جمعني مؤخرا لقاء مع مجموعة من أبنائي ضباط الشرطة حديثي التخرج والذين تم توزيعهم علي عدد من المناطق التي تشهد بعض العمليات الإرهابية والإجرامية والتي تقلصت إلي حد كبير نتيجة النجاحات التي حققتها الشرطة المصرية مع رجال القوات المسلحة حيث لمست منهم جميعا تلك الروح الوثابة ومدي الاستعداد المعنوي والبدني لمواجهة الإرهابيين وأيضا المجرمين الجنائيين بكل الشجاعة والإقدام.. وفي ذات الوقت فقد تابعت بكل الفخر ذلك الأداء المتميز من رجال الشرطة الأوفياء الذين بذلوا جهودا كبيرة لتأمين الاحتفالات التي ننتظرها كل عام بعيد الميلاد المجيد.. وهنا أتذكر الشهيد البطل مصطفي عبيد والذي كان قد تم تكليفه العام الماضي بتأمين كنيسة العذراء وأبي سيفين بعزبة الهجانة بمدينة نصر والذي تعامل مع ثلاث عبوات ناسفة تم وضعها علي سطح المسجد المجاور للكنيسة حيث شاء القدر أن تنفجر فيه إحدي تلك العبوات أثناء محاولته إبطال مفعولها ليستشهد مضحيا بحياته فداء للمئات من المصريين سواء المسيحيين أو المسلمين والذين كانوا يتأهبون للاحتفال معا بعيد الميلاد المجيد حيث تناسي الشهيد أن لديه أسرة وأطفالا صغارا ولم يخف عليهم من موته حيث ضحي بنفسه لنعيش نحن وأهلنا من الأقباط محتفلين بتلك المناسبة المباركة ضاربا بذلك أروع آيات التضحية والفداء.
اليوم ونحن نحتفل بعيد الشرطة لابد أن نتذكر تلك البطولات والتضحيات التي يقدمها هؤلاء الرجال في جميع المجالات حيث شهدت البلاد مؤخرا حالة من الاستقرار والأمن جميعنا يشعر بها بل إن العالم بأجمعه يشهد بذلك وليس أدل علي هذا أن تقام بطولة العالم لكرة اليد في مصر حيث يشارك فيها لأول مرة في التاريخ 32 فريقا يمثلون 32 دولة وجميعهم يشهدون بالأمن والأمان في كل الأماكن التي يرتادونها وينقلون صورا حية لبلادهم تؤكد ذلك.
إن كل يوم تمر به بلادنا ليسجل بطولة من بطولات رجال الشرطة تصلح بمفردها أن تكون عيدا لها, فها هي توجه الضربات الاستباقية لفلول الإرهاب في عقر دارهم ويواجهون أخطر تنظيم إرهابي عرفه التاريخ وهو تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية والتي ترعي جميع التنظيمات الدموية التي تأخذ من الدين ستارا لنشاطها ومن الجهلاء وقودا لعمليات تخريبية تسعي من خلالها إلي ترهيب العباد وتدمير البلاد.
يأتي هذا أيضا في الوقت الذي نجحت فيه أجهزة الشرطة المعنية في الموانئ المختلفة في إحباط محاولات تهريب كميات هائلة من المواد المخدرة وصلت قيمتها أرقاما خيالية وبطبيعة الحال كان المستهدف من تلك المحاولات هم هؤلاء الشباب الذين بدأ الوطن في الاعتماد عليهم ليحملوا شعلة العطاء ويستكملوا رحلة البناء.. وهنا أيضا يجب ألا ننسي رجال المرور الذين يبذلون جهودهم في أسوأ الظروف المناخية صيفا أو شتاء وغيرهم من رجال الشرطة المتواجدين في كل المواقع والميادين المختلفة.
احتفالنا بعيد الشرطة هو تكريس لرحلة عطاء بدأت عام 1952 عندما دافع آباؤنا عن مدينة الإسماعيلية ضد المحتل البريطاني واستمر هذا العطاء إلي يومنا هذا وإن اختلفت أساليب المواجهة والفداء.
هذا هو قدر رجال الشرطة وهذا واجبهم الذي يقومون به بدون كلل.. وعندما حاول أهل الشر أن يطمسوا هذا اليوم من خلال تلك الأحداث والمظاهرات وأعمال العنف التي حدثت في ذات المناسبة عام 2011 فشلت محاولتهم وصمد رجال الشرطة وواجهوا الإرهاب والفوضي بكل التفاني والإخلاص وسقط منهم مئات الشهداء ولكن زملاءهم كان لهم الكلمة العليا ونجحوا في تقويض الإرهاب والقضاء علي عناصره وكوادره بل وقياداتهم.
وعلي الرغم مما يتعرض له أبطالنا من رجال الشرطة البواسل من أخطار وتضحيات إلا أننا نجد كل عام أن هناك تزايدا في أعداد الطلبة الراغبين في الالتحاق بكلية الشرطة حيث بلغ عدد المتقدمين هذا العام حوالي 55 ألف طالب وهو ما يؤكد أن هناك شعورا وطنيا يسري في نفوس شبابنا الصاعد الذي يرغب في بناء نهضة وطنه ويساعد في حمايته وأمنه.
رسالتي إلي زملائي وأبنائي من رجال الشرطة في عيدهم تكاد لا تتغير عن كل عام ولكنها هذا العام تحمل قدرا كبيرا من التقدير والعرفان علي ما تحقق بالفعل علي أرض الواقع من إنجازات أمنية علي مختلف الأصعدة وهو ما يجعلني أفخر دائما بأنني كنت ومازلت واحدا منهم.. وأشد علي أيديهم جميعا شاكرا لهم جهودهم وتضحياتهم في سبيل تحقيق أمن وأمان وطننا الغالي.
وتحيا مصر..