القلب موضع الإيمان, والإيمان نعمة نقتنيها بالروح وندركها بالخبرة الحياتية وليس بالعقل ولا بالمنطق كما يقول البعض, ولأن الإيمان نعمة غير منظورة لا يمكن منطقتها ولايمكن أن يحتويها العقل, لذلك أخطأ من قالإن الله عرفوه بالعقل فالعقل وحده لايكفي لمعرفة الله, ولا اختبار علاقة البنوة والحرية مع الربوبية بديلا عن علاقة العبودية مع مفاهيم السيادة الإلهية, العقل وحده لا يكفي لاستيعاب العقيدة التي تخبرنا أن الله يعد لنا ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر علي قلب بشر لكننا ندرك تفاصيل العقيدة-أية عقيدة-بالعقل الذي ميزنا به الله عن سائر المخلوقات.
إدراك تلك التفاصيل له أماكن دراسته والمتخصصين فيها, المؤهلين أكاديميا وروحيا, وعلي كل الأصعدة بالتعامل مع تفاصيل العقائد كل في عقيدته تلك الأماكن هي الملحقات التعليمية لدور العبادة والمؤسسات الدينية فتبقي دور العبادة للتعبد والوجود في حضرة الله مسنودة بالحب المخفي وقوي الإيمان الخارقة, وهو ما دعا المهمومين بالقضايا القبطية -قبل سنوات- للمناداة بإلغاء حصة الدين في المدارس, بسبب ماينشره بعض المتشددين من تمييز ضد الآخر الديني, وحينما باءت تلك الدعوات بالفشل بسبب مقاومة تيار المتطرفين داخل الأجهزة المختلفة استبدلها البعض باقتصار النصوص الدينية علي كتب الدين فقط.ولم يستجب أحد, إلي أن تغول التطرف وطال أدمغة المراهقين والشباب وتحول إلي إرهاب يمثل خطرا علي الجميع وليس علي الآخر الديني فقط.
الأمر الذي-بعد رجاء وإلحاح دام عقود -تم وضعه مؤخرا علي طاولة لجنة الدفاع والأمن القومي, يوم الأحد الماضي لمناقشة خطة وزارات الثقافة والأوقاف والتعليم في مواجهة التطرف والإرهاب, وذلك بناء علي الطلب الذي به النائب فريدي البياضي عضو اللجنة وبحضور الدكتور رضا حجازي نائب وزير التعليم.الذي وافق علي مقترح البياضي بتدريس مادة الدين ضمن كتاب يتضمن تدريس القيم المشتركة بين كل الأديان ومبادئ التسامح والمواطنة والعيش والمشترك.
اقترح مشكور, وتحرك مبشر بالخير ولكن لدي القلقين قائمة من الاستفسارات والمخاوف من حق الجميع تلقي إجابة عنها, ففيما يتعلق بوجود أمثلة لنصوص دينية في مناهج غير منهج الدين, والتي قال الدكتور رضا حجازي: إن هناك توجيهات لاقتصار النصوص الدينية علي مادة الدين فقط, هذا يعني أن مادة الدين مازالت تمثل جزءا من منهج المادة المطروحة للتدريس, وأنها ستحمل نصوصا عقائدية تخصصية فكيف سيتم التعامل مع هذه المسألة؟مع العلم أن المدرسين غير مؤهلين لتدريس الأديان وتشكيل وجدان الطلاب عقائديا, لأنهم ليسوا خريجي الأزهر أو الكليات الإكليركية وحتي بعض فئة الدارسين متشددين ومتعصبين لوجهات مدعومة بوازع التميز أو التمييز,كيف ستتم السيطرة علي ذلك؟ وماذا لو انفجر في وجهنا التيار السلفي معترضا؟وهو ما ينبغي التحذير منه لأن أي تراجع يحدث بعد ضغط سلفي سيعيد المجتمع كله إلي الخلف عشرات الخطوات فيما يتعلق بمسألة التطرف والتمييز والمواطنة.
ماسبق يعيدنا للمقدمة أن الإيمان موضعه القلب وتفاصيل العقائد مكانها الملحقات التعليمية بالمؤسسات الدينية, لذلك يجب تضمين الخطة محل المناقشة أمرين, الأول هو دراسة إلغاء مادة الدين فعليا بلا تحايل علي المضمون,لأن تضمين أية تفاصيل عقائدية حول أي ديانة هو إجبار للطالب علي إدراك تفاصيل عقائد أخري لايمكن إدراكها بالعقل الذي قلنا إنه لايمكنه استيعاب الإيمان, والأمر الثاني, هو إيجاد سبل واختبارات نفسية وعقلية واجتماعية ومفاهمية للمنوطين بتدريس المادة المشتركة محل الاقتراح لأن القائم بالاتصال في العملية التعليمية هو مفتاح التطرف أو الاعتدال مع الوضع في الاعتبار أن غير المؤهل وغير المعتدل يستطيع تغيير النص وإخضاعه لتفسيرات متطرفة وهدامة مثلما حدث عبر عقود مضت فهل ننقذ المستقبل من خطايا الماضي؟.