تم مؤخرا تعيين الدكتورة فاطمة الرزاز والمستشار خالد أحمد والمستشار علاء الدين نواب لرئيس المحكمة الدستورية العليا، ونشرت الجريدة الرسمية الأحد 20 ديسمبر الماضى قرار التعيين الذي أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي رقم 695 لسنة 2020، وتعد هذه المرة الأولى التى تختار فيها سيدة لعضوية منذ عام 2012 بعد المستشارة تهانى الجبالى، فهل تعيين سيدة بالمحكمة الدستورية العليا يعد خطوة نحو حصول المرأة على حقها بالوصول إلى كافة مناصب القضاء خصوصا بمجلس الدولة أسوة بالرجال أم أن هناك العديد من الخطوات والإجراءات الواجب اتخاذها لضمان تمثيل حقيقي للمرأة فى القضاء و حصولها على حقها كقاضية بمجلس الدولة .. و ما هى الاجراءات المطلوبة حتى تحصل المرأة على حقوقها.
حول هذا القرار تحدثنا إلى أمنية طاهر جادالله – مؤسسة مبادرة”المنصة حقها” منذ عام 2014، ومدرس مساعد بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، و باحثة ماجستير في القانون بذات الجامعة، ودرست بأكاديمية لاهاي للقانون الدولي، وقالت: “سعدت “المنصة حقها” وقامت بتهنئة الدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز، عميدة كلية حقوق حلوان باختيارها قاضية لتكون نائبة لرئيس المحكمة وتعتلي منصة المحكمة الدستورية العليا، لتكون بذلك القاضية الوحيدة على المنصة من بين ١٤ قاض وثاني امرأة مصرية تعتلي منصة المحكمة الدستورية العليا منذ انشائها عام 1969 بعد المستشارة (المحامية) تهاني الجبالي (2003-2012).”
وأضافت جاد الله قائلة:” هذا القرار أمر جيد و لكنه يظل تمثيلا يحتاج للمزيد بالدستورية العليا حيث أنها إمرأة واحدة من ضمن 15 بالدستورية العليا، كما أتمنى أن يأتى تولي المرأة للمناصب القضائية بالتدرج الطبيعى له بأن تتدرج المرأة فى المناصب القضائية منذ تخرجها والتحاقها بالنيابة الادارية أو غيرها والتدرج فى ذلك وليس من خلال التعيينات بالقرارات الرئاسية.وأن يفسح المجال لها كقاضية في مجلس الدولة”
25% نسبة المرأة فى القضاء فى 2030 ؟!!
نيفين عبيد – رئيسة مجلس أمناء مؤسسة المرأة الجديدة وباحثة في قضايا التنمية والنوع الاجتماعي – قالت:
“حتى نستطيع أن نقول أن مصر قادرة على دمج النساء فى صناعة القرار و تحديدا فى منصة القضاء يجب أن تزال العوائق والعقبات في سبيل تحقيق ذلك، بداية من فكرة رجوع البعض إلى الدين والقول بأن هناك مناصب غير ملائمه للمرأة، وكذلك الفكر الذكوري السائد بالاضافة إلى وجود مؤثر ومعوق ثالث الا وهو مصلحة الجماعة بعض المنتمين للجماعة القضائية نفسها. وبالتالي ما يحدث من تعيينات للنساء فى القضاء لا يعكس تغييرات كبيرة لدمج وتمثيل المرأة في المناصب القضائية. فالسبيل الى تحقيق ذلك هو ان يتم اتاحة التعيين بشروط واضحة و موحدة للجنسين فى المناصب القضائية. هذه هى الدلالة الوحيدة على أن الدولة تواجه المعوقات التى تواجه المرأة فى المناصب القيادية.”
