نظم مهرجان القاهرة السينمائي برئاسة المنتج محمد حفظي جلسة حوارية، مع الكاتب والمخرج البريطاني كريستوفر هامبتون، الذي تم تكريمه في حفل افتتاح الدورة 42 للمهرجان بجائزة الهرم الذهبي التقديرية لإنجاز العمر.
أوضح هامبتون في حواره إنه في كتاباته يهتم بالواقع والأحداث التي تعيشها الشخصيات الحقيقة، وهذا لا يعني أن الأحداث التي يصنعها المؤلف من أفكاره ليست مهمة، ولكن لا شيء يضاهي مشاعر حقيقية في الواقع، وقال هامبتون: إن هذا ما أهتم به.
وعن ظروف عمل فيلم الأب (فيلم الافتتاح بمهرجان القاهرة)، قال هامبتون: إن فيلم الأب من إبداع فلوريان، وأنا ترجمت العمل المسرحي، وعن خلفية الفيلم، قال: لقد كان ناجحاً في البداية كمسرحية في فرنسا، ثم انتقلت لأماكن أخرى، ومنها أمريكا، وأنا لم أرها بالفعل، ولكن فلوريان أحبها، ولهذا أراد أن يقوم بعمل هذا الفيلم الذي كان في مخيلته بشغف شديد.
وأضاف: هذا الفيلم على الأخص كرست له نفسي لمدة خمس سنوات ما يتطلبه من تحضير وقراءات في التحليل النفسي، إذ عليك أن تبحث وتكتشف عن المعلومات الموثقة جدا جداً عن مثل شخصيات الفيلم.
وفي سؤال لمحمد حفظي عن المخرجين العظام الذين عمل معهم هامبتون ولا ينساهم؟
أجاب: عملت على مشروع مع المخرج فريد زينمان Fred Zinnemann لمدة عام في أواخر السبعينات ، والذي ألغته شركة 20 century fox قبل خمسة أسابيع من بداية التصوير. لقد تعلمت الكثير عن السرد منه، وتقريباً والأهم بالأكثر.. تعلمت ما يحدث في الخيال الروائي.
وأضاف هامبتون: على الجانب الآخر كان التعامل مع “ديفيد لين” في منتصف التسعينات، وقد تعلمت أشياء عظيمة منه، فهو يجعلك تفكر بتفاصيل الفيلم بشكل فطري، وأنا ككاتب أفلام لم أفكر في أي فيلم من قبل بهذه التفاصيل الرائعة، لقد قضينا مثلاً يوما كاملاً في كيفية إضاءة مشهد بشكل حِرفي.
حيث قال إننا يمكننا الحصول على ضوء خارج من الفضة، وكانت فكرة عبقرية، وهذه تعتبر بعض الدروس من الحياة العملية.
وقد وجه حفظي سؤالاً آخر، قائلاً: تعاملت مع نجوم كثيرين، ومنهم جوليا روبرتس، إيما واتسون، ميشيل فايفر، فأي منهم الأكثر حيادية في التعامل مع النصوص التي تكتبها؟
أجاب هامبتون: أعتقد أنه من الصعب على الاختيار، أنا أحب الممثلين، وأستمتع بالتعامل المباشر معهم، والكثير منهم عنده خلفية مسرحية بالفعل، فإيما واطسون مثلا عملت معها في فيلم، حيث تحب شخصاً لا يمكنه مبادلتها الحب، وكانت رائعة وكذلك روبن ويليامز في العميل السري، بما امتلكه من سمات شخصية وثقافة وحضور، وقد استمتعت بالطبع بالعمل مع كل الفنانين.
وفي انطباعاته عن بعض الفنانين قال: عملت فيلم مع مايكل كين، وهو محترف ورائع، وأذكر أنه في أول يوم تصوير أحد الأفلام كان عنده صداع رهيب، فطلب اسبرين، وتناولهم وكمل عادي جداً ولم يلغ التصوير. على العكس فنان مثل آنتوني هوبكنز، لا يحتاج مخرج، هو يعرف بالضبط ما يحتاجه ويفعله.
