المرأة والعمل.. عنوان كتاب للسيدة نبوية موسي (1886-1951م), إحدي رائدات العمل النسائي في مصر, وهي تتناول من خلاله قضية عمل المرأة وتعليمها, عبر مقدمة وتسعة فصول, ولتسمحوا لي بعرض بعض مما جاء في هذا الكتاب.
في مقدمتها تؤكد الكاتبة أنه في انحطاط النساء انحطاط للأمم, وأنه ليس أضر علي الأخلاق من الجهل والفراغ, ما يستدعي لفت اهتمام النساء إلي العلم والعمل. وتحت عنوان المرأة في جميع الأمم واتباع الأمة لها في الرقي والانحطاط توضح أن الاهتمام بالمرأة له شأن عظيم في تقدم الأمة, وأن المصريات مقصرات في ترقية شأنهن, وهي تشيد بالمرأة الإنجليزية بسبب حبها للعمل, وترفعها عن الكسل, وميلها إلي بساطة اللبس والاقتصاد في المعيشة, والاعتناء بنظافة المنازل والأطفال, متمنية الاقتداء بها خاصة في الميل للعلم الصحيح والعمل النافع.
وتحت عنوان الفرق بين الرجل والمرأة واستعداد كل منهما للعمل ترفض الادعاء بأن الطبيعة أعدت المرأة للمنزل لضعفها عن الرجل, وتتساءل: كيف ننتظر من المرأة نبوغا بعد أن اقتصر أغلب النساء علي ملاحظة المنازل, وتعلم ما يتعلق بها؟ وكيف نقارن بين عقل رجل هذبته العلوم والمعارف, وحنكته الخبرة والتجربة, فنما وبلغ أقصي ما يمكنه من الرفعة, وعقل امرأة تركت من صغرها في زوايا النسيان, فتراكم علي عقلها صدأ الكسل والبطالة, فأفقده رونقه الطبيعي, وأتلفه كما يتلف الصدأ الآلات الحديدية؟
وفي فصل عنوانه كيف تربي الفتاة المصرية؟ تؤكد أن المرأة كالرجل عقلا, فما يصلح في تنمية عقله يصح أن ينمي عقلها ويربي إدراكها, وبعد ذلك يستعد كل منهما لعمله الخاص. وتوضح أنه في اختلاف تربية الرجل عن تربية المرأة خطر عظيم علي رابطتهما, وضرر بليغ علي الأمة, فإن الأمة كجسم يتكون نصف أجزائه من الرجال, والنصف الآخر من النساء, ولابد لنجاح هذا الجسم من أن تتناسب أجزاؤه.
وتحت عنوان التعليم الأهلي تدعو الكاتبة إلي الاهتمام بتعليم الفتيات من بنات الطبقة الغنية التعليم العالي والراقي, وأنه بتعليم الفتاة الغنية نرفع شأن أسرة بأكملها, لأنها ستكون رئيسة لها, فتؤثر في نفوس الأبناء, بل وفي نفس رب الأسرة تأثيرا يدفع إلي الخير والنجاح, وهي أيضا تصلح أحوال الخدم, وترشدهم إلي النجاح في أعمالهم, وعندها أن أهم ما نحتاج إليه هو فتح كلية وطنية راقية تقوم بترقية الفتاة المصرية أدبيا وعلميا.
وتؤكد في فصل عنوانه احتياج مصر إلي طبيبات ومعلمات وخياطات وغيرهن أنه لا سبيل إلي أن نعمل ونحفظ الثروة المصرية للأمة المصرية, إلا إذا تربينا وتعلمنا مختلف العلوم والصنائع اللائقة بنا, حيث يتطلب إصلاح الاشتراك في إنشاء المدارس المختلفة للنساء, فإننا نحتاج إلي: طبيبات وخياطات ومعلمات ومحاميات, ومن الجهل أن يقال إن الدين يحجر علينا تعاطي الأعمال الشريفة, مؤكدة أن كثيرا من سيدات مصر أجل وأرقي من أن تنصحهن.
وتحت عنوان التدبير المنزلي والتطريز تنتقد المغالاة في التدبير المنزلي والاهتمام الزائد بتعليم الفتاة فنون التطريز, فإنه يميت مواهبها ويعلمها الكسل, حيث يمكنها تسلية وقتها بمطالعة الكتب المفيدة وترتيب المنزل ونظافته ومراقبة حركات الأطفال والحديث معهم وإجابتهم عما عسي أن يسألوها فيه من المعارف البسيطة لتتربي مداركهم ويقوي تصورهم, وخياطة ملابسها, وتعليم الخدم واجباتهم, وقد يصل الاهتمام الزائد بالتطريز إلي حد إعاقة الفتاة عن تحصيل ما يلزمها من العلوم الضرورية والصنائع الحية كالخياطة والعزف علي البيانو والرسم وغيرها من الفنون الجميلة.
وتتناول تأثير الكتب والروايات في الأخلاق, حيث تحث علي تشجيع الأطفال القراءة ومطالعة الكتب النافعة, حتي يتحصلوا علي أضعاف ما يكتسبونه في المدارس, ومن ثم ينظرون بها الفضيلة, وتتربي عندهم ملكة الإنشاء والفكر, لذا يجب أن نحث التلاميذ علي مطالعة الكتب الفصيحة بقدر ما يجب علينا إبعادهم عن قراءة الأفكار الساقطة والعبارات الركيكة.
وتتناول قضية الأفراح والمهور موضحة أنه في إقامة الحفلات علي اختلافها وحضور المجتمعات, ما يدعو القوم إلي التضامن والاتحاد, فالاحتفال بهذه الرابطة معقول محبوب, يؤكد التودد والمؤاخاة, ما دام بعيدا عن الإسراف والتبذير, وإن كانت تري أنه في كثرة المهر ما يدعو الرجل إلي الحرص علي امرأته, خوفا من خسارة ماله بلا فائدة, وحث للشباب علي العمل واكتساب المال قبل الزواج, حتي إذا اجتمع لديهم ما أرادوا منه بحث كل واحد عن خير فتاة يعطيها ذلك المال الذي بذل الجهد في اكتسابه, ويحرص عليها حرص الأعور علي عينه, لا أن يتزوج وهو لم يزل تائها عن طرق الكسب, فيلقي بنفسه وامرأته وأولاده في شقاء الفقر والحاجة, ودفع صداق يليق بمقامه ومقام أسرته, يحفظ باسم الزوجة, فيكون لهما ولأولادها, أما إذا حدث انفصال كان ذلك ضمانا لها من الحاجة.
وتختتم كتابها بفصل عنوانه الزار حيث ساعد علي انتشاره بين النساء حرمانهن لذة العلم والفكر وجعلهن في معزل عن معترك الحياة الحقيقية, فكانت حياتهن كلها خيالا وأوهاما, ولو عاش الرجال في مثل هذا الوسط, لرأينا من خزعبلاتهم ما هو فوق ذلك, وتشير إلي بقاء تلك العادة بين نساء الطبقة السفلي طالبة منهن أن يتركن هذا الجهل والخمول وهذه العادة العتيقة وهو ما يتحقق بتعليم البنات, وتتفاءل لأن المرأة المصرية سائرة إلي الأمام بخطي واسعة.
هكذا المرأة إنسان مثل الرجل, من حقها أن تتعلم ومن حقها أن تعمل, هي قوة إنتاجية في المجتمع, ليس من الحكمة خسارتها أو استبعادها من المشهد الوطني.
===
المرأة كالرجل عقلا, فما يصلح في تنمية عقله يصح أن ينمي عقلها ويربي إدراكها