ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, اسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. صلوا بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
أنذروا الذين بلا ترتيب
أنذروا الذين بلا ترتيب (1تس5:14)
وبلا ترتيب تعني بلا نظام أو تنظيم. ويسبق التنظيم مرحلة التخطيط, وهي مرحلة الدراسة والتفكير المسبق لسير العمل, فمثلما قال السيد المسيح: ومن منكم وهو يريد أن يبني برجا لا يجلس أولا ويحسب النفقة, هل عنده ما يلزم لكماله؟ لئلا يضع الأساس ولا يقدر أن يكمل, فيبتدئ جميع الناظرين يهزأون به قائلين: هذا الإنسان ابتدأ يبني ولم يقدر أن يكمل (لو14:28-30).
ويتبع التنظيم التوجيه والمتابعة والتقييم وتحليل النتائج..
مجالات النظام:
هناك ثلاثة مجالات للنظام في حياتنا اليومية وهم:
1- مجال الأسرة:
كل أب وأم لديهما سلطة المسئولية الوالدية, بمعني أنهما مسئولان عن تربية وتنشئة أبنائهما, وهذه التربية والتنشئة تحتاج أن تكون منظمة, بمعني أنه يجب عليهما ملاحظة أبنائهما بعناية شديدة في كل شيء وفي كل تصرف, وذلك بحسب ما يتناسب مع أعمارهم المختلفة إن كانوا في مرحلة الطفولة أو المراهقة أو الشباب, فكل سن له ما يناسبه.
فمثلا القديسة البارة مونيكا أم القديس أغسطينوس عندما كبر ابنها أغسطينوس وتفوق في الخطابة والمحاماة, وذاع صيته, صار بعيدا عن المسيح!! وهنا بدأت القديسة مونيكا في إنذار ابنها, لأن هذه هي وصية الإنجيل, ولكن بالرغم من أن ابنها كان لا يسمع لها, إلا أنها استمرت في إنذاره مرة بالصلاة, ومرة بالنصيحة, ومرة بالحوار, ومرة بالكلمة, المهم أنها لم تتوقف عن الإنذار يوما واحدا حتي تاب أخيرا, وذلك بعد مرور ما يقرب من عشرين عاما, وصار القديس أغسطينوس هو التائب العظيم, وليس ذلك فقط, بل أنه صار شفيع التائبين, وابن الدموع, كما تلقبه الكنيسة نسبة إلي دموع أمه مونيكا التي كانت تنذره بلا توقف.
فلا تغفل عن تصرفات ابنك أو ابنتك, أو تقول إنه مازال صغيرا, فلابد من الانتباه لتصرفات الأبناء, وأن يكون ذلك بحساب وحكمة, فيمكن أن يبدأ خطأ معين, أو انحراف صغير ثم يكبر مع الوقت, فحاول أن تكون أبا حكيما, أو تكوني أما حكيمة أثناء تربية أبنائك, وتذكروا هذه الآية انذروا الذين بلا ترتيب, فلا بد للابن أن ينشأ علي ترتيب وعلي نظام وعلي منهج حياة.
2- مجال الكنيسة:
للكنيسة مجالات كثيرة للنظام, فمثلا في مجال العقيدة عندما يكسر إنسان العقيدة أو الإيمان, وتراه الكنيسة أنه خرج وانحرف وضل, فتحكم عليه أنه صار في الهرطقة, أو ابتدع في الإيمان, أو صار هرطوقيا.
ما حدث في القرن الثالث الميلادي, حيث ظهر آريوس ببدعة جديدة, ولهذا السبب عقدت الكنيسة مجمع نيقية عام 325م, وهو المجمع المسكوني الأول, وقد حضره 318 أبا علي مستوي المسكونة كلها, وفيه تناقش الآباء مع آريوس وحاولوا أن يثنوه عن هرطقته إلا أنه لم يقبل, ونتيجة لذلك قطعته الكنيسة من شركتها.
فأنذروا الذين بلا ترتيب, يمكن أن تطبق في الأمور العقائدية, وأيضا تطبق في أمور العبادة والطقس, بمعني أن كل أب كاهن وكل خادم في مجال خدمته مسئول عن توبة النفوس, فلا يجب أن تري الخطأ وتصمت عنه, بل يجب أن يجد هذا الخطأ منك كل نصيحة وتوجيه وإنذار, وأن يجد أيضا منك بابا مفتوحا للتوبة, فمن يكسر قانونا أو وصية أو نظاما بالكنيسة يحتاج إلي التوبة.