** ما تأثير فوزك بالأوسكار عام 1988 عليك؟
أجاب هامبتون ضاحكا: أصبحت أتقاضى أموال أكثر، ولكني ظللت أجهز لأعمال بعدها لمدة خمس سنوات، ولم يتحقق أي منها، لقد كانت الفترة الأصعب في حياتي، ووقتها عملت في هوليود على فيلمي مع ميشيل فايفر”.
** ماذا عن أهم الأعمال الدرامية التي تشكل علامات فنية مميزة؟
__ قال هامبتون: أود الإشارة إلى مسرحيتين، أحداهما عن المجر، وهي انتفاضة بودابست عام 1956، والأخرى عن أزمة السويس، بالنسبة لانتفاضة بودابست، كانت تسير على ما يرام، لكن بالنسبة لأزمة السويس، طلب ريتشارد آير ، الذي كان مدير المسرح القومي آنذاك ، مني أن أكتب مسرحية عنها في عام 1991 ، بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين لأزمة قناة لسويس، لكنها كانت قصة واضحة، لأننا كنا نتصرف بشكل سيء للغاية، ارتكبنا أخطاء غبية فظيعة، ولم تكن هناك أشياء مثيرة للاهتمام يمكن أن نقولها عنها للجمهور. على العكس مثلاً، عندما نشاهد فيلم مثل الأب نجده يعطي الجمهور بعض المعلومات الجديدة.
وأضاف هامبتون: عندما بدأت أبحث في هذه الفكرة، تدفقت فجأة كل الذكريات في مخيلتي عن الإسكندرية، ولهذا قلت لريتشارد إني لا أريد الكتابة حقاً عن أزمة السويس، لمسرح الأوليفيه العظيم، ولكني أريد كتابة مسرحية صغيرة عن طفولتي في الإسكندرية لتُعرض بالأحرى على مسرح صغير.
و تم إقناع آير ، وكانت النتيجة هي السيرة الذاتية الوحيدة لي ، قصة “وايت كاميليون” White Chameleon أو (الحرباء البيضاء) ، و التي كانت حقًا مسرحية مرتبطة بالذكريات المتعلقة بطفولتي وسنوات عائلتي في الإسكندرية. وهذا ما قمنا بالفعل بتحقيقه في عام 1991و بعدها عدت إلى الإسكندرية لأول مرة منذ أن كنت في العاشرة من عمري.
وأضاف هامبتون: في الآونة الأخيرة، أفكر مرة أخرى في مدى رغبتي الشديدة في إنتاج فيلم عن تلك المسرحية. لذلك أنا أفكر أني ربما أعود إلى هنا، وأقوم بعمل فيلم عنها، فهذا أمر سيجعلني سعيداً حقاً.
وعقَّب حفظي متمنياً أن يتم تصوير بعض أعماله فعلا في مصر.
· وكان هناك سؤال عن: كيف تقوم بتدعيم الممثل؟
_ أجاب هامبتون: هناك دائما رؤى مختلفة خلال الفيلم، فهناك مثلاً ممثلون لا يحبون عمل بروفات، مثل “إيما واتسون” التي كنت أقول لها عليك أن تقومي بهذا من أجلى وأقنعتها أن تقوم بذلك لمدة 10 أيام.. فليس هناك أسلوب موحد يصلح للتعامل مع الممثلين، فلكل منهم طريقته وردود أفعاله، والتعامل معهم هدفه فقط هو الحصول على أفضل أداء منهم.
فمثلاُ الممثل أنطونيو بانداريس.. بمجرد تشغيل الكاميرا، يعرف بالضبط أين يقف والمكان المضبوط لوضع رأسه ووجهه.. فالقصد هو أنه عليك فقط أن تكون حساسا وأن تتعامل مع كل ممثل بالطريقة التي تتلاءم مع شخصيته.
