علمان من أشهر أعلام الصحافة المصرية، أسسا مدرسة جديدة للكتابة الصحفية وقدموا العمل الصحفي فى ثوب جديد، رحلوا تاركين ما كتبوا يتحدث عنهم، تركوا خلفهم أرث كبير من العمل الصحفي والعمل الخيرى، أيضا تظل ذكراهم علامة فارقة فى تاريخ الصحافة المصرية حتى بعد مرور سنوات طويلة على رحيلهم هم “مصطفى وعلى أمين” أو كما أطلق عليهما توأم الصحافة المصرية، والذي نحتفل بذكرى ميلادهم الـ 107.
· الميلاد والنشأة
فى يوم السبت الموافق 21 فبراير عام 1914 م ولد الأخوان مصطفى وعلى أمين، كان والدهما ” أمين أبو يوسف” محامى بارز، ووالدتهما هي ” رتيبة زغلول” أبنة أخت الزعيم سعد زغلول، وقد نشأ الطفلان وتربا فى” بيت الأمة “تحت رعاية كل من الزعيم سعد زغلول وزوجته السيدة صفية زغلول فقد شاهدا العديد من الأحداث السياسية الفارقة عن قرب ومن أهم تلك الأحداث ثورة 1919 والتى كان بطلها خال والدتهم الزعيم ” سعد زغلول “، ومن هنا بدأت السياسة تلعب دورا في تكوين شخصيتهما وفكرهما
.· الطفولة والتعليم
بدأت حياة الطفلين حاملة إشارات ما سيكون عليه مستقبلهما، فقد ولعا منذ نعومة أظافرهم بالكتابة الصحفية وكانت أولى إهتماماتهم، وبدافع من هذا حبها أسسا الأخوين مجلة أطلقا عليها اسم مجلة ” الحقوق”عام 1922م وهما فى سن الثامنة من عمرهما، وكانت المجلة لا تتعدى كونها منزلية تحمل أخبار بيت الأمة من الزوار والخدم وغيره من أومور المنزل، وكان تأسيسها إشباعا لرغبة العمل الصحفى داخلهم، تبع هذا العمل عدة أعمال مشابهة حيث أسسوا مجلة مدرسية عام 1928م ، في عام 1930م عمل مصطفى أمين بمجلة “روز اليوسف”، وهو ما يزال طالبا في المرحلة الثانوية وبعد إتمام دراسته الثانوية سافر مصطفى أمين إلى أمريكا لإكمال دراسته فالتحق بجامعة “جورج تاون” لدراسة العلوم السياسية، وحصل على ماجستير فى العلوم السياسية عام 1938م ، بينما حصل على أمين على البكالوريا وسافر إلى إنجلترا عام 1931 لدراسة الهندسة بجامعة “شيفلد” ، وحصل على ليسانس الهندسة في عام 1936م.
· العمل الصحفى
على الرغم من الدراسة التى كانت بعيدة عن مجال العمل الصحفى، إلا أن حبهما للعمل الصحفى لم يقل بل تمسكا الأخوان به أكثر وعلى الأخص مصطفى أمين حيث عمل بمجلة ” آخر ساعة ” التي أسسها الصحفي والكاتب ” محمد التابعى”، وقد حقق مصطفى أمين خلال فترة عمله بالمجلة نجاحا ملحوظا، ولم يكتفى ” أمين ” بعمله الصحفي بمجلة آخر ساعة بل أصدر” مصطفى أمين ” عدد من المجلات والصحف منها “مجلة الربيع ” و”صدى الشرق” وقد أوقفت الحكومة كل تلك الإصدارات بسبب الانتقادات الحادة التي كان يواجهها مصطفى أمين للحكومة ورجالها، وفى الوقت ذاته تقلد ” على أمين ” عددا من الوظائف منها مديرا لمكتب وزير التموين عام 1941 م ، ثم مديرا لمكتب وزير المواصلات وفى عام 1942م مديرا لمكتب وزير المالية عام، وعام 1943 مديرا عاما للمستخدمين والمعاشات، ولكن بمجرد البدء فى التفكير فى إصدار دار أخبار اليوم حتى تفرغ على أمين إلى العمل الصحفى الجديد.
· دار أخبار اليوم
فى عام 1944م بدأ الإخوان فى البحث عن رغبتهما في امتلاك دار صحفية تأتي على غرار دور الصحافة الأوروبية، بدأ مصطفى وعلى في اتخاذ الإجراءات القانونية لإصدار الصحيفة السياسية ” أخبار اليوم ” في 22 أكتوبر 1944، وجاء يوم السبت 11 نوفمبر 1944 م ليشهد ميلاد أول عدد من “أخبار اليوم”وقد حقق العدد الأول منها رقما غير مسبوق في توزيع الصحف فى ذلك الوقت، حيث بلغت أعداد النسخ الموزعة ١١٠ آلاف نسخة، وبعد عامين من صدور أول أعداد جريدة اخبار اليوم إستطاع التوأمان شراء مجلة آخر ساعة لتصبح جزء من دار أخبار اليوم، ثم توالت إصدارات دار أخبار اليوم على مدار العقود.
