” فقد رأينا نجمه في المشرق فجئنا لنسجُدَ له ” ( متى ٢ : ٢)
ككنيسة مؤمنة ومصليّة نتأمل اليوم حول شخصيات المجوس ، الذين بعدما رأوا علامة النجم ، ساروا ليجدوا ذلك الملك الذي أسس مملكة جديدة ليس لشعب إسرائيل فقط بل للبشرية بأسرِها . يشكل مجوس الشرق، الذين وبإتباعهم للنجم وجدوا الطريق نحو مغارة بيت لحم ، بداية مسيرة كبيرة تجتاح التاريخ . وكما أن الرعاة ، كانوا أول ضيوف للطفل المضجع في المذود يجسّدون فقراء العهد القديم ، أي النفوس المتواضعة والبسيطة التي تعيش بقرب داخليٍّ من يسوع ، فهؤلاء الرجال القادمين من الشرق يُجسّدون الشعوب الأخرى ، كنيسة الأمم ، الرجال والنساء الذين ، ومنذ عصور يسيرون نحو طفل بيت لحم ويكرمون فيه ابن الله ويسجدون له .
إن المجوس الذين انطلقوا نحو المجهول كانوا رجالاً يدفعهم البحث عن الله وخلاص العالم . كانوا يبحثون عن الحقيقة الكبرى . كانوا رجالاً يتحلون بمعرفة كبيرة حول علم الفلك والكواكب وملمّين أيضاً بعلم المعرفة والفلسفة . ولكن لم تهمهم معرفة الأمور فقط ، لأنهم كانوا يبحثون عن معرفة الجوهري . ولذلك أرادوا أن يكتشفوا وجود الله وجوهره . لم يبحثوا عن المعرفة فقط ، بل أرادوا أن يعترفوا بالحقيقة حول سر الله وعظمته والإنسان والعالم . ومسيرتهم الخارجية هذه ، هي تعبير لمسيرة قُلوبِهم الداخلية .
إن مسيرة حج الإيمان الداخلية نحو الله تتم بالصلاةِ . لذا على المسيحي أن يكون رجلاً يصلي . وعليه أن يعيش بإتصال داخلي مستمر مع الله . وعليه أن يحمل إلى الله صعوباته وصعوبات الآخرين ، أفراحه وأفراح الآخرين ، وهكذا يقيم علاقة بين الله والعالم بالشركة مع المسيح ، ليضيء نور المسيح في العالم .
لقد تحلى المجوس بالشجاعة ، شجاعة الإيمان وتواضعه ، ولذلك لمسوا الله في قُلوبِهم فكانت مسيرتهم نحو بيت لحم بحسب التعليمات الإلهية ، أكثر أهمية من العلم او من رأي الناس . فعلى المسيحي ، على مثال المجوس ، أن يكون مقداماً ، شجاعاً وشجاعته لا تقوم على السيطرة والعنف والعدوانية ، وإنما تقوم على روح المحبّة والتواضع والحوار والإنفتاح لتواجه كل الأفكار المعادية للحقائق والأسرار الإلهية .
لقد تبع المجوس النجم ووصلوا إلى يسوع ، النور الكبير الذي أتى إلى العالم لينير كل إنسان ( يوحنا ١ : ٩ ) ، وكحجاج إيمان ، أصبح المجوس نجوماً ساطعة في سماء التاريخ يرشدوننا إلى الطريق . والقديسون هم كواكب الله الحقيقيون الذين ينيرون ظلمات ليالي هذا العالم ويقودوننا إلى النور الحقّ . والقديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل فيليبي يدعو المؤمنين ليضيئوا كضياء النيّرات في الكون مُتمسِّكين بكلمة الحياة ( فيليبي ٢ : ١٥- ١٦)
إن دعوة المجوس للذهاب إلى بيت لحم ، دعوة تخصنا جَميعاً نحن الأبناء في كنيسة المسيح لنعيش مع المسيح ، ونصبح بدورنا حكماء ، ونجوم نسير أمام الناس ونضيء حياتهم ، ونرشدهم إلى طريق الحقّ الصحيح .
نرفع صلاتنا إلى مريـم العذراء التي أظهرت للمجوس إبنها ، ملك العالم الجديد ، لكي تُظهر يسوع المسيح لنا جَميعاً وتساعدنا لنكون علامات تُشير للطريق الذي يقود إليه . ونسألها أن يملأ الرب قلوبنا من نور الإيمان والرجاء والمحبّة ، لنلمس إهتمام الله بنا نحن البشر ، فنختبر قربه مِنّا وننال مواهب حبه وفرحه .