وفي سؤال لهالة خليل، عضوة اللجنة الاستشارية العليا للمهرجان، كيف يمكن للكاتب أن يكون خلاقاً، هل هناك عدد معين من الساعات؟ أو جو معين يجب أن يتوفر للكتابة؟ هل هناك مصادر معينة للأفكار؟ ماهي محفزاتك على الكتابة؟
_ أجاب المخرج هامبتون: مصادر الإلهام للكتابة متنوعة جداً فممكن أن تكون من أحداث من الأخبار أو أمور مجتمعية أو سياسية أو تاريخية، وأنا عادة أتابع كل هذا.. وأجيب على إيميلاتي (الرسائل الالكترونية).. ودائماً أفكر في اللحظة التي يجب أن أكتب فيها.. ولا يمكنني تأخيرها.
وعادة أنا أقضي ما بين ثلاث إلى أربع ساعات يومياً في الكتابة، بدءً من السابعة مساء، وهي أقصى مدة يمكنني أن أكتب فيها بجوار متابعة عملي، وأنا أكتب بأي مكان.. في فندق.. في قطار.. المهم أن أستعد جيداً (بعناصر المادة التي أكتبها)، ثم أسافر لأقيم بأي فندق بأي بلد.. سواء في باريس.. جنيف، أمستردام، واكتب الفيلم كاملاً حينها في خلال أسبوع أو عشرة أيام.
وأحرص خلالها على الذهاب للسينما مساءً.. لإيماني أن الطاقة تستمدها من الشاشة نفسها، وربما أكون مخطئاً، وأدائي عادة يكون بطيئاً ثم سريعاً، فهذا هو ما اعتدت عليه خلال عملية الكتابة.
@كريستوفر هامبتون، هو كاتب مسرحي وسيناريست، تنقلت عائلته في صغره بين عدة بلدان منها مصر في مدينة الإسكندرية، قبل أن تستقر في إنجلترا. بدأ اهتمام “هامبتون” بالمسرح أثناء دراسته في جامعة أوكسفورد قبل أن ينقل خبرته الأدبية للسينما بداية من سبعينيات القرن الماضي، واقتبس أشهر أعماله للسينما من نصوص أدبية ومسرحية بشكل خاص نظرًا لخلفيته في الكتابة المسرحية.
يُعتبر “علاقات خطرة” الذي صدر عام 1988 أهم أعماله، وفاز عنه بجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو مقتبس، وقد حوله إلى مسرحية وسيناريو سينمائي من أصل روائي بنفس الاسم.
كما ترشح “هامبتون” لجوائز أوسكار أخرى في نفس الفئة عن فيلم “تكفير” عام 2007، المقتبس عن رواية بنفس الاسم للكاتب البريطاني إيوان مكيوان، بالإضافة إلى ترشيح لكل من الجولدن جلوب والبافتا عن نفس الفيلم.
ترشحت أعمال “هامبتون” ثلاث مرات لجائزة البافتا البريطانية الشهيرة وفاز بها مرة واحدة عن فيلم “علاقات خطرة”، كما حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان كان السينمائي عام 1995 عن فيلم “كارينجتون”.
بجانب كتابته للسناريوهات والمسرحيات وضع “هامبتون” اسمه كمخرج على ثلاثة أعمال سينمائية أولها “كارينجتون” عام 1995 الذي حوله إلى سيناريو من رواية لمايكل هولوريود، وبعده بعام واحد قدم “العميل السري” عن رواية لجوزيف كونراد، و”تخيل الأرجنتين” عام 2003 المقتبس من رواية للورنس ثورنتون.
ويُعد فيلم “الأب” الذي عُرض في افتتاح الدورة 42 لمهرجان القاهرة السينمائي، أحدث أعمال ” هامبتون “، المأخوذ عن مسرحية لمخرج الفيلم فلوريان زيلر، والذي شارك أيضا في كتابة السيناريو.
يذكر أن الكاتب البريطاني كريستوفر هامبتون، تم تكريمه في حفل افتتاح الدورة 42 بجائزة الهرم الذهبي التقديرية لإنجاز العمر.