هذه هي المرة الثالثة خلال هذا الشهر التي نكتب فيها عن قصة بافلي, ذلك الولد اللطيف, ذو الوجه الضاحك, الذي يبلغ من العمر عاما وتسعة أشهر, لكنه يعاني من متلازمة داونـ المعروفة باسم الطفل المنغولي, وهي اضطراب يصيب جزءا محددا من المادة الوراثية للجنين, أصابت بافلي ومعها مجموعة من الأمراض, منها ثلاث ثقوب في القلب, إلتئم منها اثنان ربانيا وفي انتظار معجزة التئام الثقب الثالث, رغم توصية الأطباء بجراحات, وكذلك فتق في السرة, وثبات في جفني عينيه, ينام مفتوح العينين. لم تمنع حالة بافلي والديه من الصراع الزوجي مثل أي زوجين, بل علي العكس وجدت احتكاكا أكبر حتي تفاقمت الأمور, وانفجرت الأوضاع.
علمنا ذلك حينما فقدنا الاتصال بوالدة بافلي, بعد توصية الأطباء بجراحة عيون لبافلي تتكلف حوالي عشرين ألف جنيه, ثم عادت واتصلت وطلبت لقاء سريعا. وكما توقعت, فلكل مأساة مادية خلفية اجتماعية, ولكل قصة حرمان, رواية طويلة من حرمانات متنوعة, ونزولا علي رغبة والدة بافلي ننشرما طرأ من مستجدات أسرية, جعلت الأمور أكثر صوبة, جاءت السيدة في حالة هيستيرية من البكاء, لفت نظري النحافة التي أصابت جسدها, فلم تكن هكذا قبل ثلاثة أشهر.
قالت في بؤس شديد: دايما لوحدي من 12 سنة, اتحملت كل حاجة اهانات , خيانات, ذل, مرمطة, رافض يتغير, وكل شوية أبونا يقول لي اتحملي واتحملت كتير.
يبدو أن تراكم الأوجاع, حفز فكرة الترك والتنازل عن كل شيء من أجل ضمان الحفاظ علي الكرامة المفتقدة, وانساها ولديها الكبيرين, فماذا عنهما؟ قالت إنها لن تفرط فيهما, لكنه أمر غير مضمون أيضا, بافلي ينظر لدموع أمه يتحسسها بكفيه الصغيرين, ينظر إليها نظرات حانية وكأنه مدرك ماذا تقول, ياويل أولئك الأطفال الممزقين بين ويلات القدر, وويلات الصراع بين ذويهم.
هرجت من المكتب لتتوجه لاجراء أشعة رنين علي المخ لأن التشخيص الطبي الأخير لوضع عين بافلي أن هناك ارتشاحات في المخ علي عصب العين, والأشعة تكلفتها 2000 جنيه, وتتحمل السيدة منفردة تكاليف التحاليل المستمرة والفيتامينات للطل الذي قارب عمره عامين ولم يزل وزنه سبعة كيلو جرامات, وايجار السكن, الجديد 700 جنيه, بخلاف فواتير المياهوالكهورباء, والمأكل والمعيشة بخلاف الجراحة المطلوبة للجفنين.
هذا هو ما استجد علي قصة بافلي وأسرته التي تحولت من صفوف المستورين, لكشوف المعوزين, ثم تحولت من الاستقرار إلي الانفصال, وتمزقت الأسرة وحرم الأخوة من بعضهم البعض وحرمت الأم من ولديها وحرم الرجل من طفله الصغير, ومن زوجته, والن يريد إعادة زوجته لكن قسوة الإهانات طاردة, أشد من أية قوة جاذبة, ترفض تماما العودة للمذلة والشتائم والضرب, إنه اغراء الكرامة حينما تنبت في وحل الإذلال.