ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, اسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. صلوا بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
شجعوا صغار النفوس
التشجيع فضيلة سامية جدا, قد تتوفر في بعض الأشخاص دون البعض الآخر, فالبعض يستطيع ملاحظته الشيء الجيد ويشجع عليه, وهناك من يلاحظ الشيء نصف الجيد ويشجع عليه أيضا, أو يشجع حتي علي الأمور البسيطة جدا, لكن البعض الآخر ليست من ثقافته التشجيع فمهما رأي من أمور جيدة وحسنة لا يعرف أن يشجع عليها.
(2) السيد المسيح:
عندما ندرس العهد الجديد كاملا, ونتعمق في تفاصيل مقابلات السيد المسيح ومعجزاته التي صنعها, نجده هو المشجع الأعظم, والأمثلة والمواقف توضح ذلك:
* قيل عنه: قصبة مرضوضة لا يقصف, وفتيلة مدخنة لا يطفئ. حتي يخرج الحق إلي النصرة. وعلي اسمه يكون رجاء الأمم (مت12:30).
إن عبارة قصبة مرضوضة تعني خشبة ضعيفة ليس لها أي قيمة, ومع هذا يراها الله لها قيمة, والفتيلة المدخنة (الشمعة المدخنة), إذا ظللنا عليها يمكن أن تستعيد قوتها وتضيء مرة أخري, وهناك مثل مصري شهير يقول: النواية تسند الزير بمعني أن الجزء البسيط جدا (النواية) يستطيع أن يسند جزءا كبيرا وهو (الزير)!! فكلمة صغيرة قد تسند إنسانا فلا يسقط.
* يشجع الأولاد ويقول عنهم عندما أتي إليه الأولاد الصغار وانتهرهم التلاميذ, قال لهم: انظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار لأني أقول لكم إن ملائكتهم في السموات كل حين ينظرون وجه أبي الذي في السموات (مت18:10).
وأيضا قال لهم: دعوا الأولاد يأتون إلي ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات (مت19:14), (مر10:14-16), (لو18:16-17), وكأن السيد المسيح ينبهنا إلي مقدار أهمية خدمة الطفولة, فمن يخدم الأطفال يكون هو الذي يخدم, لأن هؤلاء الأطفال الصغار يقدمون لنا صورة جميلة عن البراءة وبساطة القلب والفرح,
فالأطفال يفرحون من أبسط الأشياء وأصغرها, لذلك فإن خدمة الطفولة تعطي لنا دروسا وتعاليم كثيرة.
* المرأة التي أمسكت في ذات الفعل, عندما أحضروها إلي السيد المسيح اجتمع حولها جموع كثيرة, وأرادوا التشهير بها ورجمها, وكان هؤلاء الرجال المجتمعون كل منهم يحمل في يده حجدا انتظارا لرجمها, وإشباعا لشهوته في الانتقام, فيا لها من قساوة الإنسانية!!
وهنا نتساءل ماذا سيفعل يسوع؟ إن السيد المسيح أراد أن يكسب الراجمين, فلا يرتكبوا خطية القتل, وأن يكسب هذه المرأة أيضا, فتتوب عن خطيتها, لذلك قرر الصمت!! وبالفعل جلس علي الأرض وبدأ في كتابة بعض الكلمات التي لا يعرفها غير أصحابها ثم انحني أيضا إلي أسفل وكان يكتب علي الأرض (يو8:8), فبدأ من كان يحمل حجرا كبيرا يقرأ خطيته علي الأرض, فينزل هذا الحجر الكبير إلي الأرض ويهدأ ويذهب, ونلاحظ هنا أن الله عندما أراد أن يكشف خطايا هؤلاء القساة القلوب كشفها بالستر.
إن كثير من الشخصيات التي وردت في الكتاب المقدس لم يذكر أسماؤها, وخصوصا التي ذكرت في مواقف ضعف, فالكتاب مثلا لم يذكر اسم المرأة السامرية (يو4), ولا اسم المرأة الخاطئة أو بلدها, فقد ستر عليها وعاملها بالرفق وقال لها: يا امرأة, أين هم أولئك المشتكون عليك؟ أما دانك أحد؟ فقالت: لا أحد يا سيد! فقال لها يسوع: ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضا (يو8:10-11), لقد أعطاها الرب يسوع أن تبدأ حياة جديدة بفضل ما قدمه لها من تشجيع.
تخيلوا معي ماذا ستكون النتيجة إن وبخها السيد المسيح توبيخا شديدا أمام الجمع, وأغلق أمامها كل باب للنجاة؟ بالطبع كانت ستكون النتيجة قاسية جدا, علي الأقل كانت سترجم بدون توبة.
* السيد المسيح كانت له طريقته المشجعة في علاج الخطايا, وهكذا فعل عندما تقابل مع المرأة السامرية, فقال لها: حسنا قلت ليس لي زوج (يو4:17), فلم يعاملها بخطئها وخطيتها.
وهذا يذكرنا بقصة تحكي عن ثلاثة أشخاص مروا بجوار كلب أسود ميت, فقال الأول هذا الكلب رائحته كريهة جدا, والثاني قال شكله سيئ جدا, أما الثالث فقال أسنانه ناصعة البياض!! فالمهم أن يدرب الإنسان عينيه علي التقاط كل ما جيد وإيجابي في الآخر.
والمقصود بالآخر هنا, هو زميلي في العمل أو الخدمة أو الكهنوت, أو جاري أو صديقي أو… إلخ, وهذا نوع من الجهاد الروحي جهاد مع النفس, لأن أبانا آدم بعد أن سقط في الخطية الأولي ورثنا منه الميل إلي كل ما هو غير جيد.
* يمتدح الرب العمل الصغير, فلم يمدح فقط الزرع الذي أتي بمائة أو ستين, بل وحتي الذي أتي بثلاثين.
يقول الرب في مثل الأرض: وسقط آخر في الأرض الجيدة, فأعطي ثمرا يصعد وينمو, فأتي واحد بثلاثين وآخر بستين وأخر بمائة (مر4:8).
وهنا نسأل هل يارب الثلاثين جيد أمامك؟ إنه في مفاهيم البشر الثلاثون بحكم راسب أو ضعيف جدا! ومع هذا وجدها الله جيدة, لأنها من الممكن ببعض الاجتهاد تصبح ستين, والستون قد تصبح مائة, وهكذا.. وهذا ما يصنعه التشجيع.
* السيد المسيح هو المشجع الأول لكل إنسان, بداية من التلاميذ الذين شجعهم علي ترك مهنتهم الأولي, التي هي صيد السمك, وأصبحوا صيادي للنفوس: هلم ورائي فاجعلكما صيادي الناس (مت4:19).
* شجع السيد المسيح نيقوديموس عند لقائه معه (يو3), وأيضا شجع زكا العشار: يا زكا, اسرع وانزل, لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك (لو19:5), وشجع أيضا القديس بولس الرسول, فقال عنه لحنانيا: لأن هذا لي أناء مختار ليحمل اسمي (أع9:15), وهكذا شجع السيد المسيح كثيرا من الجموع في مقابلاته ومعجزاته المختلفة.