ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. صلوا بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
اسندوا الضعفاء
الله يختار من ينظر لهم العالم بضعف ليخزي بهم الأقوياء والقديس بولس الرسول في رسالته للعبرانيين يتحدث عن قوة الله التي ساندت رجال الله فيقول: لأنه يعوزني الوقت إن أخبرت عن جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والأنبياء الذين بالإيمان قهروا ممالك, صنعوا برا, نالوا مواعيد, سدوا أفواه أسود, أطفأوا قوة النار, نجوا من حد السيف, تقووا من ضعف, صاروا أشداء في الحرب, هزموا جيوشا غرباء (عب11:32-34).
للضعف ثلاثة أنواع: الجسدي.. تناولناه في العدد السابق.
ونتناول في هذا العدد: الضعف النفسي, والضعف الروحي.
ثانيا: الضعف النفسي:
هذا النوع من الضعف قاس جدا علي الإنسان, فقد تكون نفس الإنسان هشة, لذلك يوجد مرضي النفس والأطباء النفسيون.
والضعف النفسي قد يكون بسبب الحالة الصعية أو المرض أو الإعاقة..
وأحيانا يكون بسبب ضعف في القدرات العقلية كالذكاء والتفكير, بمعني أن الطفل يكون بطيئا في التعلم, وهذا النوع من الأطفال يحتاج عناية خاصة, فما يحتاجه هذا الطفل من وقت في التعليم, قد يساوي عشرة أمثال ما يحتاجه الطفل العادي.
وقد يكون هذا الضعف بسبب ضعف الثقة في النفس والخوف والتردد, بمعني شخص قد تكون ثقته في نفسه ضعيفة, فيصاب بصغر النفس, ويعتبر صغر النفس في مقام الخطية.
والضعف النفسي يكون أحيانا بسبب مخاوف عند الإنسان, وهذه المخاوف تأخذ شكل المرض, ومن أسباب الضعف النفسي أيضا وجود قدر من الإحباط أو اليأس أو القلق عند الإنسان.
وقد يكون بسبب ظروف اجتماعية وأسرية تربي فيها بأسلوب خاطئ.
أمثلة لذلك..
ليئة زوجة يعقوب:
كانت تشعر أنها غير محبوبة لدي زوجها, بسبب ضعف عينيها وكانت عينا ليئة ضعيفتين, وأما راحيل فكانت حسنة الصورة وحسنة المنظر (تك29:17).
ولكن الله من حنانه ومحبته, أراد أن يسندها, في ضعفها, فجعلها تلد ستة بنين وابنة, بينما سمح أن تكون أختها الأكثر جمالا عاقرا: ورأي الرب أن ليئة مكروهة ففتح رحمها وأما راحيل فكانت عاقرا (تك29:31).
حنة أم صموئيل:
كان ألقانة متزوجا بامرأتين, فننة التي فتح الله رحمها وأعطاها بنين, وحنة التي أغلق الله رحمها, مما سبب لها حزنا ووقعت في الضعف النفسي, مما جعل زوجها ألقانة يمد لها يد المساندة ويقف بجوار زوجته في مثل هذه التجربة, ويعطيها نصيب اثنين تعويضا لها وتعزية لقلبها بسبب عدم إنجابها.
فقال له ألقانة رجلها: يا حنة, لماذا تبكين؟ ولماذا لا تأكلين؟ ولماذا يكتئب قلبك؟ أما أنا خير لك من عشرة بنين؟ (1صم1:8) وفي الوقت ذاته كانت حنة تبكي وتصلي ليلا ونهارا لكي ما يرزقها الله نسلا.
وفي إحدي المرات بينما كانت حنة تسكب دموعها بغزارة أمام الرب في الهيكل, ظنها عالي الكاهن أنها سكري: فقال لها عالي: حتي متي تسكرين؟ انزعي خمرك عنك (1صم1:14).
وبسبب أمانتها وصلاتها, أعطاها الله نسلا مباركا وهو صموئيل النبي العظيم في الأنبياء.
