نحتفل اليوم بما يعرف أنه عيد للحب -الفالانتاين, هكذا يعرفه العالم, وهكذا يحتفل به, يشتري الناس الورود الحمراء.. والدباديب ربما يتبادل المحبون الهدايا يرددون العبارات.. نفسها, لكن هل هذا هو الحب؟
لن أدعي أنني أمتلك تعريفا جامعا مانعا للحب- كما يقول المنطق, لكنني أعرف أن الحب هو ذلك الشعور الذي يأخذك بعيدا عن المنطق, ينفرد بك ثم يستفرد بك ويجعلك تفعل ما يحلو له, لكنه في مقابل ذلك سيمنحك السعادة.. الكثير منها, والسعادة هي غاية الحياة ومبتغاها عند جميع البشر.. حتي لو أخبروك غير ذلك, يجد كل فرد سعادته في شيء يختلف عن الآخر, لكن الحب هو التجلي الأسمي لذلك الشعور الساحر, قد يقول قائل بأن الحب يحمل معه الكثير من الألم وهذا صحيح للغاية! صدقوني.. لا أتعمد أن أناقد نفسي: فالحب يحمل السعادة والحزن معا في صفقة واحدة, لا يمكن لك أخذ أحدهم وترك الآخر! يسبب الحب السعادة لكنه يجلب الحزن إذا لم يجتمع شملك مع الحبيب, وأنت إن لم تحب فلن تعرف الفقد ولا ألم الفراق, لن تعرف أن المسافات المادية والمعنوية قد تكون قاتلة, وأن المستحيل قد يصبح ممكنا فقط لكي تحظي بقربه, والحب وحده سيجعلك تدرك أن الزمن نسبي للغاية, وأن العمر يستحق أن نحتفي به لكنه أيضا قد يكون قصيرا جدا في قرب الحبيب أو طويلا جدا في قربه أيضا.. ألم أخبركم أن الحب يسبب كثيرا من الارتباك.
الحب أن تشعر أن كل شيء نسبي, وأن الكون مادة هلامية للغاية, يمكنك أن تفعل المستحيل, أن تطوي المسافات في غمضة عين, أن تبكي حد جفاف الأنهار, وأن تعطي حتي تتعجب لأمرك الغيوم, الحب حالة تستعصي علي الفهم, الحب أن تحب غيرك حتي كأنه أنت!
أنت.. تلك معضلة أخري, فأن تحب نفسك هي أيضا أمر صعب للغاية, فأن تقدم الحب لغيرك أسهل كثيرا من أن تقدمه لنفسك, يحتاج ذلك قدرا كبيرا من الوعي, أن تحب نفسك دون أن تقع في فخ الأنانية, أمر ليس باليسير, فالحب خير كبير, والأنانية شر مقيت, يعيش البشر ويصمدون علي الأرض برغبتهم في النجاة وأيضا بتكاتفهم, لذا فلا مناص من حب النفس وفي الوقت نفسه حب الآخرين, أما الحب -المشاعر العاطفية المتبادلة بين رجل وامرأة, فهي من أبدع ما يحدث في هذه الحياة, هي نفسها تجلي للحب الأعظم, الحب كما أراده الإله العظيم في أحد تجليات عظمته, لقد جاء الحب إلي الدنيا قبل أن تبدأ الحياة علي الأرض, تجلي الحب هو نفسه جمال مطلق.
في عالم يمجد العملية ويطفو فوق بحر من قسوة المشاعر, يصبح الحب مهمة شبه مستحيلة لكنه وحده يحمل النجاة, تعالوا سويا في هذا اليوم نحرض أنفسنا علي الحب, الحب الحقيقي, الحب المستحيل, الحب الذي لا يحتاج للهدايا لإثباته, لكنه يستخدمها للتعبير عنه, الحب الذي يعرف التضحية حين تكون الحاجة لها موجودة, لكنه لا يهدرها فيما لا يستحق ولا يجعلها سببا للاستغلال أو الابتزاز العاطفي, الحب الذي يبحث عن الحقيقة ولا يزيف المشاعر, الحب الذي يجعل الجميع يسعي لعالم أفضل للجميع لأن البشرية تستحق ذلك, الحب الذي يجعل الحياة تجربة غنية وعميقة.
الحب ليس رحلة سهلة, الحب رحلة تتضمن الكثير من المعاناة, وتحتاج الكثير والكثير من الصبر, لكنها بالتأكيد تستحق, الحياة بدون حب لا طعم لها ولا قيمة ولا معني.
الحب نعمة كبيرة, نعمة تذهب لمن يحتاجها, وتبقي مع الذي يستحقها.
أحبوا أنفسكم كثيرا, وأحبوا بعضكم كثيرا, وأعطوا الحب الاعتراف الكامل بقيمته كي يقودكم لبر الأمان.