(غسيل الأعمال يا آدم هو إنك تحط السم في العسل وتزقه وسط الأكل الحلو النضيف لواحد جعان جدا… تلبس الإثم رداء الفضيلة وتقعد بيه في الزحمة وسط مبتغي المدينة الفاضلة خصوصا السطحيين البسطاء منهم… وتعلي صوتك بالمثالية تعليه قوي علي قد ما تقدر علشان تنال احترامهم….
وعارف سلاحنا إللي بنديه لولادنا ولاد الحرام علشان يضحكوا بيه علي السذج ويلخبطوهم ويخلوهم يشوفوا الحلو وحش والوحش حلو؟)
إيه؟
(الدوشة الضوضاء الكترة الزحمة…)
مش فاهم إيه العلاقة؟!!
(عارف فايدة الدوشة والزحمة بالنسبة لنا إيه يا آدم؟
الحاجة الحلوة بتتوه ف الدوشة والزحمة
ملامحها بتضيع… لدرجة إن كل حاجة بتبقي شبه بعضها…
عاوز تضيع ملامح حاجة جميلة.. قلب ما يتعوضش… نغمة حلوة… احشرها في الزحمة… في الدوشة… في الصخب وعلي صوت القبح وخلي الأغلبية تاخد عليه لحد ما تتعود عليه وتستسيغه وتستطعمه وبعدين تدمنه ف تتخيل بالباطل إنه هو الصح والحلو… لا لشيء إلا لأنه تاه ف زحمة وعرف يلم الأغلبية الهايصة عليه بالدوشة والحركات…).
وانفتحت البوابة العملاقة إللي مكتوب عليها غسيل الأعمال ولقي آدم نفسه في هوة سحيقة مليانة أصوات متداخلة دوشة رهيبة زحمة غير مسبوقة لدرجة إنه تخيل إن الكون كله اتجمع ف المكان ده من أول الخليقة لحد اللحظة دي…
وفجأة… الشيطان سحبه وطلعه بره المكان…
ياساتر يارب إيه الجحيم ده؟! أنا شفت زحمة كتير وقليل ودوشة وصخب ملهوش مثيل ف الدنيا لكن بالشكل إللي شفته جوه ده محصلش.
المكان ده إيه قصته وإيه علاقة الدوشة والزحمة بالهلاك؟
(هسألك سؤال يا آدم إحنا قعدنا جوه وقت كافي إنك تسمع وتشوف كل حاجة… تقدر توصف لي الحلو والوحش إللي شفته وسمعته؟).
مستحيل طبعا… أنا لا ميزت شكل ولا سمعت صوت محدد كله كان محشور وداخل ف بعضه.
(صح.. محشور وداخل ف بعضه)
هي ده شغلانة شيطان الضوضاء والصخب والزحام والكثرة والوفرة وظيفته يملا مخك بدوشة كتير كتير جدا ويخليها تستعمرك لدرجة إنك متبقاش مميز أي حاجة… إيه كويس.. إيه وحش كله شبه بعضه… وتتوه وسط الزحمة وتتحول لجزء منها كمان وتتلاشي فيها…
هنا ووسط الكترة والدوشة أعلي درجات غسيل الأعمال الكل بيرفع صوته وظاهره بالمثالية والناس السطحية بتاخد بالظاهر والأكثر والأعلا…. ف بتضيع زمان قبل ما يدخل التواصل الاجتماعي وننحرف باستخداماته عشان نضيعكم دنيا وآخرة.. كان الناس بتتعامل مع بعض أكتر وبتشوف بعض أكتر لكن كانوا في الحقيقة بعاد جدا عن بعض بالخير وبيكتفوا من بعض بالمطلوب فقط والناس كانت هادية وراضية وسعيدة جدا من جواها وعندها قدرة تميز الغث من الثمين.
