نحن نتحدث دائما عن الأمن العام, والأمن الغذائي, والأمن الصناعي والأمن الصحي, لكننا لا نتحدث عن الأمن الحضاري, الحضارة في واقعها ومعناها سلوك الإنسان مع الآخر واحترامه وتقديره, وكلمة حضارة: Civilization جاءت من كلمة [سيفيليتي Civility] أي رقة التعامل مع الآخرين, فكلما كان الإنسان متحضرا كلما كان رقيقا محبا للآخرين, يمد يد المساعدة لهم, مجرد أن تقدم خدمة له يقول لك: شكرا. وإذا احتاج منك شيئا فهو يسبق طلبه بكلمة: من فضلك.. هذه هي الحضارة, سلوك ناعم إنساني بين الإنسان وأخيه الإنسان, احترام للآخر ورأيه وحياته, حب له ولهفة علي خدمته. أليس الآخر هو أنا بالنسبة له؟. عندما أتحدث إلي الآخر باحترام وحب فمن المؤكد أنه سيبادلني هذا الحب والمعاملة الحسنة, وسنعيش في مجتمع إنساني سعيد حقا.
من حسن الطالع أن مصر, في عصورها القديمة, هي التي قدمت الحضارة والعلوم والفنون لكل العالم. والدنيا كلها تعرف ذلك, وتدرس تاريخ حضارتنا وتعتز به كجزء من تاريخ الإنسانية.
لكن ـ وللأسف الشديد ـ أننا فقدنا الكثير من ملامح وأسس حضارتنا. وأكبر دليل علي ذلك هو الشارع المصري بكل ملامحه وصخبه وإزعاجه وألوانه وأرصفته, وسلوك الناس فيه وغير ذلك. الأصوات المرتفعة للباعة الجائلين والروبابيكيا, وبعضهم يستخدم الميكروفونات فيخترق الصوت المزعج أذنك ويوقظك في ساعات القيلولة فتتحول ساعات الراحة إلي ساعات قلق واضطراب, أصوات كلاكسات السيارات وزعيق الناس في أحاديثهم الخاصة, وكأنهم يتشاجرون! هذا بالإضافة لأصوات مواكب وسهرات الأفراح. سمفونية مزعجة تقضي علي الأمن الحضاري الذي يستوجب الهدوء والسكينة من أجل راحة الناس.
ظاهرة أخري تقضي علي الأمن الحضاري وتؤذي مشاعر الجميع هي سيارات جمع القمامة العارية تماما دون غطاء, منظر القمامة قبيح ورائحتها نتنة ثم تسير السيارة بسرعة وتتسرب القمامة من السيارة إلي الشوارع المختلفة وتوزعها فتعود الشوارع لتمتلئ بالقمامة مرة أخري! وكأنك ياأبو زيد ما غزيت, وينتفي الهدف من نقل القمامة إلي توزيعها في الشوارع. بجانب المنظر المؤذي وبخاصة أمام السياح.
* الرصيف مخصص في كل الدنيا لراحة المواطنين وبخاصة الكبار والأطفال والمرضي لكننا جعلنا منه مكانا للبيع والشراء وازدحم بالبضاعة التي لا تسمح لأي قدم تمشي عليه!
الرصيف المصري ينفرد بظاهرة غريبة إذ توجد مستويات تصل لأكثر من ثلاثة سلالم, ترغم الإنسان علي الصعود والهبوط وينتفي الهدف من إنشاء الرصيف, فبدلا من أن يكون لراحة المواطنين يكون لتعبهم. الصعود إلي الرصيف نفسه يمثل مشقة لكل مواطن, فأنت تصعد حوالي أربعين سنتيمترا وأكثر والأطفال وكبار السن والمرضي والحوامل ليس عندهم مقدرة لذلك. هناك بعض الأرصفة تحولت إلي مطاعم ومناضد للزبائن, وألغي الرصيف فعلا!!
* نحن نرتدي الكمامة الآن بحكم وجود [فيروس كوفيدـ19], وهذا يرحمنا من سماع أحاديث الشبان ومشاجراتهم والهزار السخيف بينهم, ومع ذلك تخترق آذاننا بعض الشتائم والألفاظ المريبة الخارجة عن القانون واللياقة, يمزحون مع بعضهم بألفاظ يشيب لها الوجدان, وترتعش لها النفوس, شباب زي الفل يتلفظ بألفاظ جنسية معيبة, وللأسف منهم بنات, صحيح إللي اختشوا ماتوا..! الواقع أن الحضارة أخلاق وهذا الذي يحدث أبعد ما يكون عن الأخلاق, وأغرب ما يكون عن أخلاق المصريين!.
يسقط المطر في الشتاء.. يبدو أن بعض المسئولين في الحكم المحلي لا يعرف هذه الحقيقة, ومن هنا غرقت القاهرة ومعظم المحافظات في شبر ميه بعد سقوط الأمطار. الذي يعنيني هنا أن السادة أصحاب السيارات كانوا يتركون سياراتهم فوق الرصيف وبجانب الحائط مباشرة, وعندما غرقت الشوارع اضطر المواطنون إلي المشي في المياه لأن الأرصفة مشغولة بالسيارات.
أي أنانية وهمجية هذه التي تجبر الناس علي الغوط في المياه بملابسهم! كان المصري القديم يقول في حساب الآخرة بعد الموت: لم أشهد بالزور, ولم أكن سببا في دموع أو عذاب إنسان أو حيوان, ولم أنس أن أسقي وأروي النبات..
هذه هي الحضارة المصرية, حضارة أجدادنا فكيف ننسي هذا ونسيء للناس والشارع والبلد؟ أين الأمن الحضاري؟.
* هدوء الشارع ونظافته أمن حضاري.
* استخدام الرصيف لراحة المواطنين أمن حضاري.
* تعامل الناس مع بعضهم بالابتسامة والذوق أمن حضاري.
* ألوان الأبنية والعمارات المتآفة [الهارمونية] أمن حضاري.
* تطبيق القانون علي من يخالفه في الحال. أمن حضاري.
* الأمن الحضاري ضرورة لكل إنسان, ويجب علي كل مواطن أن يساهم في تطبيقه حتي نستحق أن نكون أبناء أعظم حضارة في التاريخ.