الله القادر علي كل شيء يشددنا بكلماته في المزمور التسعين قائلا:من يدعوني, استجب له, أنا معه في الضيق, أخلصه وأمنحه مجدا(90:15).
يحكي عن أحد المعلمين الكبار من القرن السادس عشر,قضي ثماني سنوات يتوسل إلي الله أن يرسل له من يرشده إلي الطريق القويم, طريق القداسة والسعادة,وبعد طول انتظار وتوسل, سمع صوتا يقول له:قم واذهب إلي الخارج ستجد رجلا بسيطا يحقق لك أمنيتك فقام للتو وهو في غاية الفرح ليجد نفسه أمام شحاذ,فحياه قائلا:أسعد الله صباحك يا أخي! فرد الشحاذ:لا أذكر أنني قضيت يوما رديئا في حياتي, فلماذا تدعو لي بالسعادة؟-إذا فليباركك الله! الشحاذ:وماذا تعني بهذه البركة؟ أنا لم أعرف في حياتي إلا البركة!-معني كلامي أنني أتمني لك كل أنواع السعادة! الشحاذ:أنا لست بحاجة إلي شيء من هذا, لأني لم أشعر قط بالتعاسة!-إذا ليكن الله معك! الشحاذ:ولكن الله معي دوما ولم يفارقني أبدا!-أرجو منك يا أخي الفاضل أن تشرح لي موقفك هذا,فأنا لا أفهم شيئا.
الشحاذسأشرح لك معني هذا.
أنا لم أعرف أبدا في حياتي, يوما واحدا رديئا لأن كل ما يحدث هو من تدبير الله أبينا:كالجوع والعطش والمرض والصحة وغير ذلك كما أنني لم أحصل فيما مضي من حياتي, إلا علي كل بركة إذا لا يحدث في الكون شيء بدون سماح من الله, لذلك أنا أقبل كل شيء بفرح واطمئنان مادام يأتيني من عند الله الذي يحبنا جميعا.
كما أنني لم أشعر قط بالشقاء, لأنني أسلم حياتي لإرادة الله, واثقا برحمته وحنانه,ولم أطلب شيئا قط لا يرضي به الله, لذلك أشعر بوجود الله الدائم في قلبي ولايفارقني أبدا, وأتذوق في صحبته السلام والسعادة والفرح يعلمنا هذا الإنسان البسيط الفقير أن نضع ثقتنا الدائمة بين يدي الله, لأنه يريد خيرنا وسعادتنا, لكن للأسف كثيرا أمام الظروف التي تواجهنا كل يوم, نريد من الله ألا يسمح بها, وأحيانا أخري نطلب منه أن يستشيرنا قبل أن يقرر شيئا في حياتنا,لذلك يجب علينا أن نتوكل علي الله الذي لايتركنا أبدا, لأنه يستجيب لنا دون توان, ويزيل من أمامنا العقبات التي لا نستطيع التغلب عليها بسبب ضعف قوانا البشرية.
كما يجب علينا أن نثق بأن كل مايحدث في هذه الحياة,إنما بسماح الله,بحيث أنه لايسمح بأن نجرب فوق طاقتنا, كما أن الله يجعل مع الشدة مخرجا نستطيع اكتشافه إذا تأملنا أمور حياتنا بحكمة ووضعنا حياتنا بين يديه.
وكما يقول داود النبي:معونتنا باسم الرب صانع السموات والأرض(مز120:2) كثيرا ما ننسي الله, ولا سيما حين تحل بنا المصائب والضيقات أو تحيط بنا الأخطار وتقلقنا المشاكل, لكننا إذا وضعنا أمام أعيننا حضور الله الدائم, ونتوسل إليه ليساعدنا سنشعر للتو بالطمأنينة, ونعمة الثقة به, واللجوء إلي حنانه والاعتماد علي أبوته,فالله حلقنا لا لكي يتركنا, فإذا حدث شر أو نزلت مصيبة فالله أب رحيم لايهمل خلائقه, بشرط أن نسعي إليه ونلجأ إلي رحمته وحنانه.
لأننا إذا عرفنا كيف نستسلم لتدابير العناية الإلهية استسلام الطفل في حضن والدته, فهي تستطيع أن تولينا الثقة والطمأنينة في كل ظروف الحياة المختلفة.
ولكن عدم رضانا عن الظروف التي نمر بها مهما كانت صعبة وقاسية هو دليل ضعف إيماننا وشخصيتنا, لأن المصاعب والمشاكل هي محك للشخصية ومدرسة نضوج ونمو والله يسمح بها, لا لشيء إلا لكي يمهد لنا اكتساب الخبرة في الحياة, والتحلي بقوة الصمود أمام الصعوبات وتدريب لكفائتنا, حتي تكتمل شخصيتنا.
جميعنا رحالة وضيوف في هذه الحياة! تلاحقنا الهموم والمصائب وتنغص حياتنا فإذا لم نرفع عيوننا نحو السماء حيث لنا أب حنون يرعانا بعنايته الإلهية سيصل بنا الحال إلي أن نهيم علي وجوهنا في متاهة ليس لنا منها نجاة وسيعصف اليأس حولنا ويتوعدنا الشقاء فعلينا إذا أن نلجأ إلي الله دوما ولاسيما وقت المحن والمصائب والله لايتأخر ولايتواني في نجدتنا. ونختم بقول أحد الخطباء المشهورين:كل ما أعرفه من أمر الغد هو أن عناية الله أبي سوف تستيقظ قبل الفجر لتهيئ لي نهاري.