منذ سنوات والجميع يتحدث عن أزمة تعيشها السينما المصرية سواء علي صعيد عدد الأعمال التي يتم تقديمها كل عام أو علي صعيد نوعية الأعمال وقيمتها وقدرتها علي الحفاظ علي مكانة مصر الفنية في عالمنا العربي.
ومنذ بداية جائحة كورونا التي عمت العالم تفاقمت الأزمة بشكل كبير وطالت الصناعة في كل بلدان العالم بما فيها عاصمة السينما هوليود.
وفي الوقت الذي تراجع فيه الإنتاج عالميا في واحدة من أهم الصناعات في العالم يسعي صناع الفن السابع إلي الخروج من تلك المحنة التي لا يعرف أحد علي وجه الدقة متي سوف يتجاوزها العالم فقد ألقت آثار الجائحة علي كل مناحي الحياة وتسببت في خسائر هائلة في الأرواح وتسببت في أضرار شديدة علي الاقتصاد العالمي وتؤكد منظمة العمل الدولية في تقرير لها أن ما يعادل سدس سكان العالم ـ معظمهم شباب بالطبع ـ قد فقدوا عملهم وأن نحو واحد من بين كل أربعة أشخاص قد تم تقليص ساعات عملهم وبالتالي تقليص أجورهم.
بينما تعرضت صناعة السينما لخسائر قاسية ولا يمكن القياس فقط علي حجم التعطل الذي أصاب الفنانين بل يمتد إلي ملايين الفنيين والعمال والحرفيين ودور العرض الذين توقفت أعمالهم بشكل كبير.
نقول هذا ونحن ندرك أهمية صناعة السينما كواحدة من مصادر الدخل القومي والتي كانت تحتل المركز الثاني في مصر بعد زراعة القطن في ترتيب مصادر الدخل المصري.
كما أنها كانت منذ نشأت علي بعد أكثر من 100 عام مصدرا للنفوذ الثقافي والتأثير الحضاري المصري علي كل الدول الناطقة بالعربية وغير العربية من بلدان أفريقيا وآسيا ولسنا في حاجة إلي إعادة ذكر ماذا صنعت السينما والدراما والأغنية في أوقات المحن التي مرت بها مصر وكيف كانت سندا ودعما تلهب المشاعر الوطنية وتحشد الملايين.
سيقول البعض أن هذا عندما كان لدينا فن جاد وفنانون جادون.. وسنقول بالطبع هذا صحيح والصحيح أيضا أن مصر لم ولن تخلو من النماذج المضيئة التي لعبت دورا وطنيا مهما ورائدا كأم كلثوم وتحية كاريوكا وغيرهما ولا شك أن نفس المرحلة كانت تضم فنانين لم يقدموا علي أي دور وطني رغم شهرتهم وانتشارهم من بين هؤلاء رشدي أباظة وأحمد رمزي مثلا.
في نظري أن أي استهداف ـ خبيث ـ للفن المصري إنما يخدم بشكل أو بآخر عن عمد أو جهل في خدمة المشروع الأصولي المتشدد الذي يعادي الثقافة بشكل عام.
ولا يجب أن نسمح بتجاوز ضد عموم الفن بدعوي الحفاظ علي أخلاق المجتمع وثوابته التي هي بالطبع متغيرة ولا يوجد من يملك التحدث باسمها… بالمنطق ذاته الذي حاول البعض أن يتحدث باسم مصر ويرفض أعمال بدعوي أنها تسيء لسمعة مصر تلك العبارة الفضفاضة التي تفتح الباب أمام المنع والمصادرة والتصفية المعنوية لصناع الفن.
لا شك أن الثقافة والفنون جزء رئيسي من المشروع الحضاري المصري المعاصر واستبعاد هذا المكون الهام يضعف من مشروعنا الحضاري ويسمح لآخرين أن يشغلوا المساحة التي امتلكناها خلال قرون مضت.
علي الدولة أن تدرك أهمية هذا قبل أن يمر الوقت ولا ينفع الندم. والإدراك من خلال دعم سريع ومباشر للسينما والثقافة بشكل عام كما فعلت مع قطاعات حيوية مثل السياحة مثلا لمواجهة آثار جائحة كورونا ومحاولات داعشية تسعي حثيثا للانقضاض علي منجزنا الفني والحضاري.
ضخ الدعم لمؤسسة السينما بشكل يتناسب مع تكلفة الإنتاج وتناسب المستهدف من أعمال جادة تتمتع بحرية إبداع والمؤكد أن بمصر طاقات هائلة يمكنها أن تعيد ثقة الناس بالفن بعد أن تعرض لحملات تشويه ممنهجة من جهة وأعمال أقل من قيمة مصر وفنانون لا يعون أهمية مهنتهم وتأثيرها من جهة أخري.
وزارة الثقافة تقدم كل عام 25 مليون جنيه لصناعة أفلام جديدة ـ تعاني التعثر منذ عام تقريبا ـ يسيطر علي اختياراتها عدد محدود جدا من السينمائيين ويذهب معظمها لأفلام تسجيلية ووثائقية ولا يكفي المبلغ كله لإنتاج فيلم روائي طويل في ظل تكلفة الإنتاج المرتفعة الآن.
ولعل عزوف معظم ـ نجوم ـ الصف الأول عن تخفيض أجورهم يمثل مناسبة جيدة للدفع بوجوه شابة تنتظر الفرصة في كل مكونات العمل الفني وهذا بالأساس هو دور ومهمة المؤسسة الثقافية الرسمية وواجب عليها أن تضخ وجوها جديدة تقدم أعمالا جيدة تعيد مصر للصدارة.
ولعل الحيرة الشديدة التي تواجهها لجنة جوائز أوسكار في مصر ـ وهي اللجنة المعنية باختيار فيلم يمثل مصر في مسابقات الأوسكار سنويا ـ تلك اللجنة تعاني منذ سنوات لكي تجد عملا يصلح لتمثيل مصر وفي النهاية يتم ترشيح فيلم متوسط المستوي وهذا يعبر عن أزمة حادة وتراجع كبير في صناعة السينما المصرية من الضروري أن تتدخل الدولة لحماية تلك الصناعة وذلك الفن.