واستطردت عبيد قائلة:” بالإضافة إلى أن الهدف الثاني بخطة واستراتيجية التنمية المستدامة 2030 يتمثل فى العدالة والاندماج الاجتماعي والمشاركة، وتتمثل أهدافه الفرعية في تحقيق المساواة في الحقوق والفرص، وتمكين المرأة والشباب والفئات الأكثر احتياجًا وضمان حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولقد تم وضع مؤشرات كمية للقياس فيما يتعلق بالمشاركة السياسية للمرأة و من ضمنها تمثيل النساء فى القضاء ، ومن المفترض أنه بحلول 2030 تكون السيدات لها نسبة 25 % ، لذلك أصبح هناك واجب على الدولة أن تعمل على وجود آليات للوصول إلى هذه النسبة، ولكنه حتى الآن فيما يبدو أنه سيتم تحقيق هذه النسبة من خلال بعض التعيينات و إحالات للنساء للعمل فى النيابة الادارية وغيرها، وبذلك فانه يتم تحقيقها بأدوات غير مباشرة و هى خطوة جيدة لكن لا تعكس تغيير حقيقى فيجب ان تشارك المرأة فى المنصة القضائية بشكل طبيعى و لكن غير ذلك ستظل المرأة غير ممثلة بشكل حقيقى.
الأمر الآخر والذي يجب أن ننوه عنه هو موقف المجتمع المصرى من قيادة المرأة ووصولها لمنصة القضاء، فهناك نظرة محافظة ليست فقط من قبل القضاة بل ايضا من المجتمع نفسه و بسببها يتم رفض ولاية المرأة أو أنها تصدر أحكاما على رجل ، لانه للاسف حتى الأن هناك مشكلة فى مكانة المرأة فى المجتمع…؟!! ولكن بالرغم من كل المعوقات علينا أن نعمل دون كلل أو ملل أو الشعور بالإحباط و أن نجتهد فى تحرير مكانة المرأة على المستوى المجتمعي والثقافي.”
تكاتف الرجال والنساء ضرورة
أمنية جاد الله قالت :” قضية حرمان المرأة المصرية من تولي القضاء تستحق تكاتف الجميع رجالا ونساء لدعمها وتسليط الضوء عليها حتى تلقي الدعم المجتمعي الكافي للوصول لنهاية المطاف وتقلد الأكفاء المناصب بغض النظر عن الجنس وإنهاء صورة من صور التمييز في المجتمع المصري. القضية قضية الرجل والمرأة على السواء ،قضية المجتمع بأكمله. وهناك ست وستون (٦٦) قاضية فقط تم تعيينهن بغير الطريق الطبيعي لسلوك القضاء مقارنة بأقرانهم من القضاة البالغ عددهم ستة عشر ألف (١٦٠٠٠) قاض، بما يجعل نسبة القاضيات المصريات هي الأدنى على الإطلاق حيث تبلغ 0.5% مقابل 99.5% (66 قاضية من ضمن 16000 قاض) وتم تقلده المنصب بغير الطريق الطبيعي لاعتلاء المنصة كأقرانهم من القضاة ؟! حيث تم اختيارهن من المستشارات المعينات بالفعل في النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة .. مع استمرار حرمان الخريجات من مجرد التقديم لمجلس الدولة والنيابة العامة منذ إنشائها عام ١٩٤٦ وعام ١٨٨١ على التوالي …مما يعد استمرارا لمسلسل التمييز ضد كافة نساء مصر عموما وخريجات القانون خصوصا.
أمنية جاد الله قالت: فيما يتعلق بالحكم الصادر فى 31 أكتوبر الماضى فى القضية رقم 12972 لسنة 73 ق والتى نظرت أمام مجلس الدولة بالمحكمة الإدارية الدائرة الثانية فى القضية المتعلقة بحق خريجات 2017 للمطالبة بحقوقهن في تولي مناصب قضائية ، قالت :” لا يوجد اتساق و تناغم بين ما يتم تقنينه في أحكام قضائية وبين ما تتبناه الدولة في استراتيجيات تمكين المرأة وزيادة نسبة تمثيل المرأة فى المشاركة السياسية والمنصة القضائية ..إلخ ،وكأن كل منهما يبحر لوجهة مختلفة دون تناغم .
