تتغير الأولويات بتغيير الأزمنة واحتياجات المجتمعات.. ففي الوقت الذي كانت فيه زيادة أعداد الأسر والعوائل تمثل قدرا كبيرا من التباهي بين الأقران بل وفي الدول المختلفة أصبحت حاليا تمثل عبئا علي كاهل الحكومات والعائلات خاصة علي ضوء تنامي استخدام سبل التكنولوجيا المتطورة في الحياة بالشكل الذي جعل الاعتماد علي العنصر البشري يتضاءل إلي حد كبير.
وإذا تحدثنا عما أثاره السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي مؤخرا عن ضرورة الاهتمام بفكرة تنظيم النسل للسيطرة علي الزيادة السكانية لكي يشعر المواطن بحجم الإنجازات الهائل التي تتحقق يوميا علي أرض الواقع.. أتذكر مقولة لسيادته في مؤتمر الشباب عام 2017 أن أكبر خطرين علي مصر في تاريخها الحديث هما الإرهاب والزيادة السكانية… وإن كنا اليوم نري أننا نجحنا إلي حد كبير في القضاء علي الإرهاب فإننا يجب أن نبدأ التركيز وبشدة علي تلك المعضلة السكانية من خلال تكثيف الجهود لتوعية المواطنين بالمخاطر المتوقعة في حال عدم القدرة علي تحجيم الزيادة السكانية.
والغريب هنا أنني وجدت العديد من رجال الدين الإسلامي المعتدلين ومنهم فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر وكذلك فضيلة المفتي يتحدثون عن ضرورة تنظيم النسل لتعظيم شأن الأسرة والمجتمع…. كما أن الراحل العظيم البابا شنودة الثالث كان قد تناول هذا الموضوع في أكثر من لقاء إلا أن أهل الشر من أصحاب الفتن والدسائس وايضا من السلفيين المتشددين كانوا يتصدون لتلك المحاولات بإيهام البسطاء أن هذا رجز من عمل الشيطان وذلك من خلال تفسيرات خاطئة للنصوص القرآنية.
منذ أن تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي قيادة زمام البلاد وهو يتصدي للعديد من الملفات الشائكة داخليا وخارجيا وها هو اليوم يعلن عن أكبر مبادرة تشهدها البلاد عبر تاريخها الطويل وهي مبادرة حياة كريمة والتي تستهدف الارتقاء بالقرية المصرية من كافة مناحي الحياة ليعود للريف المصري قوته وتأثيره علي صحة ابنائه بل وفي تحقيق التنمية الاقتصادية أيضا من خلال الاهتمام بالزراعات الاستراتيجية التي كانت سببا في تطور البلاد في فترة من الفترات خاصة زراعة القطن المصري المسمي بالذهب الأبيض.
وهنا يثور السؤال… هل سوف تتمكن الدولة وحدها من القيام بهذا الدور؟ من المؤكد هنا أن القرار الحقيقي في يد المواطن ولذلك يجب أن يكون لديه الإرادة والوعي الكافي لخلق حياة كريمة له ولأطفاله… ومن هذا المنطلق دعا السيد الرئيس جموع المثقفين والمفكرين والإعلاميين إلي التوعية بخطورة الزيادة السكانية الكبيرة في مصر وإقامة المنتديات لمناقشة تلك القضية رافضا اتخاذ قرارات حادة لمواجهتها اعتمادا علي تلك الروح الجديدة التي دبت في أواصر الشعب المصري بمختلف فئاته وتوجهاته.
لكننا ونحن نتأهب للتصدي لتلك المسألة يجب أن نضع في اعتبارنا أن هناك متغيرات جذرية قد طرأت علي مجتمعاتنا في ريف وصعيد مصر وهي متغيرات جديرة بالاحترام والاهتمام فقد تضاعفت الرقعة العمرانية في العديد من المراكز والقري كما انفتحت تلك القري بشكل كبير علي النطاق الإقليمي والعالمي عبر تدفقات الهجرة منها إلي ليبيا والخليج العربي وبعض الدول الأوروبية وقد ساعد أيضا انتشار وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصالات في تنمية الوعي وظهور حالات من تحلل الروابط القبلية والنزاعات الفردية…. وكذلك النزاعات الدينية والسلفية علي وجه التحديد وكلها مؤثرات تجعلنا ونحن نفكر في البدء في تلك الحملات ضرورة اتباع أساليب وأفكار متطورة تحاكي تلك المتغيرات ولا نكتفي بتلك البرامج الساذجة التي تتحدث بلغة الماضي الذي لم يكن صورة الريف فيه سوي الأراضي الزراعية والفلاحة المصرية والأمراض المتفشية.
ومن هذا المنطلق وفي إطار المسئولية المجتمعية التي يجب أن نشعر بها جميعا حاليا بعد تلك الانجازات التي تتحقق يوميا علي أرض الواقع أري ضرورة أن يتحمل كل مواطن مصري تلك المسئولية بالكيفية التي يراها تتماشي مع رؤية الدولة من ناحية ومن ناحية أخري مع ثقافة المجتمع الذي سوف يتعامل معه في تلك القضية… وقناعتي هنا أن علي السادة أعضاء مجلس النواب المنتخبين من بطن هذه الأرض الطيبة يجب أن يكون لهم الدور الأكبر في هذا المجال فهم الأكثر تفهما لثقافات من وضعوا ثقتهم فيهم وهم الأقدر علي تحقيق جزء كبير من هذا الهدف… ثم يأتي بعد ذلك دور الإعلام الهادف وليس الساخر وأقصد هنا مسلسلات وأفلاما وبرامج توعوية تروي قصص نجاحات وإخفاقات العديد من العوائل المصرية نتيجة زيادة السكان… وبطبيعة الحال لا يجب أن نخفل دور العبادة والمدارس والجامعات ومراكز الشباب… ولعل الفرصة هنا ايضا أصبحت سانحة لمعظم الأحزاب السياسية الموجودة علي الساحة لإثبات مدي قوة تأثيرهم الحقيقية علي أرض الواقع لعل هذا يحقق لهم المصداقية والقدرة علي ممارسة حياة سياسية أو برلمانية أو حتي في المحليات المزمع الإعلان عنها قريبا.
هناك مصلحة لدينا جميعا كمجتمع وأفراد وحكومة في خفض معدل النمو السكاني في مصر حتي تظل الأسرة المصرية القوية السليمة هي الجبهة الأولي في مواجهة هذا التحدي الخطير وتتحول المحنة إلي منحة من منح السماء لمصرنا الغالية….
وتحيا مصر