التواضع والوداعة:
الشخص الوديع من صفاته الطبيعية الهدوء
فالوديع هادئ, لأنه قصبة مرضوضة لا يقصف, وفتيلة مدخنة لا يطفئ (مت12:20).. وكذلك لأنه لا يغضب ولا يثور, ولا يحتد ولا يعلو صوته.. فهو إذن هادئ.
والإنسان الوديع طيب القلب, لا ينازع ولا يحارب, ولا يطلب ما لنفسه (1كو 13:5), ولا يقاوم الشر (مت 5:39) حتي في مناقشته تجده هادئا, لا يقاطع غيره في الحديث, ولا يتهكم عليه, ولا ينفعل…
الوديع لطيف بطبعه, وبعيد عن القسوة وعن العنف ولا يضغط علي غيره, ولا يلح, سهل التعامل, لا يطلب راحته بل راحة غيره, لذلك يكون هادئا.
الوديع إنسان متسامح, لا يرد بالمثل, ولا يجرح غيره, ولا يهينه, ولا يتكلم معه بسلطان, بل بهدوء.. فهو لا ينتهر أحدا, ولا يوبخ, وإنما يعبر عن رأيه في قوة الإقناع وليس في عصبية ولا افتخار.
لكل هذه الأسباب وغيرها, تتفق طباع الوديع مع الهدوء اتفاقا كاملا.
فإن اكتسبت الوداعة, سوف تتصف تلقائيا بالهدوء.. لذلك حاول أن تقتني عناصر الوداعة وصفاتها, وتدرب نفسك عليها.. فإن فعلت ذلك ستصل إلي الهدوء حتما….
كذلك فإن الهدوء هو إحدي صفات المتضع…
فالإنسان المتضع لا يغضب أحدا, ولا يغضب من أحد, لذلك فإنه يتعامل مع الناس بهدوء.
وإذ هو يتصف بمسكنة الروح, فإن هذه المسكنة لا يمكن أن تتصف بالحدة أو الغضب, فأنهما يتعارضان معها, بل تجد الإنسان المتواضع رقيقا في تعامله, هادئا في حديثه, بعيدا عن الضجيج.
والمتواضع دائما يأتي علي نفسه في كل شيء, دون أن يلوم غيره, لذلك فهو لا يقاوم, بل يقبل إساءة الآخرين في انسحاق قلب.. وهكذا لا يحارب ولا يدخل في صراعات, بل يكون هادئا.
الإنسان المتواضع يطلب بركة كل أحد, وصلاة كل أحد, لذلك فهو يحيا في محبة مع الكل, يعاملهم برقة وهدوء.. وهو أيضا يحتمل الكل, دون أن يثير ضجة من أجل الدفاع عن نفسه.. ومهما أصابه ضرر يقول: هذا بسبب خطاياي.. فيصمت ولا يثور… وهكذا يحيا في هدوء مع الناس.
إن فقدان الهدوء: سببه الأساسي هو التمركز حول الذات.. والتواضع بعيدا عن الذت.
في التواضع إنكار للذات.. وفيه بعد عن الاهتمام بالكرامة وبالحقوق, الأمر الذي من أجله يفقد الإنسان هدوءه, إن لم يكن متضعا… وما دام المتضع لا يهتم بالأمور التي تمس كرامة نذلك, لذلك لا يفقد هدوءه بسببها, وتمر أمامه ببساطة.
كذلك المتضع لا يحيط نفسه بالضجيج الذي يشغف به محبو المديح.
أقرأ أسباب فقدان الهدوء, وقارنها بالاتضاع وصفاته, حينئذ ستري كيف يساعد الاتضاع علي الهدوء.
وستري أن من يفقد اتضاعه, يفقد هدوءه.
تداريب علي الهدوء:
1ـ تعود الهدوء في خروجك وفي دخولك.. وأغلق بابك وافتحه في هدوء, دون أن يحدث صوتا.. حرك أدواتك وأثاثك داخل حجرتك في هدوء.
2ـ لتكن مشيتك بهدوء, لا بجري, ولا باضطراب, ولا تجعل حذاءك يحدث صوتا مثل أولئك الذين تعلن أحذيتهم عن قدومهم قبل أن يأتوا.. يقول بستان الرهبان: مشي هين وصوت لين.
3ـ تعود الهدوء في الكلام, فلا تسرع في حديثك, ولا يحتد صوتك, ولا تتعود الصياح والصوت العالي.. ولتكن ألفاظك هادئة.. وإن أردت أن تقول كلمة عنيفة أو جارحة, اضبط لسانك ولا تلفظها.. وفكر في نتائجها السيئة…
4ـ إذا كتبت خطابا غير هادئ, فلا ترسله بسرعة.
اتركه يوما أو يومين, وأعد قراءته, وغير ما يلزم تغييره فيه.
5ـ كل فكر يلح عليك لا تسرع في تنفيذه, ولا تطاوعه… وانتظر حتي تفحصه بهدوء من كل ناحية…
6ـ درب نفسك علي عدم الاندفاع, وعدم التسرع.
واعرف أن عدم الصبر يدل علي عدم هدوء الإنسان في الداخل.. فالإنسان الهادئ طويل البال.. وإذا اضطرب الإنسان يفقد القدرة علي الصبر.. فهو لا يستطع أن ينتظر.. يريد الآن أن يعمل أي عمل أو يتكلم أي كلام, أو يتخذ أي قرار. بلا هدوء.
فإن قال لك أحد: تعوزني فضيلة الصبر.. فقل له: وأيضا تعوزك فضيلة الهدوء, لأن كليهما مرتبطتان معا.