لم أكن أتخيل أبدا أن جملة “منك لله ياللي كنت السبب”.. التي يرددها علاء السباك موجه لي شخصيا، إلا عندما قرر علاء – وهو شاب أربعيني يسكن في الشارع المواجه لمنزلي في مساكن الشباب بالجيزة – انتظاري أمام مدخل العمارة، بعد عودتي من يوم عمل طويل ومرهق وممل غرقت كل ساعاته في متابعة اخبار وتكليف عدد من المراسلين الصحفيين في كل مدن مصر تقريبا.
بدأ علاء الحديث موجها سؤالا مباشرا لي: ليه عملت كده يا أستاذ؟ لم أفهم السؤال وتخيلت أنه يتحدث إلى شخص آخر تلفت حولي لم أجد أي من الجيران واقفا بالقرب من؛ فسألته :علاء انت بتكلمني انا ؟ فرد سريعا وهو يتقرب مني : أيوه بكلمك انت ..أنا يا أستاذ بقالي أكثر من 3 سنين بعاني من ساعة.. ما أقنعت كل رجالة العمارة انهم ما يترشحروش لمجلس الإدارة ويسيبوا الستات هم اللي يديروا العمارة بتاعتكم، ويدوب حصل كدا وكأنها أنفلوانزا انتقلت لكل عمارات المساكن – المكونة 26 عمارة – ، وأكمل حديثه قائلا وهو يخرج علبة كليوباترا بوكس من جيب الجلباب الذي يرتديه ويعطني واحدة منها ويضع الثانية في فمه: أنا زعلتك في حاجة يا أستاذ دا أنا بحبك وبشوفك لما بتطلع في التليفزيون وبقول لكل الناس الراجل دا ساكن هنا وصاحبي وبيقول كلام كويس قوى بيعرفنا فيه حقوقنا .. اسمعوا وافهموا اللي بيقول له ..تبقى دي جازاتي.
رفض علاء ابتسامتي وأكد أن سيدات العمارة يفاصلن معه في كل شىء ويسببن له الكثير من القلق بصفته مسئول صيانة أعمال السباكة والصرف الصحي لكل المساكن وأن فكرتي أصابت ميزانيته بالنقص الحاد، وأن الأمر الذي لايقبله أن زوجته بدأت تطالبه بمشاركتها في إدارة الشئون المالية للمنزل بعد أن شهادتني في أحد البرامج التليفزيونية أتحدث عن تمكين المرأة أكدت خلال البرنامج أنهن – أي السيدات – جديرات بأن تصبح واحدة منهن وزيرة مالية وخبيرة في الإقتصاد، وبمجرد أن انتهت الحلقة أكدت زوجته أنها ستنجح في قيادة المنزل للعبور من الأزمة الإقتصادية قائلة :أنا معايا “دبلون” تجارة أما انت معاك “دبلون” صنايع إيش فهمك انت في الحسابات”.
تركت علاء متجها إلى المصعد، وأنا أتذكر عماراتنا يوم أن أصابها الكثير من الهزل بسبب طفح المجاري وصعوبة التخلص من القمامة وتردي حال المصعد وصعودي إلى الدور العاشر على الأقدام وكأني أستعد للأولمبياد .. المشكلة لم تكن في عدم كفاءة مجلس الإدارة السابق ولكن كانت في عدم تفرغهم لإدارة شئون العمارة يومها لجأ لي عدد من الجيران لتولي رئاسة مجلس الإدارة؛ فإعتذرت لأن المشكلة لن تتغير فأنا مثل كل الأعضاء أعمل طول الوقت ولن أجد الوقت الكاف.
ضغطت على مفتاح نزول المصعد للدور الأرضي ولفت نظري الذوق الراق لواجهته وابتسمت؛ فللمرأة لمسات خاصة في كل شىء، فكرة تمكنيها من إدارة شئون العمارة كانت رائعة ..الفكرة بدأت بعد اعتذاري عن تولي المركز الرفيع في إتحاد الملاك وفي حينها أكدت للجيران أن العمارة مكونة من 40 شقة تقريبا نصف العائلات بها سيدات لاتعملن لماذا لانوكل ادارة شئون عمارتنا لهن …
في البداية رفض الكل تقريبا الفكرة وبعد برهة من التفكير منهم من وجد منطقية الفكرة، طوال فترة النهار الرجال في أعمالهم ومجلس الادارة النسائي يتولي الشئون وينتهي كل شىء وجزء خفيف الظل من الرجال قالوا: “على الأقل الستات يحلوا عن دماغنا شوية”.
وصل المصعد للدور الأرضي ونزل منه ثلاثة من أعضاء مجلس الإدارة السابق وبعد السلامات قال لي أحدهم :”ماتجي معانا على القهوة شوية نلعب عشرة طاولة”، إعتذرت لارهاقي الشديد مؤجلا “دور” الطاولة لمرة أخرى، وقبل أن ينصرفوا متجهيين للمقهى قال لي أكبرهم سنا ساخرا : “تسلم دماغاك …حلوة قوي حكاية تدبيس المرأة دي”.