أشكاله بضرورة التوسع في إطلاق الحملات والمبادرات عبر وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة أو عبر وسائل الإعلام الأخرى التي تشجع الناجيات من الاعتداءات الجنسية على الحديث عما تعرضوا به، وضرورة وجود قانون موحد للتصدى للعنف فى مصر، على أن يتضمن هذا القانون تعريفات واضحة وموسعة لجميع أشكال وصور العنف وجزاءات رادعة ومحددة لكل شكل من هذه الأشكال. وإنشاء دوائر مستقلة بالمحاكم الابتدائية خاصة بالنظر فى قضايا العنف وتدريب القضاة ووكلاء النيابات على كيفية التعامل مع مثل هذا النوع من الجرائم.
المرأة ذات الإعاقة ونجاحات تنتظر المزيد
فيفيان أنطون –سيدة تم اختيارها ضمن أفضل ٥٠ امرأة مؤثرة وملهمة مصرية لعام ٢٠٢١ women of Egypt – قالت: ” المرأة حصلت على بعض حقوقها سواء فى التعليم أو تولى بعض المناصب المهمة في الدولة. و فى هذا الشأن ينقصنا أن يكون هناك توعية خاصة فى القرى والنجوع وبعض المناطق المهمشة التي لا يزال يسيطر فيها بعض العادات والتقاليد البالية تجاه الأنثى مثل الختان والزواج المبكر وعدم اتاحة فرص متساوية للفتيات فى التعليم.
وأضافت فيفيان أنطون: المجتمع للأسف بالرغم من كل النجاحات التي نحققها لا يزال ينظر إلينا و كأننا “عاجزين” أن نقوم بتكوين أسرة و نحيا حياة عادية لمجرد أن لدينا أى إعاقة، للاسف حتى يومنا هذا حينما أخرج من المنزل أنا وبناتى يواجهني نظرات غريبة وكأنهم يريدون أن يقولوا : كيف تهتمى بأسرتك..؟!!