نقرأ في سفر يشوع بن سيراخ: في جميع أمورك كن سيدا, ولا تلحق عيبا بسمعتك33:23, ويحكي الروائي الشهير Barrow عن موقف حدث معه عندما مر بمخيم قبيلة من الهنود الحمر, الذين تجمهروا حوله ظانين أنه رجل دين, وطلبوا منه قائلين: أسمعنا شيئا من كلام الله, أعطنا الله فأجابهم: لست قسيسا ولا كاهنا لأسمعكم كلام الله! ولكني أسأله أن يرحمكم فانصرف وهو في غاية الخجل من نفسه, وفي ذات الوقت كان مندهشا من عزة نفس وكرامة هؤلاء الهنود وتعطشهم إلي كلام الله, وبعد قليل لمح أطفالا يلحقونه, فقدم لهم بعض النقود من باب الحسنة والشفقة نظرا لفقرهم, وإذا بعجوز تهتف به:احتفظ بنقودك! لسنا بحاجة إلي المال, نحن نطلب كلام الله يا لنبل الأخلاق! يعيشون تحت الخيام, ويحيون حياة فقر وتقشف وحرمان وهم مع ذلك عفيفو النفس شرفاء لايمدون أيديهم لطلب الصدقة, وإذا قدمت لهم يرفضونها لأن القليل مع عزة النفس, أفضل من مهنة الشحاذة في نظرهم لذلك نستطيع القول بأن اللقمة الهنيئة التي تشبع هي اللقمة الشريفة التي نحصل عليها بعرق الجبين وبأمانة دون أن نفقد في سبيلها شرفنا أو كرامتنا أو ماء الوجه, إنها أمثولة رائعة في الشرف والقناعة, لا الفقر يذلهم ولا المال يغويهم لكن عزة النفس تسمو بهم فوق هذا وذاك, فالإنسان الشريف لا يرضي بأن يمس شرفه, أو يداس ضميره ولو كان مقابل كنوز الدنيا, فما قيمة الإنسان بدون شرف؟ بل ما هي حياته؟! لأن الذي فقد الشرف, لا يبقي له ما يفقده, فكل ما تبقي بعد فقدانه لاقيمة له ولا وزن عند الله والناس, ولا يوجد شيء في الدنيا يعوض عنه كما أن الشرف لا يعني فقط عفاف وطهارة الجسد ولكن الأمانة والإخلاص والقناعة والصدق في المعاملة, والإنسان الأمين والشريف يستطيع أن يستطعم الراحة والسعادة, لأن ضميره يحيا في سلام, وكما يقول أحد الأشخاص الشرفاء: شرفي هو حياتي, فانزع مني الشرف تفارقني الحياة والشرف أيضا هو الامتناع عن أي عمل يتنافي مع الأخلاق النبيلة والأمانة وكل شيء لايرضي به ضمير الإنسان, وهنا نستطيع أن نقول بأنه لايوجد فرق بين أن تكون تصرفاتنا وأعمالنا في السر أو العلانية,لأن ضميرنا يصطحبنا أينما كنا ومن خان ضميره فقد خان الله والناس, لأن خيانة الله تمهد الطريق لخيانة الغير, والقضاء علي الفضائل الإنسانية فينا وفي الآخرين,كما أن الشرف هو مجموعة الفضائل: كالإخلاص في السر والعلانية, والعدل في حالتي الرضا والغضب والرقي في معاملة الناس, والوفاء بالوعد وحماية الضعيف, والتحلي بفضيلة التواضع والامتناع عن أي عمل مشين, فمن الأفضل أن يظلمنا الناس ويعادونا بسبب تمسكنا بالخير, والفضيلة أفضل بكثير من أن نشكو الظلم والعداوة نتيجة شرنا وعدم سلوكنا بأمانة وإخلاص وشرف.
مما لاشك فيه أنه ليس كل من يدعي الشرف يكون هكذا ولكن صاحب الأخلاق النبيلة هو وحده الشريف كما أنه لن يتوفر شرف الأخلاق ونبل العواطف إلا إذا كان الإنسان يخاف أن يغضب الله لعدم أمانته ولا نغفل أن الشخص الشريف لايقوم بإهانة الغير, ولاينتقم منه لسبب ما, لأن كل هذا ليس فيه أي بطولة أو فخر والإنسان الشريف نجده ذا أخلاق نبيلة وصفاء في الضمير وسعادة في القلب, كما أن الحياة وما فيها تبدو له مشرقة باسمة أيضا نجد الإنسان الشريف يكن كل احترام وتقدير لأعمال الغير أيا كان, بشرط أن تكون حسنة فلا يسلب حق إنسان حتي وإن كان عدوه كما أنه لاينسب لذاته ما يعمله الغير أو يستحقه من مديح فهو يعتبر خلاف ذلك عدم أمانة ولا إخلاص في تصرفه, مما لاشك فيه أننا لانستطيع أن ننكر بأن هناك نفوسا كثيرة تتحلي بالمروءة والشرف, لأنها مجموعة من الفضائل التي بدونها يستحيل أن نطلق علي الإنسان المجرد منها بشرا: ونلمس هذه الفضائل في الصدق والإخلاص في الأقوال والأفعال والوعود, أيضا الاستقامة ونبل الأخلاص والأمانة وغيرها.
خلاف ذلك نجد الإنسان الشريف يؤدي عمله دون غش أو خداع وبدون أي تهرب أو انحراف عن المباديء السامية أي بإتقان ودقة وأمانة ونختم بكلمات نابليون باونابرت: إن الشرف جزيرة صخرية لا مرفأ لها, وسط بحر لا نهاية له وهدفا لأمواج عاتية لا واقي منها.