يحثنا السيد المسيح بقوله:وصيتي هي:أحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم.
. ليس لأحد حب أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبائه(يوحنا 15:12-13).
يحكي أن طفلة صغيرة كانت تعبر جسرا مع والدها, وعندما خاف الأب علي ابنته من السقوط قال لها:أمسكي بيدي جيدا حتي لاتقعي في النهر فقالت له الطفلة:لا يا أبي العزيز, لن أفعل ذلك, ولكن أمسك أنت بيدي, وكان هذا الرد عجيبا جعله يسأل وهو في غاية الدهشة والتعجب:هل يوجد فرق بين أن تمسكي أنت بيدي أو أمسك أنا بيدك؟ أجابت الطفلة بكل ثقة:نعم هناك فرق كبير, فإذا أمسكت أنا بيدك, من المحتمل أن أفقد توازني وتنفلت يدي فأسقط في النهر, لكن إذا أمسكت أنت بها, فلن تدعها تفلت من يدك أبدا! نتعلم الكثير من هذه الأمثولة الرائعة, فكل شخص يحب حبا صادقا ويثق في من يحب يترك له حياته في طمأنينة, وهذا ما نفعله مع الله عندما نضع جميع أمور حياتنا بين يديه واثقين فيه.
مما لاشك فيه أن المحبة فضيلة عظيمة بل أعظم الفضائل كما أنها خير لايوازيه أي شئ, لأنها تخفف دون سواها كل ما كان عبئا ثقيلا بالنسبة لنا وتسهل كل ما كان شاقا وصعبا, وتبدل مرارة الحياة إلي عذوبة وحلاوة, إذا المحبة هي تاج جميع الفضائل وأقوي من الخوف,لأن من يخاف أو يشك في الآخر,لم يحب بعد, ولم يعرف معني وقيمة المحبة, وكل ما يطلب منا هو أن نحب بصدق وبدون رياء,لأن المحبة الحقيقية تطرح الخوف جانبا.
فالله نبع المحبة يحبنا جميعا بالرغم من ضعفاتنا وأخطائنا وعدم استحقاقنا, لكن الإنسان يضع حدودا وشروطا لمحبته, ويفصل بين من يستحق المحبة ومن لا يستحقها كما أنه من الممكن أن يتراجع عن محبة أشخاص كان يحبهم في الماضي أكثر من غيرهم.
للأسف يغلب علي محبتنا التذبذب والتراجع والشروط التي تكون لصالحنا فقط دون مراعاة المحبوب, لكن المحبة الحقيقية سحر يسيطر علي عقل الإنسان وكيانه من أجل شخص آخر, إنها لحن عذب ننصت إليه حتي ننسي كل همومنا وتهدأ نفوسنا ونحيا في سلام وطمأنينة.
إن المحبة لاتموت أبدا, من المؤكد أننا خذلنا في حبنا وصداقتنا, ولكن كل ما قمنا به بإخلاص في محبتنا يظل دائما أبدا, تكفينا أمانة الحب التي تعبر عن معدنا وجوهرنا وشخصيتنا.
يقول الشاعر الإيطالي دانتي في الكوميديا الإلهية:المحبة التي تحرك الشمس والنجومفبدون الحب يصير كل ما نفعله ونقوم به,مملا ومزعجا, كماأن الأعمال البسيطة التي لاتكلفنا جهدا أو وقتا أو مالا, نراها شاقة ومتعبة فالأسرة والأصدقاء والدراسة والعمل, بدون حب يصبحون عبئا ثقيلا لايحتمل, وواجبا مفروضا علينا يطاردنا نهارا وليلا.
ولكن بالحب يتحول كل شيء إلي سعادة وسرور.
كما أننا لا نشعر بالوقت أو التعب في كل ما نقوم به.
فالمحبة الحقيقية لاتضع مقاييس المكسب والخسارة مع من تحب, ومن يفكر خلاف ذلك,لن يستطيع أن يحب حقا لأن المحبة هي الجوهرة الوحيدة التي تزداد قيمتها بالقسمة والتوزيع.
خلاف ذلك تحتاج المحبة الحقيقية إلي الوقت لتصل لمرحلة النضج يوما بعد يوم, فالوقت يعطي الفرصة لآفاق أوسع وثراء أعظم في العلاقة بين المحبين.
كم من الصداقات والزيجات كان مصيرها الفشل والصراع والانتهاء لأنها بنيت علي أساس هش؟!لكن المحبة الحقيقية التي تعطي أهمية للوقت,تنضج وتتغير للأفضل لأن هذا لايتم في أيام قليلة أو أسابيع أو شهور للأسف نحن نعيش في عالم السرعة حتي في الحب الذي لانعطيه وقتا كافيا للتعرف علي الآخر,ونقبله بما هو عليه كما أن البعض يثقون في لقاء عابر, أو حوار سطحي, أو لحظات خاطفة معتبرين أن هذا يصل بهم إلي مرحلة الكمال في الحب لكن المحبة الحقيقية لاتقف عند حد, ولاتشعربثقل, ولاتبالي بتعب بل تقوم بأشياء تفوق طاقتها, فالذي يحب حقا يباشر أعمالا يعجز عن القيام بها من كان خاليا من المحبة, إذا يجب أن نتخلي عن حب التملك ونتحلي بنعمة العطاء…كما أن المحبة الحقيقية الصادقة لاتفتش مطلقا عن عيوب الغير, بل تحاول سترها.
ونختم بكلمات الشاعر أحمد رامي:الحب كشجرة ورد كلما ذبلت زهرة انبثق برعم.