· العمل الخيرى
لم يكتفى مصطفى وعلى أمين بإنشاء دار اخبار اليوم وتوسع إصدارتها بل قاموا بتأسيس النشاط الخيرى الشهير “ليلة القدر”،بدأ مشروع “ليلة القدر” في 15 فبراير 1954 بمقال نشره مصطفى أمين في أخبار اليوم جاء فيه ” في قلب كل إنسان أمنية صغيرة تطارده في حياته وهو يهرب منها إما لسخافتها أو لارتفاع تكاليفها، فما هي أمنيتك المكبوتة؟، أكتب لي ما هي أمنيتك وسأحاول أن أحققها لك، سأحاول أن أدلك على أقصر الطرق لتحقيقها بشرط ألا تطلب مني تذكرة ذهاب وإياب إلى القمر”، وقد حقق هذا المشروع الكثير من النجاح حيث انهالت على الجريدة الخطابات التي تحمل العديد من الاحتياجات والطلبات وبمرور الوقت توسع نشاط المشروع وتعددت أنشطته.
· الرحيل
رحل ” على أمين” فى 3 أبريل عام 1976 م ، تاركا خلفه تراثا ضخما من الكتابات الصحفية، كما ترك نصفه الأخر مصطفى أمين الذي قال عند وفاة أخيه ” أن نصفى قد مات ونصفى الآخر مازال على قيد الحياة” ، واستمر مصطفى أمين فى تقديم رسالته الصحفية ، كما قدم عددا من الكتب منها كتاب مسائل شخصية الذي روى فيه علاقته بعدد من نجوم الفن والغناء وبعض السياسين، وكتبه سنة أولى سجن و سنة ثانية سجن سنة تالتة سجن وتلك الكتب حكى من خلالها تجربة اعتقاله واتهامه بالجاسوسية، وغيرها من الكتب ، إلى أن رحل النصف الأخر “مصطفى أمين ” فى 13 إبريل عام 1997م.
· فى عيون المعاصرين
فى أحدى لقاءات التلفزيون المصرى النادرة مع الكاتب الراحل أنيس منصور ببرنامج ” يا تليفزيون يا” تحدث عن عمله بالصحافة مع مصطفى وعلى أمين وقال :- بداية عملى بالصحافة كانت بالصدفة فأنا في الأساس كاتب ومتخصص في الفلسفة، ولكن عندما عملت بالصحافة تمنيت ان اعمل مع مصطفى وعلى أمين فى مؤسسة اخبار اليوم لما يقدموا من محتوى صحفي مختلف عن السائد ، وعندما أتيحت لي الفرصة، كنت اعلم جيدا ان العمل معهم ليس سهلا خاصة أن إرضاء مصطفى امين أمر ليس سهلا لأنه يحب الانفرادات الصحفية والأخبار القوية وهو الأمر الذى يحتاج إلى ملاحقة ومواصفات خاصة غير متوفرة لدى، لذلك فكانت علاقتي جيدة بـ ” على أمين”، فكل الذين سلكوا الطريق إلى مصطفى أمين أصبحوا فيما بعد من أفضل الصحفيين فى مصر ، أما المفكرين والادباء ارتبطوا بـ على أمين، وذلك يدل على اختلافات الشخصية بين الاخوين، ومن الجدير بالذكر أن الأخوان لم يصنعا الحواجز بينهم وبين العاملين بالدار فكان يستطيع أى محرر طرق باب مكتب على ومصطفى والحديث معهم ببساطة.
ويكمل حديثه قائلا” أعتقد أن مدرسة أخبار اليوم هى مدرسة التشجيع والفرص المتاحة، ولا أظن أن الفرص التي أتيحت لكل من عمل فى أخبار اليوم أتيحت لهم في مكان أخر، وبالتأكيد كل صواريخ الصحافة المصرية الحديثة انطلقت من دار أخبار اليوم”
يقول الأديب والكاتب الصحفى ، الأستاذ محمد جبريل : استطاع مصطفى وعلى أمين تأسيس مدرسة جديدة للصحافة المصرية مختلفة عن تلك التقليدية التي كانت موجودة بالأربعينات وكانت تمثلها جريدة الأهرام وغيرها من الإصدارات الصحفية انذاك، فقد كانت تلك المدرسة الجديدة تخاطب القارئ البسيط، وربما لا يعلم الكثيرون أن توزيع جريدة الأخبار تخطى توزيع جريدة الاهرام بشكل ملحوظ على الرغم من أن تلك الفترة شهدت ازدهار جريدة الأهرام، وكان ذلك بسبب ما كان يقدمه كل من مصطفى وعلى أمين فى صفحات أخبار اليوم، حيث قدموا مشاكل الفلاحين بالقرى ومشاكل وموضوعات تهم الطبقة العاملة وحياة الناس البسيطة، كما كانا يبرزا المشكلات الصغيرة التي تؤثر على الحياة العامة، لذلك نؤكد على أن مدرسة على ومصطفى أمين للصحافة لها تأثيرها حتى الأن على الصحافة المصرية كما أن لها مئات التلاميذ.
