الغربية ورئيس دير الأنبا مكاريوس السكندري العامر
أبى العزيز،
هذه الرسالة بمناسبة عيد ميلادكم الخامس والثمانين الذي يحل في ١٧ ديسمبر من هذا
العام وسبقه العيد التاسع والأربعون لحبريتكم كأسقف في 12 ديسمبر (1971م) ثم مطران للبحيرة وتوابعها الخمس مدن الغربية في 2 سبتمبر (1990) وقبلهما عيد رهبنتكم الثامن والخمسين في ١١ نوفمبر (1962)، متعك رب المجد بكل الصحة وأبقاك عمودًا للكنيسة القبطية والرهبنة. أكتب هذه الرسالة ليس فقط لتهنئتكم بكل هذه الأعياد ولكن شكرًا وعرفانًا
لإلهنا القدوس أولاً الذي منحنا أبًا وراعيًا مثل نيافتك،إلهنا القدوس الذي حافظ عليك وأخرجك منمحنة المرض الأخير واستجاب لدموع وصلوات أبنائك على الأرض وطلبات الشهداء
والقديسين فيالسماء وعلى رأسهم أم النور، السيدة العذراء مريم.
إن نيافتك أب وراعى بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، تسهر دائمًا على القطيع وتحميه من
الذئب، حارسًا عليه وسائرًا فى نهج كاروز ديارناالقديس مارمرقس الرسولى الذى علمتنا دائما “مانزعلهوش أبدًا.”
إنك واحد ممن وصفهم معلمنا بولس الرسول ” لم يكن العالم مستحقًا لهم ” (عبرانيين11: 38) لقد أتيت إلى أبرشية البحيرة وأراك حقًا مثل أبو الآباء إبراهيم الذي “لما دعى أطاع أن يخرج إلى المكان الذى كان عتيدًا أن يأخذه ميراثا….” وبنيت هذه الإبرشية، التي تعد أكبرإيبارشيات مصر حاليًا، من العدمولم يكن لك مسكنًا وقبلت أبسط حياة مثل آباء الرهبنة
الأوائل وتحملت الكثير باتضاع ونكران ذات لامثيل لهما ولكنك في كل هذا كنت تجسد
فضائل الرهبنة الحقيقية. كذلك عضدتك النعمة والحكمة الإلهية وجعلتك ترى المستقبل الذى لم يره أحد، بل وتحملت الكثير من النقد والهجوم عندما بادرت بشراء أراضٍ كانت فى السبعينات من القرن الماضى تبدو كأنها بلا فائدة. أتذكر عندما ذهبت مع والدي إلى أرض المزرعة وكانت في ذلك الوقت في مكان نائي في دمنهور وكنت قد بدأت التعمير وصعدنا معًا السقالات، كنت طفلة لكن أتذكر جيدًا كيف كنت تشير إلى أركان الأرض البعيدة وتقول أنك تحلم أن يكون في تلك البقعة كنيسة وفي موضع آخر مكان للضيافة وآخر للخدمة، وقد تحقق كل هذا كما قلته بالضبط لأن أتقياء الرب لا تسقط كلمة من شفاهم.
أتذكر أن نيافتك في نهاية الحديث قلت لوالدي، كل هذه المباني على الأرض لكن الأهم هو المبنى في السماء وأعترف أني حزنت منك إذ لم أفهم آنذاك معنى الجملة، وتخيلت أنك تريد أن تتركنا وفهمت فيما بعد أن عيناك – مع كل التعمير الأرضي – شاخصة دائما إلى المسكن السماوي، وكان هذا من أعظم الدروس التي تلقيتها منذ الصغر.
احتملت الكثير وأنت تعمر المكان، احتملت بحب واتضاع، هاتان الفضيلتان مع غيرهما أخذتا فى النمو ومكنتا نيافتك من أن تحافظ على الكنيسة القبطيةالأرثوذكسية التى أسسها حبيبك مارمرقس الرسول وتعبر بها إلى شاطئ الأمان فى أحلك الأوقاتبعد نياحة البابا
شنوده الثالث فى مارس ٢٠١٢.
