بعد عناء الإلحاح في تحسين معاش أسر شهداء كورونا من الأطباء, وحصولها علي مميزات مساوية لأسر شهداء الجيش والشرطة, وبعد مداولات عديدة بين الحكومة ومجلس نقابة الأطباء, تم احتساب شهداء كورونا من الأطباء, أي أنهم رحلوا إثر إصابة عمل, وبالتالي حصول ذويهم علي معاش استثنائي, لاحتساب كورونا ضمن الأمراض المهنية المعدية, وطبقا لقانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات الصادر بالقانون رقم 148 لسنة 2019, يكون ذلك القرار في غير حاجة إلي أي تعديل تشريعي, كما كان البعض يدعي, وعليه فإن الحد الأقصي لمعاش الطبيب شهيد كورونا في عام 2020 أصبح 5600 جنيها, والحد الأقصي لمعاش شهداء الأطباء لعام 2021 أصبح 6480 جنيه. بعد أن كانت قيمة المعاش 1000 جنيه للطبيب الشاب, وهي استجابة محمودة لكل الأصوات التي نادت بتحسين أوضاع أسر شهداء الأطباء. لكنها في النهاية يتم تصنيفها مستحقات عادية ـ إصابة عمل ـ بينما يظل موضوع صرف مستحقات شهيد, أو معاملة الأسرة باعتبارها أسرة شهيد, عالقا أيضا, بالرغم من أن تلك الميزات لا تعد رفاهية وإنما تتمثل في تمكين أبناء الأطباء المتوفين بكورونا, من الإعفاء من مصروفات المدارس والجامعات والنوادي وما إلي ذلك من الأمور التي تعينهم علي الحياة الكريمة بدون عائل. وبالرغم من أننا لا نطالب ببناء نصب تذكاري لهم, ولا بإصدار موسوعة عن حياة كل منهم, ولسنا بصدد روايات بطولاتهم أو إخفاقاتهم, لكننا فقط نطالب بالاهتمام العادل بأسرهم التي حرمت من عوائلها إلا أن كل تلبية لاستغاثة أسر شهداء الأطباء, تحمل في باطنها معاناة وأبوابا مغلقة المتاريس كلما طرقتها الأسر المنكوبة.
فلم نتنفس الصعداء باحتساب المعاش إصابة عدوي حتي ألقتنا البيروقراطية إلي مهزلة التطبيق, فذات الجهة التي أصدرت القرارات بزيادة المعاش وهي هئية التأمينات والمعاشات بهيئة التأمين الصحي, هي نفسها التي أصدرت تعليمات في 10 يناير الجاري, بخصوص الإجراءات والمستندات المطلوبة لاستحقاق أسر شهداء الفريق الطبي لمعاش وفاة إصابة كورونا, بين هذه المستندات نموذج 29 ت.ص الذي طبقا لتعبير دكتور أحمد حسن عضو مجلس نقابة الأطباء سابقا, أن ذلك النموذج بتفاصيله يسرد واقع معاناة أسر شهداء الفريق الطبي بين ردهات الجزر المنعزلة للجهات الحكومية والبيروقراطية المتأصلة لدي الجهاز الإداري.
إذا الأمر مازال عالقا في مرحلة التطبيق في المكاتب الفرعية, التي تقذف بأسر الشهداء من مكتب لمكتب وهي معضلة التطبيق التي تختلف من منطقة لمنطقة بما بتعارض مع جلل الحدث ووجوب تقديره, فحينما تذهب أسرة الطبيب المتوفي بكورونا لإنهاء الإجراءات, تصطدم بمن يخبرها أن ذلك ليس اختصاص اللجنة الطبية, ثم يتركون مكان ملء البيانات فارغا, وبالتالي لا يمكن ختم مستند يحمل مكانا فارغا, والنتيجة هي رفض اللجان ملء أو ختم النموذج, وبالتالي تفسد المهمة كاملة.
فضلا عن أن بعض مكاتب التأمين الصحي في محافظات الصعيد وغيرها أخبرت أسر شهداء الأطباء بأنها ليس لديها تعليمات من الإدارة المركزية للجان الطبية, وبناء عليه يتم رفض عمل ملف الوفاة الإصابية أصلا, وبعض مكاتب التأمين الصحي في المحافظات طلبت ملء نموذج 102 تأمينات, الذي تقوم بملئه جهة العمل, وذلك لحين مخاطبة اللجنة العليا في القاهرة, لأن النموذج 29 ت.ص لم يعمم بالتأمينات.
وهكذا يدور أهالي الأطباء المتوفين في دائرة مفرغة, فلا هم صرفوا مستحقاتهم العادية ولا هم تمكنوا من إثبات وفاة ذويهم بالإصابة بكورونا, وكأننا في عالم مغاير لكل الدول, وكأننا إذا اعترفنا بوجود وفيات مرتفعة بين الطواقم الطبية, ومنحنا الناس مستندات إثبات الإصابة, سوف نسئ إساءة بالغة لجهود الحكومة!! ياحكومة هذا الوباء لا يعرف النموذج 29, ولا يعرف خوف الموظفين من الختم والتوقيع الوباء لا يعرف البيروقراطية, الوباء لا يعرف المؤامرة, ولا يفرق بين المعارضة والتأييد, الوباء لا يعرف سوي صدور المنكوبين, وأجسادهم العليلة, والأرامل الحائرات بين مكاتب التأمين الصحي, وصغار الأيتام الصغار الذين لم ينكشف المستقبل لهم بعد, ولم تولد لهم توجهات سياسية بعد, الوباء لا يعرف التعتيم, فكل الأشياء صارت علانية, حتي لو غير رسمية, خففوا عن الناس مشقات الحصول علي مستحقاتهم لأن الإنسانية تسبق وتعلو فوق الخطط السياسية.