وتروى الكاتبة والناقدة زينب العسال، تفاصيل الحوار التى أجرته مع الراحل مصطفى أمين وتقول : قمت بإجراء حوار مع الأستاذ مصطفى أمين فى منتصف عام 1995م، وكان حوارا رائعا ، وشعرت تجاهه بالابوة ، فقد كان يتعامل معى بكل لطف وكنت فى بداية طريقى فى العمل الصحفى وتنبأ لى بالنجاح فى العمل بالصحافة، وقد كان الحوار للعدد الأول من مجلة قطر الندى، وحكى خلال الحوار عن زكريات طفولته وطفولة توأمه، كما حكى عددا من النوادر التى كانت تحدث بسبب التطابق الشديد بينهم فى الشكل والصوت، وسرد تفاصيل مجلة المدرسة التى أسسها مع أخيه على، كما ذكر أنه كان طفلا محبا للموسيقى والعزف وكان أخيه “على” محبا للشعر، و تحدث عن متاعب المهنة التى قابلتهما فى بداية حياتهم، ما لا يمكن إغفاله أنه طوال الحديث لم يتحدث عن نفسه بمفرده إطلاقا، ولكن كان دائم التحدث عن توأمه فى نفس السياق وكأنهم شخص واحد فقد كان “على أمين ” هو النصف الأخر لـ ” مصطفى امين ” فعلا، وقد أكد خلال الحوار أنه على الرغم من الإختلافات فى الإهتمامات بينهم الإ ان جميع افكارهم كانت دائما تلتقى عند المصلحة العامة لدار أخبار اليوم، فقد كانت عين مصطفى أمين على مؤسسات الصحافة الاوربية تلك المؤسسات التى تهتم بالمحرر الصحفى حتى تضمن نجاح المؤسسة وأراد ان يطبق ذلك وهذا ما قد نجح فى تحقيقه بشكل كبير.
ويقول الاستاذ علاء عبد الهادى- رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب: كنت من ضمن المجموعة التى أختارها الراحل مصطفى أمين بعناية ليستعيد بهم مجد وقيم الصحافة المصرية التى كانت تعانى فى ذلك الوقت من وجهه نظره، لذلك كان يختار المجموعة بدقة، كنا نساعده فى المشاريع الانسانية والعمل الخيرى الذى يقدمه مثل ” ليلة القدر” ، ” لست وحدك”، ” أسبوع الشفاء” و ” أصنع نفسك”، ومن خلال هذه الأعمال تعرفنا على قاع المجتمع المصرى، لاننا كنا نجوب أنحاء الجمهورية لبحث الحالات الانسانية على الطبيعة وتحديد أسس مساعدة كل حالة، كما كانت تلك الحالات تترجع إلى موضوعات صحفية وتنشر بالجريدة، لان “مصطفى امين ” كان يرى أن نشر تلك الحالات يساعد الأخرين على المشاركة فى العطاء والتعاون المجتمعى، وكنا نلتقى به مرتين فى الأسبوع يوميى الجمعة والثلاثاء وكانت تلك الاجتماعات مقدسة بالنسبلة له لم تنقطع تحت أى ظرف، وهذه المجموعة التى أتحدث عنها أصبح اغلبها روؤساء تحرير لإصدارات أخبار اليوم المختلفة حيث أننا من حسن الحظ تتلمذنا على يد الراحل مصطفى أمين فقد تعلمنا منه قيم وأخلاقيات المهنة وتحديدا الاقتراب من الأنسان والاهتمام بقضاياه، ولأنه عانى من الظلم كان دائما ينصر المظلوم ويقف إلى جواره فى أى زمان ومكان، والجدير بالذكر أن معاناته داخل السجن أفرزت عددا من الكتابات الإبداعية التى تبرز تلك المرحلة الصعبة، حيث كتب عددا من المقالات وكتاب سنة أولى سجن وسلسته هذا فيما يخص عمله الخيرى والإنسانى
أما بالنسبة للعمل الصحفي فإن مدرسة أخبار اليوم التي أسسها مصطفى وعلى أمين والتى تعتبر إمتداد لمدرسة ” محمد التابعى” كانت تعمل على تعظيم قيمة الخبر الذي يعتبر أساس العمل الصحفى،ولابد أن ننوه على ان كل ما يثار حول أن مدرسة أخبار اليوم تقوم على عامل الإثارة هو تقزيم لدور مدرسة اخبار اليوم للصحافة، لأن مدرسة أخبار اليوم ما قدمه على ومصطفى أمين تطور الصحافة المصرية إلى ماهي عليه الأن، في الصحافة المصرية قبل ظهور أخبار اليوم شيء وبعده شيء آخر أكثر إبداعا وتطورا ومواكبة للعمل الأوروبي.