يقول القديس بولس:وإنما يمهني أمر واحد وهو أن أنسي ما ورائي وأتقدم إلي الأمام فأسعي إلي الغاية..(فيلبي3:13).
تحكي إحدي الأساطير القديمة عن خنزير كان يحلو له التمرغ في الوحل, والأكل من القاذورات, والتمتع باستشاق الروائح العفنة, وإذا به فجأة يلمح فراشة في غاية الجمال تتراقص مع النسيم وتنتقل من زهرة إلي أخري, هائمة بالرحيق والعطور,فقال لها:أنت مازلت كما أتخيلك, ترفرفين كالسكاري ولا تشبعين من عطر متمسكة بالرحيق, ألا تستجيبين لنصيحتي لك وما أشير به عليك, وتجربين ما أنا غائص فيه من نعيم؟!-أشكرك جزيلا, وهنيئا لك أوحالك وقاذوراتك,أما أنا فأملك أجنحة من نور أحلق بها في السماء, وأتمتع من الزهور والعطور.
نلمس هنا الفارق الكبير بين من يتحلي بالطموح والرغبة في السمو والرقي, ومن يريد الاستمرار في وحل الخمول والكسل دون التخلص منه, لذلك يجب علينا ألا نتأثر بمن يريد أن يغوينا للوقوع مثله في تلك المستنقعات, أو من يرغب في إحباط اجتهادنا ويضيع مواهبنا وقدراتنا,أو من يسخر من تديننا وتقوانا, أو من يستهزأ من سلوكنا المستقيم وتهذيبنا, لذلك يجب علينا ألا نبالي بهم.كم من الشباب الموهوبين الذين يبشرون بمستقبل باهر,بفضل ما يتحلون به من ذكاء ومواهب!لذلك يجب علي الأهل والمربين والمعلمين أن يوفروا لهم الفرص المؤاتية,التي تساعدهم علي استغلال مواهبهم واستثمار كفاءتهم, ولكن إن أساءوا استعمال هذه النعم,مندفعين نحو اللهو فقط بدلا من العمل الجدي, سينطفئ ذكاؤهم وقدراتهم, وسيصبحون أشخاصا سطحيين لا رجاء فيهم.
والحل في هذه المواقف هو التحلي بالطموح الذي يعتبر تمردا علي الخمول, وعلي الحياة العادية الروتينية, وأن نبذل أقصي ما في وسعنا من جهد,ثم نقوم بمحاولات تتلوها أخري وأن نكرس كل ما نملكه من طاقة وحيوية من أجل الخير, والإنسان الطموح دائما يقظ لايغمض له جفن,دائم التحفز لايبالي بوهن ولا شبع مما يحققه من نجاح وتقدم, كما أن شعاره الدائم هو:عندما أري الأحسن, لايعود يعجبني الشيء الحسن.
كما أن الطموح ليس مقصورا علي الانتصارات الحربية والرياضية أو المكاسب الأرضية بل هو نزوع إلي الرقي الإنساني في جميع المجالات والمعاملات,ولا نستطعم الراحة والهناء,إذا لم نبذل قصاري جهدنا لنجعل حياتنا حافلة بالأعمال المجيدة.
فالإنسان علي الأرض, لا ليكتفي بالمأكل والمشرب فقط,ولكنه يحيا في هذه الدنيا بروحه وقلبه ليقدم أفضل ما عنده,لذلك يجب علينا أن نتحلي بالطموح الذي لايعرف حدودا,والتفاؤل الذي يتحدي المستحيل, والشجاعة التي لا تقيم وزنا للأخطار والثقة بالنفس التي تساعدنا علي القيام بأعمال إنسانية مجيدة.
إنها لجريمة أن نقتل معنويات الغير,ونصبح عائقا بينه وبين النجاح في الحياة, أو الطموح إلي الخير والفضيلة, وهذا ما يقوم به الذين يروجون للفساد والرذيلة, وكل شاغلهم هدم المجتمع.
لذلك يجب علينا ألا نعيرهم اهتماما, وألا نتخلي عن حب المغامرة وننطوي علي ذاتنا, أو نبني لنا برجا عاجيا لنتحصن فيه, متقلبين علي فراش الخمول والأنانية.
ولكن الطموح في النفس دليل علي سمو الهمة والنبل كأنها من غير طينة البشر الخاملين والمتشائمين.
والنفوس الطموحة لا ترضي أبدا عن كل ما تقوم به من إنجازات, بل تتطلع دوما إلي الأمام, إلي الأفضل إلي الأسمي, وأمثال هذه النفوس لاتقنع بما تستطيعه أيا كان ولكنها تحاول دائما أن تتخطي ذاتها وقدراتها حتي تبلغ حد النبوغ والإبداع, إذا يجب أن نزرع في الأجيال القادمة الاعتماد علي النفس,والطموح إلي الأكمل لأن هذا أساس المستقبل الباهر الذي يتحتم السعي إليه لأننا علي هذه الأرض,لا لنلهو أو نشكو ولكن لنعمل بكل نشاط وحماس وجد,بحيث يجدنا نهار الغد أفضل مما نحن عليه اليوم والأمس.
إذا يجب علينا أن نلقن أطفالنا ضرورة العمل الجدي إلي جانب اللهو والتسلية, لذلك يجب علينا أن نعزم عزما صادقا علي النجاح في الحياة, ونجتهد كل يوم في اكتساب شيء جديد والقيام بعمل يفيد البشرية جمعاء, كما يجب أن نصبح نورا للمحيط الذي نعيش فيه, وأن نحمل شعلة التفاؤل لكل من نتقابل معه في الظروف الصعبة, كما يجب ألا نقتدي بالذين لا هم لهم سوي الشكوي والنحيب والتشاؤم, ونختم بالقول المأثور:مادام في الدنيا سمو ورفعة,فما أنا من يرضي ويقنع بالأردا.