عيد الغطاس أو عيد العماد وهو عيد يحتفل به المسيحيون لإحياء ذكرى معمودية يسوع في نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان، ويوضح خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أن أبرز مظاهر العيد في الدول ذات الطابع الأرثوذكسي مثل روسيا وبلغاريا واليونان أن يُلقى صليب في البحر ويقوم شاب بالغوص لاسترجاعه والغطس في بِرك المياه المتجمدة ومن مظاهر الاحتفالات في إسبانيا وأمريكا اللاتينية، خاصًة في كل من المكسيك والارجنتين تقديم الهدايا من قبل المجوس الثلاثة ويرافق تقديم المجوس الثلاثة الهدايا مواكب واحتفالات ضخمة ترافقه موسيقى عيد الميلاد والزينة والأضواء والمفرقعات.
وتقوم لابيفانا وهي مماثلة لأسطورة سانتا كلوز أو بابا نويل في الثقافة الإيطالية بتقديم الهدايا للأطفال، وفي مصر يبدأ الاحتفال بإقامة القداس الإلهي وترتيل بعض آيات الإنجيل ورفع البخور، ومن ثم مباركة المياه التي يتم الاحتفاظ بها كرمز لمياه نهر الأردن، ثم يبدأ الكهنة القداس بصلاة تعرف باسم “اللقان”.
ويضيف الدكتور ريحان، أن مسيحيي مصر يحتفلون بعيد الغطاس يوم 11 طوبة 1732ق الموافق 20 يناير 2016م عن طريق عمل الفوانيس والشموع الضخمة ، وكان يسمي هذا اليوم من الأعياد “عيد الأنوار” وذلك طبقًا لدراسة أثرية للدكتور على أحمد الطايش أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة.
ويشير الدكتور على الطايش، إلى أن هناك منطقة تسمى قصر الشمع بمنطقة مصر القديمة بجوار الكنائس الأثرية، حيث كان الأقباط يصنعون الفوانيس والشموع وكان عيد الغطاس عيدًا قوميًا تحتفل به مصر احتفالًا رسميًا وشعبيًا شائقًا بلغ حده أن حاكم مصر نفسه ورجال حكومته وأُسرته ومعاونيه كانوا يشتركون فيه ويأمرون بإقامة الزينة وإيقاد النيران وإضاءة المشاعل وتعميم الأفراح الشعبية في كل مكان وتوزيع المأكولات على الأهالي مع الصدقات على الفقراء وكان الناس يغطسون في النيل تبركًا بهذه المناسبة السعيدة.
وينوه الدكتور ريحان، إلى أن مناسبة هذا العيد أن نبي الله يحيى المعروف عند المسيحيين بيوحنا المعمدان قد عمّد السيد المسيح عليه السلام أي غسّله في بحيرة الأردن فصار المسيحيون يغمسون أولادهم في الماء في هذا اليوم ولا يكون ذلك إلا في شدة البرد ويسمّونه يوم الغطاس، وكان له بمصر موسم عظيم إلى الغاية وسجّل مظاهر الاحتفال بمصر في العصر الإخشيدي المؤرخ المسعودي عام 330هـ ، قائلًا إن ليلة الغطاس بمصر والأخشيد محمد بن طفج أمير مصر في قصره بجزيرة منيل الروضة، وقد أمر بإقامة الزينة في ليلة الغطاس أمام قصره من جهته الشرقية المطلة على النيل وأوقد ألف مشعل غير ما أوقد أهل مصر من المشاعل والشموع على جانبي فرع النيل وقد حضر في تلك الليلة آلاف البشر من المسلمين والمسيحيين ومنهم من احتفلوا في الزوارق السابحة في النيل، ومنهم من جعلوا حفلاتهم في البيوت المشرفة على النيل.
ومنهم من أقاموا الصواويين على الشواطئ مظهرين ما لا يُحصى من المآكل والمشارب والملابس وآلات الذهب والفضة والجواهر، وكانوا يقضون ليلتهم في اللهو والعزف على آلات الطرب والتحلي بالجواهر الثمينة والزينة.
ويتابع الدكتور ريحان من خلال الدراسة بأن ليلة الغطاس فى مصر كانت أيام الفاطميين والأخشيديين أحسن الليالي بمصر وأشملها سرورًا ولا تُغلق البوابات التي كانت مركّبة على أفواه الدروب والحارات، بل تبقى إلى الصباح ويغطس أكثر الناس في نهر النيل ولم يكتفِ الفاطميون بما أتوا به من خيرات إلى مصر، بل عطفوا على كل المصريين على اختلاف مذاهبهم، ومنهم المسيحيون فقربوهم إليهم وجعلوا أعيادهم أعياد رسمية فى البلاد اشترك فيها الخلفاء أنفسهم.
ومنها عيد الميلاد والغطاس وخميس العهد وكانوا يخرجون من خزائنهم العطايا ويوزعونها على رجال الدولة لا فرق بين مسلم ومسيحى وفى عيد الغطاس يوزعون على الموظفين الليمون والقصب والسمك البوري وكان ذلك برسوم مقررة لكل شخص وكان يقبل الناس على شراء القصب في هذه الليلة واعتباره من عادات ورموز العيد.
وكانت تنصب الخيام على الشواطئ ويأتي الخليفة ومعه أُسرته من قصره بالقاهرة إلى مصر القديمة وتوقد المشاعل في البر والبحر وتظهر أشعتها، وقد اخترقت كبد السماء لكي تزينها بالأنوار البهية ثم تُنصب الآسرة لرؤساء المسيحيين على شاطئ النيل في خيامهم وتوقد المشاعل ويجلس الرئيس مع أهله وبين يديه المغنون، ثم يأتي الكهنة والرهبان وبأيديهم الصلبان ويقيمون قداسًا طويلًا ربما (قداس اللقان) وكان نهر النيل يمتلئ بالمراكب والزوارق ويجتمع فيها السواد الأعظم من المسلمين والمسيحيين فإذا دخل الليل تُزين المراكب بالقناديل وتُشعل فيها الشموع وكذلك على جانب الشواطئ يُشعل أكثر من ألفى مشعل وألف فانوس وينزل رؤساء المسيحيين فى المراكب ولا يُغلق فى تلك الليلة دكان ولا درب ولا سوق ويغطسون بعد العشاء فى بحر النيل سويًا ويزعمون أن من يغطس فى تلك الليلة يأمن من الضعف فى تلك السنة واستمرت الاحتفالات بعيد الغطاس أجيالًا وقد سُجلت في كتب التاريخ بأيدي مؤرخين مسلمين ومسيحيين كمظهر من المظاهر القومية في مصر
ويطالب الدكتور ريحان بإحياء مظاهر عيد الغطاس من العام القادم وأن يأخذ شكل احتفال قومى بمنطقة مصر القديمة ونهر النيل في كل مدن مصر وقراها وأن يستغل سياحيًا ويتم ربطه بالتنشيط لإحياء مسار العائلة المقدسة كطريق للحج في مصر باعتباره مظهر من مظاهر التراث اللامادى المرتبط بعيد يرتبط بتاريخ المسيحية ويحتفل به كل شعب مصر كعيدًا قوميًا.