أما دلوقت وبعد النت الناس كلها مقطوعة عن بعض ظاهريا لكن زاحمين مخهم ببعض وأخبار بعض ومراقبة بعض وحوارات بعض
إحنا بنسحب الزبون بتاعنا من الحتة دي الفضول وحب الاستطلاع نخليه قاعد طول النهار ينط من خبر لخبر من ممثل لممثلة يشوف الانفلونسر ده وينقل ع اليوتيوبر ده وينط ع التيك توك ده ويرجع يلف ع الانستا ولسه إللي جاي أخطر.. يتابع أخبار الناس إللي أصلا قرفان منهم بس حب الاستطلاع مخليه عاوز يعرف أخبارهم يشوف مين خطب ومين اتجوز ومن طلق ومين دخل في صداقة جديدة ومين سمعته حلوة ومين سمعته وحشة…
ظاهريا هو في حاله وبيراقب في صمت…. فعليا هو مجذوب… وعقليا هو ضايع لدرجة إن وسط الزحمة دي لو جاتلو فرصة عمره من حاجة حقيقية هي كنز عمره مش هيشوفها أصلا لأنه ملعوب بمخه كورة شراب وتايه وفاكر نفسه ناصح ومتابع وعارف كل صغيرة وكبيرة وهو في الحقيقة مسروق من نفسه وواقعه إللي كان ممكن يكون فعلا جميل لحد ما يموت وهو عبيط برضو.
أو يجيب الحاجة الحلوة ف حياته شوية ويرجع يتوه تاني ويغرق في معرفة أخبار كل حاجة حواليه وهو كإنسان متلاشي وسط الزحام الكاذب الخاوي وغسيل أعمال وواقع الناس حواليه بصور كاذبة متصدرة للملتقي لا تمت بصلة للواقع المخفي فيضيع كنز عمره ويقع منه ف زحمته الفارغة.
وشهر يسلم شهر يسلم شهر
وسنة ورا سنة
وهوف جه وقت رحيله وهو لسه معرفش يقتني شيء حقيقي صادق له قيمة أو اقتناه لفترة وضيعه وسط الدوامة الوهمية من غسيل الأعمال والاستعراضات الوهمية واضطر بعد كده يلبس ف أي شيء ضايع ومشوه زيه.
فهمت بقي…
الضوضاء والزحام سلاحنا لسرقة العمر والعقل والإدراك
هتلاقي النوع ده يحكيلك تاريخ كل واحد حواليه بالساعة وأخبار الممثلين والناس إللي بلا قيمة واليوتوبر إللي بظبط ويستر نفسه دقايق ورا مليون ماسك وممكن لو شفته أو عاشرته يكفرك بكل حاجة.
الزحمة بنخليها تجمع أكبر عدد من اللا قيمة حوالين اللاقيمة وهتفضل القلة الصفوة في مكان تاني زي علبة السوليتير إللي عدد قطعها معدود ومحدود ومتشالة بعناية في خزانة مصفحة.
وهوف طلع النهار وخلص العمر بدري بقي متأخر هو وحظه…)
فعلا الناس تحت ف الأرض ضايعة وأكبر تجمع دايما حوالين اللاشيء والتفاهة لأنها سهلة وبلا قيمة…
الناس من الزحمة والدوشة بقت بتستسهل عوزة الهبل والضياع وبالتالي هو ده إللي بيحصلوا عليه باقي حياتهم سواء في علاقاتهم أو جوازاتهم والنتيجة البيوت مخروبة بجدارة.
(إحنا بنرمي الطعم بس يا آدم مش محتاجين أكتر من كده والمغفل بيبلع.. إحنا مقهورين علي الشوية إللي فاهمة اللعبة ومحافظة علي نضافة عقلها وعارفة تختار إيه وتعمل إيه مش عارفين نجيب رجليهم ف دوامة الزحمة فهموا اللعبة الناصحين).
تصدق أنا تعبت جدا من إللي بشوفه ده..
أنا فعلا مش محتاج أكتر من دقايق أشوف فيها أهلي… أقولهم يلحقوا روحهم قبل الطوفان ما يغرقهم.
(يا خويا اتلهي… مليون واحد غيرك رجع ومحدش بيسمع ولا يصدق…
الناس عبيد مذلولين لعجزهم وضعفهم وشهواتهم وغرايزهم وهوي قلوبهم.. مش من السهل أبدا يفلتوا مننا إحنا رابطينهم مسلسلينهم…
وفجأة امتلأ المكان بصوت زلزلة رهيبة وبرق ورعد ونور ونار وصوت كسيل جارف من المياه هز المكان كله يقول
((لم يحن وقتك بعد يا آدم))
وفي لمح البصر لم يدرك آدم أي شيء سوي أنه مسجي علي ظهره وحوله عدد من الناس والبعض يصيح في رهبة وهلع.
وكانت أول جملة يسمعها
”حمد الله علي سلامتك يا آدم”
إلي اللقاء والحلقة الأخيرة من موعد مع الشيطان
بقلم دكتورة صيدلانية ماري جرجس رمزي