بطرس الرسول:
كانت نقطة ضعفه الخوف, فأنكر سيده, إلا أن السيد المسيح بعد القيامة أقامه من ضعفه النفسي ليجدد فيه الثقة ويقول له: ارع خرافي.. ارع غنمي (يو21), ليصير بطرس مبشرا جريئا بالكلمة, ولا يهاب تهديد رئيس الكهنة أما أوصيناكم وصية ألا تعلموا بهذا الاسم؟, فيجيبه بطرس والرسل: ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس (أع5:28-29), ولم يخش الاستشهاد.
بصفة عامة الإنسان ضعيف, وهذا الضعف تكون له أسباب كثيرة, لذلك نسمع هذا التعبير الشائع (فلان عنده نقطة ضعف), ونقطة الضعف هذه قد تتسبب في ضياع الإنسان, مثل شخص مصاب بداء السرقة مثلا, رغم أنه قد يكون مقتدر ماليا, لكنه ضعف!! وهذا هو الضعف البشري, فالنفس البشرية نفس ضعيفة جدا.
ثالثا: الضعف الروحي:
الروح متداخلة ومتفاعلة في وحدة واحدة مع الجانب المادي في الإنسان, فهي تؤثر وتتأثر بكل ضعف إنساني, وقد تضعف وتمرض وتسقط مثل الجسد.
وحينما تعجز الروح عن التواصل مع الله تبدأ في الضعف وتقل استنارتها, ومع الأيام تقل سيطرتها علي الجسد وتعجز عن قيادة حياة الإنسان.
والروح تحتاج إلي ما يغذيها لتستمر في قوتها, وغذاء الروح هو اتصالها بالله عن طريق وسائط النعمة (الصوم, الصلاة, قراءة الكتاب المقدس, التوبة, التناول..).
الروح تقوي بجهاد الإنسان وبعمل النعمة الإلهية.
وهذا الضعف يدخل في باب الخطية أو العثرة, والكل معرض للضعف الروحي, وظهر في الكتاب المقدس مع بعض الأنبياء والقديسين:
إيليا النبي
بعد أن قتل إيليا أنبياء البعل, وأنزل للشعب المطر بصلاته, ذهب أخاب الملك وأخبر زوجته إيزابل بكل ما فعله إيليا, فثارت واغتاظت لأنه قتل أنبياء البعل, وأرسلت له أنها سوف تقتله غدا..
وعندما سمع إيليا هذا التهديد هرب سريعا, ولم يحتمل حتي الوجود مع تلميذه, فتركه وذهب للبرية ليكون وحده وهو في يأس شديد: ثم سار في البرية مسيرة يوم, حتي أتي وجلس تحت رتمة وطلب الموت لنفسه, وقال: قد كفي الآن يارب. خذ نفسي لأني لست خيرا من آبائي (1مل19:4).
إيليا النبي الناري الذي واجه أخاب الملك أقوي ملوك المملكة الشمالية بأخطائه يخاف ويهرب, ويطلب الموت لنفسه, فنام تحت شجرة.
لكن حنان الله لا يمكن أن يتركه حتي لو كان في ضعف روحي, فأرسل له ملاكا ليوقظه ويطلب منه أن يأكل, وكان قد أعد له خبزة كبيرة الحجم ساخنة ووعاء به ماء, فأكل وشرب ثم نام بين يدي الملاك الذي كان يحرسه, ثم لمسه الملاك ثانية فأيقظه وطلب منه أن يأكل مرة ثانية لأنه سيمشي مسافة طويلة في البرية ليصل للمكان الذي قصده الله وسار بتلك الأكلة 40 نهارا و40 ليلة متشجعا بظهور الملاك له (1مل19).
المرأة المنحنية:
معجزات السيد المسيح في إخراج الشياطين كانت مع أناس ضعفت أرواحهم, فصاروا في قبضة الشيطان منهم: المرأة المنحنية وكان بها روح ضعف ثماني عشرة سنة, وكانت منحنية ولم تقدر أن تنتصب البتة.
فملا رآها يسوع دعاها وقال لها :يا امرأة, إنك محلولة من ضعفك (لو13:12), وقال للذين قاوموه لأنه صنع ذلك في سبت: هذه, وهي ابنة إبراهيم, قد ربطها الشيطان ثماني عشرة سنة, أما كان ينبغي أن تحل من هذا الرباط في يوم السبت؟ (لو13:16).