وأوضحت أمنية جاد الله قائلة: الحكم أشار للحكم الصادر في السبعينات المتبني رأي فقهي لا يجيز للمرأة تولي القضاء رغم أنه دار الإفتاء المصرية أصدرت أكثر من فتوى على مدار سنوات بجواز تولي المرأة القضاء.
المشاركة السياسية للمرأة
و فى هذا الشأن صدرت ورقة بحثية بعنوان “النساء في مواقع اتخاذ القرار في مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني” قدمتها منى عزت الباحثة ومديرة برنامج النساء والعمل بمؤسسة المرأة الجديدة، من ضمن أبحاث كتاب “المشاركة السياسية للمرأة”، الصادر عن مؤسسة فريدريش إيبرت مارس 2018 – ومؤسسة فريدريش إيبرت تعمل على تعزيز الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والدعوة إلى حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين بدأت عملها في مصر منذ عام 1976 بتعاون ألماني مع شركاء محليين في إطار اتفاقيات مبرمة مع الحكومة المصرية ومصدق عليها من البرلمان المصري.
وفيما يتعلق بمشاركة المرأة المصرية في السلطة القضائية ذكرت عزت قائلة : “يلاحظ اتساع الفجوة داخل الهيئات القضائية لصالح الرجال، واختلاف نسبة تمثيل النساء داخل كل هيئة عن الأخرى حسب موقف كل منها. ففي الوقت الذي لا تقبل النيابة العامة نساء، وأعلنت الجمعية العمومية لمجلس الدولة عن عدم قبول تعيين نساء، واستمر هذا الموقف بعد صدور المادة (11) من دستور 2014 التي تنص صراحة على تولي النساء الوظائف في الهيئات القضائية، نجد على صعيد آخر وصول نسب النساء في هيئة النيابة الإدارية إلى 42% والتي تتولى رئاستها امرأة، فضلا عن أن الـ 80 قاضية يعملن في جميع الهيئات القضائية بما في ذلك محكمة النقض، وأن أول امرأة شغلت منصب قضائي كانت في المحكمة الدستورية العليا. وبالتالي، فما يقال عن عدم جاهزية النساء واستعدادهم النفسي لشغل المناصب القضائية هو تبرير لعدم الالتزام بما نص عليه الدستور.”.
وأضافت عزت فى الورقة البحثية : لم تلتزم الدولة حتى الآن بتطبيق المادة (53) التي تجرم التمييز والتحريض على الكراهية، والتي نصت على تشكيل هيئة مفوضية مناهضة للتمييز، ويحد عدم تشكيل هذه الهيئة حتى الآن من فاعلية تطبيق هذه المادة نظرا لغياب الجهة التي يتم التوجه إليها في حالة التعرض للتمييز”.
فاطمة الرزاز فى سطور
الدكتورة فاطمة الرزاز سبق وأن شغلت العديد من المناصب حيث شغلت منصب عميدةً الكلية وأستاذ ورئيس قسم التشريعات الاجتماعية بكلية الحقوق، جامعة حلوان، ومستشارة قانونية لعلاقات العمل باتحاد الصناعات، وخبيرة التشريعات الاجتماعية لمنظمة العمل الدولية، والمستشارة القانونية لمنظمة المرأة العربية، والمستشارة القانونية لشركة ضمان مخاطر الائتمان وغيرها من العديد من المناصب المحلية والإقليمية والدولية.
وه تعد أول امرأة مصرية تتقلد عمادة كلية الحقوق على مستوى جامعات جمهورية مصر العربية من بين كليات الحقوق ال ٢٤ المختلفة.
كما تقلدت دكتورة فاطمة الرزاز العمادة بعد مائة عام لدراسة المرأة المصرية القانون أول مرة عام ١٩٢٤ حين درست منيرة ثابت القانون بمدرسة الحقوق الفرنسية بالقاهرة وتلتها في ذلك نعيمة الأيوبي حين درست القانون بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليا) عام ١٩٢٩