عزاءات بلا معزين, وجنازات بلا مودعين, وصلوات بلا مصلين, ونداءات الواجب تدفع البعض للهلاك في الوباء, بينما يهرب البعض الآخر من المسئولية, وبين أولئك وهؤلاء, يقف الفقير باحثا عن موطئ لقدميه في طابور تلقي اللقاح في محاولة لإبعاد شبح الوباء عنه وعن أسرته لأنه غير قادر علي العلاج ولا المعافرة لإيجاد مكان في مستشفيات العزل, فعلي الأقل يقي نفسه شر الإصابة.
هذا حقه البسيط, الحق في النجاة. الحق في الحياة, الحق في الصحة. ذلك الحق المهدر بفعل الجهل والتقصير, وغياب العدالة, فتغول الوباء علينا, حتي صرنا غير مهتمين بالرصد أو المتابعة, لأننا نعلم جيدا كيف تسير الأمور, ولنا في صفحات الفيس البوك خير مؤشر, التايم لاين صار دفترا كبيرا للعزاء, هواتفنا الذكية, صارت مكتظة برسائل التعزيات, وصور المواساة.
غابت الابتسامات, وتراجعت البهجة, وودع كل منا حبيبا أو قريبا أو صديقا بسبب كورونا, كل المؤشرات تدفع الناس للخوف, لكن هناك فئة تحمل خوفا مزدوجا, إنها متلازمة المرض والفقر, التي كنا نخشي أن تظهر مع وباء كورونا, فالمجتمعات تتكاتف في أزمنة الأوبئة والدول تتحمل العلاج واللقاح.
لكن للأسف ما يجري في الواقع عكس ذلك, عدد ليس بقليل من الحالات التي نتولي علاجها, ومساعدتها أصيبوا بكورونا, وحينما ذهبوا للمستشفيات الحكومية, وأجروا التحاليل والأشعات, لم يمنحوهم العلاج البروتوكولي بل سلموهم روشتة العلاج لشرائه من الصيدليات الخارجية!
والناس تتسول علاجها, ولا أحد يهتم حتي بالشكوي فالمريض لن يصارع في جبهتين, الحصول علي علاجه والحصول علي حقه في العلاج المجاني, ما علينا.
هذا فيما يخص العلاج لكن حاليا هناك أزمة فيما يخص اللقاح, البسطاء لا يعرفون كيف يقومون بالتسجيل, وتوجيههم للمستشفيات سيتسبب في ازدحام شديد وينشر الوباء.
نفوس حائرة قليلة الحيلة, سألني عم ابرام منذ أيام, عن اللقاح لزوجته المريضة التي لن تحتمل الإصابة بكورونا, ولا يعرف ماذا يفعل. ولم أجد جوابا خاصة بعد أن علمت أن اللقاح سوف يتم توزيعه بمقابل مائتين جنيه للجرعتين, والجرعتان خلال ثلاثة أسابيع أي أنهما يدخلان في ذات الشهر, ضمن راتب ذات الشهر, فمن أين لعم إبرام بمبلغ 1400جنيه ليتم تطعيم الجميع؟ هو وروجته وثلاث بنات وابنين. كتبنا عنهم منذ شهور لنجد من يساعدهم, واليوم نعيد نشر مقتطفات من حكاية عم إبرام الذي يبحث عن اللقاح لزوجته وسط وباء لا يعرف العدالة. يبحث عن النجاة.
عم إبرام غادر قريته منذ سنوات, باحثا عن علاج لزوجته, واستأجر سكنا في القاهرة العظيمة, المرعبة الأليمة, المبهجة الحزينة, الآثمة البريئة وسط إيقاع المدن, في إحدي المناطق العشوائية, داخل منزل متهالك الجدران استقر العيش به وبأسرته, في أعمق نقطة من قاع المجتمع يفتشون عن رقعة للاحتماء بها, من رقعة لرقعة سلمتهم الليالي الباردة, حتي اتخذوا مسكنا لمدة ثلاث سنوات.
ومع تكرار الانتقال, تبخر الأثاث, فلم يعد لديهم سوي سريرين للأسرة وكنبة, وأشياء لا ترقي لمستوي الأثاث. اجرت الزوجة جراحة القلب المفتوح, لكنها لم تلبث أن أتمت عامين علي الجراحة الأولي حتي تطلبت حالتها إجراء قسطرة قلب.
ثم توالت الضربات ومن أزمة لأزمة سلم المرض هذه السيدة إلي الجراحة الثالثة لاستبدال صمام في القلب, ولأن أجسادنا تخون أرادتنا في الحياة أحيانا, خانتها عضلة القلب الضعيف فلم تحتمل مزيدا من الجراحات, واكتفت بما آلت إليه.
فضعف عضلة القلب تسبب في مشكلة كبدية بسبب تلف الصمام الثلاثي, الذي يؤدي إلي تجمع المياه في البطن استسقاء, ويتطلب علاجا جديدا, والرجل لا يملك, كما أن وضع زوجته حاليا يتطلب تحاليل وأشعة تليفزيونية دورية ولا إمكانيات, وعلاجا ثابتا شهريا تساهم الكنيسة في جزء منه, حيث يذهب الرجل بروشتة الطبيب إذا وجد العلاج في الكنيسة يحصل عليه بلا مقابل, والأنواع غير الموجودة تدفع الكنيسة نصف ثمنها فقط, وهذا هو النظام المعمول به.
عم إبرام بالمعاش, كان يعمل أمينا للعهدة لمادة التربية الزراعية في إحدي المدارس, لديه ثلاث بنات وابنان في مراحل التعليم المختلفة, لا يريد سوي الستر وعلاج زوجته ومنحها اللقاح خوفا عليها من الوباء.
يقول الرجل باكيا: خايف مراتي تموت, صحيح عيانة لكن حسها مع البنات, لسه صغيرين ومحتاجين لها, ساعات باركن عشمي الساقط في إخواتي علي جنب, واتصل بحد منهم علشان يجيب لي العلاج, ميردوش علي تليفوني, ويضيع عشمي فيهم من جديد, التخلي مش جديد عليهم, أصل الفقير ريحته وحشه, وصوته وحش, الفقير كلامه مابيعجبش, مبيونسش المستغني عنه, مابيحننش القاسي,.