أيضا في الرهبنة يطبق النظام باعتبار الرهبنة كيان مسيحيا وكنسيا وكيانا روحيا بالدرجة الأولي, فالرهبنة لها نظام, وحياة الراهب أو الراهبة له نظام ومعايير معينة, وله درجات في التقدم الروحي والحياة الروحية, وله أيضا نمو وخضوع وطاعة.
3- المجتمع:
أنذروا الذين بلا ترتيب, هي وصية موجهة لأي شخص يكسر القانون, فالمجتمع دائما يحتاج إلي قوانين تضبط حياته وحركته.
قرأت في إحدي المرات عن ابن ملكة في إحدي الدول تعدي السرعة المقررة في قيادته لسيارته, وكان ذلك في يوم خطبته, فما كان من ضابط المرور إلا أنه أوقفه ووضعه في السجن, وذلك بعد أن اكتشف أنه كان متناولا لمادة كحولية قبل القيادة, ولم يعمل له أي استثناء باعتبار أنه ابن الملكة, وكان هذا من أجل سلامة المجتمع.
الإنسان المسيحي يجب عليه أن يحفظ القانون.
والخلاصة يا إخوتي أن النظام, هو جمال وسلامة الحياة, بمعني سلامة حياة الإنسان يوما بعد يوم, والنظام به التزام أيضا, فنحن نتعلم من الكون مواعيد الفصول المختلفة من شتاء وصيف وربيع وخريف, ونتعلم أيضا من شروق الشمس وظهور القمر.. نحن نتعلم من النظام الكوني ككل, ونتعلم أيضا من جسم الإنسان, وكيف تعمل جميع أجهزته بنظام بديع ودقيق, ومن هذا النظام ظهرت العلوم الكثيرة, فأنذروا الذين بلا ترتيب, هي مسئولية كل إنسان كل في موقع مسئوليته وعمله.
كيف تصبح أكثر تنظيما في حياتك؟
إن النجاح في الحياة بصفة عامة, وفي العمل بصفة خاصة يعتمد في المقام الأول علي كونك منظما..
ومن المعروف أن النقص في التنظيم يجعل منك إنسانا فوضويا, ويقلل من قدرتك علي الإنتاج, ويهدر جهودك في القيام بأعمال غير مهمة في الوقت الذي يكون هناك أعمال مهمة تحتاج لتلك الجهود, والعمل الذي يتم بطريقة فوضوية يكون غير متقن.
ولكي تصبح أكثر تنظيما في حياتك, عليك بالآتي:
1- لا تنس أهمية التخطيط, تخطيط أيامك هو الخطوة الأولي لكي تصبح أكثر تنظيما, ليس في مجال العمل فقط, بل في كل مجالات الحياة دون استثناء.
2- ابحث عن الأساليب التي تناسبك وحدك, فأنت لا تستطيع أن تتبع نفس الطريقة التي يتبعها غيرك.
3- ابدأ بتنفيذ الخطة اليومية يوما بيوم.
4- رتب أولوياتك دائما, ولا تجعل عملا معينا يستغرقك علي حساب بقية الأعمال.
5- نظم يومك من بدايته إلي نهايته (وقت للصلاة.. وقت لقراءة الكتاب المقدس.. وقت للعمل المهني.. وقت للخدمة.. وقت لتقضيه مع الأهل والأبناء.. وقت للاتصالات.. وقت لشراء الحاجات الضرورية).. إلخ.
6- استخدام (الأجندة- المفكرة) من أهم أدواتك التنظيمية, فهي المفتاح الرئيسي في إدارة الوقت, وذلك لتدوين المهمات والواجبات, فلا تعتمد علي الذاكرة فقط, لأنها كثيرا ما تخون صاحبها.
7- تخلص أولا بأول من الأوراق عديمة القيمة, فتكديس الأوراق يفسد النظام ويرهق الأعصاب, فلا تجعل الأوراق تتحكم فيك بدلا أن تتحكم فيها.
8- التزم بموعد النهاية, كما تلتزم بموعد البدء في كل عمل.