لقد تحملت الكثير جدًا بمنتهى الحب والاتضاع ولم تخسر أحدًا وكانت إجابتك على هذا التسامح العجيب ” وحدانية القلب التي للمحبة فلتتأصل فينا” أعترف أننى لم أفهم يومًا هذه الطلبة التى تُقال فى القداس الغريغورى إلا من خلال ممارسة نيافتك الفعلية لها، وأخيرًا بكل الاتضاع والمحبة تركت كل شىء فى يدابنك وأبيك قداسة البابا تواضروس الثانى، محققًا
كلمة يوحنا المعمدان ” ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص”.
إن نيافتك أب وراعي للجميع، الصغير والكبير، الغنى والفقير، أبنائك الكهنة والعلمانيين،
تحتضنهم بمحبة لا مثيل لها وتشعر كل منهمباهتمامك الخاص به أو بها، وتجمع مع هذا
حزم وغيرة على بنياننا وعلى الخدمة، تحقق هذا المزيج العجيب فى معادلة مسنودة بحكمة
واستنارة روحية عميقة. أدين لك – مثل الآلاف من أبنائك- بأشياء كثيرة في حياتي وأشكر
الله ووالدي الجسدينالذين أتاحوا لي الفرصة لتكون أبي الروحي. كنت دائمًا ولاتزال السند والمرشد في كل مراحل الدراسة والزواج والأبناء والعمل والحياة تشجع وتعضد وتدلل، لكن
مرة أخرى بحكمة عجيبة تجعلني وكل أبنائك حريصين على مزيد من الالتزام الروحي
والعملى لنفرح قلبك وبالطبع قلب أبينا السماوى. أعترف أننى كثيرًا ما أنظر الى عينيك
ولا أحتمل ذلك من كثرة الحب الذىيفيض منهما، حب اكتسبته من عشرة حقيقية مع
إلهنا الذى هو فى البداية والنهاية محبة، فيض الحب الذي يتدفق يجعلنى أشعر وأقول
مع كاتب نشيد الإنشاد: ” حولى عنى عينيك فأنهما قد غلبتاني.”
إن نيافتك أب وراعي أحب الخدمة من كل قلبه وغرس هذه المحبة فى قلب كل من
حوله.. اهتمامك بخدمة المجتمع جعلك تهتم بإنشاء مستشفى ومدرسة بالبحيرة، ايمانًا بأهمية هذين العمودين، الصحة والتعليم، للبنيان الجسدى والعقلى والفكرى ولارتباطهما الحقيقى بالخدمة والبذلكما تعنيهما الكلمة. رأيتكم تبنى مدرسة الكرمة بحب وسخاء إيمانًا منكم
بأهمية التعليم وغرس القيم فى قلوب التلاميذ صناع المستقبل، شاركتك الحلم الذي أصبح
حقيقة جميلة وشهدت الاحتفال بأول عام على الكرمة التي بدأت أغصانها الوارفة تطرح
الثمار وتفرح القلوب.
أبي الغالي، مهما كتبت فلن أجد في اللغة البشرية ما يعبر عن مكانتك الروحية السامية وعن مشاعري ومشاعر الملايين من الناس نحوك، أولئك الذين لمست قلوبهم وتركت أثرًا عظيمًا فى حياتهم، حقًا القلم واللسان يعجزان، ولكن أطلب مثل الملايين من أبنائكداخل وخارج مصر أن يجد الرب شبابك كالنسر ويحافظ عليك إلى المجىء الثانى
عمودًا للكنيسة والرهبنة القبطية تعمر وتبنى وتكرس نفوسًا ومبانى، وأقول مع إشعياء النبي
” أما منتظروا الرب فيجددون قوة . يرفعون أجنحة كالنسور. يركضون ولا يتعبون يمشون ولا يعيون.” (إشعياء 40: 31). آمين.
من أحد أبنائك