ربما لو وعدت طفلاً صغيرًا بشىء ما، بعد سنة يشعر الطفل أن مراده بعيد جدا لأن كل ما مضى من عمره خمس أو ست سنوات، وأنت تعده بشىء يتحقق له بعد زمن يساوى خُمس عمره تقريباً، وهذا بالنسبة له يعتبر عمرًا آخر يحتاج إلى صبر كثير حتى يصل إليه.
حين ينتصف العمر بالإنسان يعرف أن العشر سنوات من العمر تعبر كالبرق وتكاد لا تصدق أنه هكذا عبرت سريعًا آخر عشر سنوات من عمرك.
أما قرب النهاية فيرى الإنسان أن العمر كله مجرد حفنة أيام يستطيع أن يستعيدها كشريط ذكريات يمر أمام عينيه فى دقائق معدودات.
لهذا لا نستغرب جواب يعقوب أبا الأباء على فرعون لما سأله “كم هى أيام سنى حياتك” وكان له من العمر وقتئذ ١٣٠ سنة وقال عنها “أيام سنى غربتى قليلة” .
مع ذلك فإن الحياة كثيرا ما ننظرإليها بمقياس الأرض فتبدو طويلة مع أنهامقارنة بالأبدية لحظة، مئات السنين تحسب كنقطة من محيط بجوار الأبدية “لأن ألف سنة فى عينيك مثل يوم أمس بعدما عبر وكهزيع من الليل” ( مز٤:٩٠) .
فى الأبدية سندرك ضآلة أيامنا على الأرض بل لن يكون هناك معنى لكلمة زمن، سيتلاشى الزمن تماما لأن الزمن سيكون مفتوحا، يبدأ نهار الأبدية ولا نهاية له “لا يكون ليل هناك ولا يحتاجون إلى سراج أو نور شمس لأن الرب الإله ينير عليهم وهم سيملكون إلى أبد الآبدين” ( رؤ٥:٢٢) .
حياة سريعة بهذا الشكل ولا مستقر لنا فيها تدفع أي إنسان عاقل للاهتمام بالوطن الأبقى كما تحدث القديس بولس عن أبطال الإيمان فقال “فى الإيمان مات هؤلاء أجمعون وهم يبتغون وطناً أفضل أى سماوياً” ( عب١١).
نسعى فى الأرض بجد وأمانة ولكن العيون والاهتمام كله على ما هو أبقى، فإن حلت لنا الأرض لا تغرقنا مسراتها، عاجلا سيدى سيطلب حساب الوكالة. وإن قست علينا تذكرنا أنها أيام تعبر، مسألة وقت ليس إلا “ها آتى سريعاً وأجازى كل واحد كما يكون عمله”( رؤ١٢:٢٢).
يقول القديس انبا باخوميوس: [لا تنس أيامك بالتوانى وكما مر أمس كذلك يمر اليوم . فإلى متى تكسل؟! استيقظ وأيقظ قلبك قبل أن يوقفك مكرها يوم الحكم لتعطى الجواب عن جميع ما صنعت].
“لأنه ما هى حياتكم إنها بخار يظهر قليلا ثم يضمحل” (يع١٤:٤ ).