دفعت المآسي التي شهدتها المجتمعات بسبب الحرب العالمية الثانية زعماء العالم إلي صياغة وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, لمنع حدوث الفظائع مرة أخري عمليات النهب والاغتصاب وإعدام السجناء, وقرر زعماء العالم إكمال ميثاق الأمم المتحدة بخريطة طريق في عام 1950 تضمن حقوق كل فرد في أي مكان أو زمان. فماذا حدث بعد مرور حوالي ثلاثة أرباع قرن؟
مر 3/4 قرن, هل توقفت الصراعات السياسية, والدينية, والطائفية, والعرقية؟ لا لم تتوقف, العالم يتعرض لموجات من الإرهاب الغاشم, والحق الأول المكتسب بالميلاد وهو الحق في الحياة صار الأكثر تهديدا, فماذا فعلت المواثيق؟ وبغض النظر عن ظاهرة داعش التي اجتاحت عددا من البلدان, ومارست ذبح الأبرياء وهدم الأماكن الأثرية, وتدمير الحضارة, هل توقف الإرهاب؟ لا لم يتوقف, هل توقف ما يجري للفلسطينيين من انتهاكات وتوسع في الاستيطان علي حساب أراضيهم, وماذا عن غض النظر عن حقوقهم المهدرة منذ صدور الوثيقة ولم يهتز لها جفن من جفون أعضاء مجلس الأمن الذي هو أحد التنظيمات ذات السلطة التنفيذية في المؤسسة الأمميةالأمم المتحدة لكن غياب التمثيل العادل في المجلس يفرغ المبادئ من مضامينها,ويصنع من المؤسسة الأممية ظاهرة صوتية لبيانات الشجب والإدانة ويظل العالم في قبضة الدول العظمي علي حساب بقية الدول. بغض النظر عن كل ذلك مازال زعماء العالم يلتقون كل عام وينفقون مئات الملايين من الدولارات للانعقاد الدوري السنوي بالأمم المتحدة ويتبادلون الاتهامات علنا ويغذون حالة الانتهاك لواحد من أهم الحقوق وهو الحق في حرية التعبير بلا تشكيك أو تفتيش في النوايا.
هل توقف مايجري لكل الأقليات في العالم, من ظلم وقهر وتهميش ذلك فضلا عن السياسة التي تحكم البشرية وترتفع حقوقها فوق كل حق لأنها تتحول لنفوذ وفلوس,وتنهار أمامها كافة الحقوق الأخري التي هي لبشر بلا صوت؟هل انتهي الفقر المدقع الذي يحيا فيه ملايين لايفرقون بين الماء والطين في بعض بقاع الأرض؟واللاجئين عند الحدود والفارين من ويلات الحروب,لقد رأيت بعيني الأطفال الفارين من الموصل إلي كردستان وهم يتسلقون الحواجز بين المخيمات للحصول علي مزيد من جرعات الألبان, فالفقر والحرمان والمبيت تحت قطعة من القماش لسنوات طويلة, يبتلع أية مساعدات أممية, العالم يئن والإعلان العالمي لحقوق الإنسان منذ سبعين عاما لم يستطع إتيان فعل إيجابي وليس رد فعل ويظل الإنسان قيد المتاجرة بجسده وصحته وقوته وأحلامه وصوته ودموعه لم تنصفه وثيقة اللهم إلا ما يتم تحت ضغوط الرأي العام الدولي في حدود ضيقة ومسيسة أو مشخصنة.
هذا بخلاف جائحة كورونا التي أصابت العالم وفرضت ظروفا استثنائية, وكشفت عن أوجه القصور في الحقوق التي تضمنها الإعلان وأهمها أن يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق, وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء وهو ما انفجر في وجه العاملين في مجال حقوق الإنسان خلال التصدي للآثار السياسية والاجتماعية والاقتصادية لجائحة كورونا, فالجائحة لم تضرب المجتمعات علي المستويين الصحي والاقتصادي فقط, وإنما فاقمت من العنف والصراعات والبطالة والفقر وانعدام المساواة في ضوء رعاية صحية ممزقة ورعاية أولية غائبة-طبقا للأمم المتحدة- كل ما سبق معروف لدي الجميع, ومازلنا نواجه حالة إنكار عالمي بأن هناك أزمة في حالة حقوق الإنسان علي المستوي الأممي, سببها تغول الحقوق السياسية علي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية, لدي المنظمات الفاعلة دوليا ومحليا ضد الانتهاكات الحقوقية لأن الحقوق السياسية تسرق عدسة الإعلام والساسة والممولين.
خلاصة القول إن صكوك حقوق الإنسان لم تمنع الانتهاكات والمنظمات الأممية لاحقة العملسواء الشجب أو الدعم علي الجرائم المرتكبة ضد الإنسان, لذلك إن لم تكن هناك مبادرة لتعديل مسار بعض الصكوك التاريخية التي صارت حبرا علي ورق وتفعيل الدور التنفيذي للمنظمات المحلية ولعدد كبير من البرامج المنبثقة عن الأمم المتحدة لن يجد الناس في المستقبل حلا سوي التنازل طوعا عن حقوقهم لإنهاء حالة القهر والصراع الداخلي بين الواقع والمأمول في الحياة من الحرية والكرامة الإنسانية, وهو مؤشر خطر خصوصا في المجتمعات النامية والأنظمة الشمولية, لأنه بمثابة اعادة انتاح للاسعباد المتصوص على العمل من أجل القضاء على كافة اشكاله في الوثيقة الأولي للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولكنه الاستعباد في ثوبه الجديد الذي يناسب معطيات القرن الحادي والعشرين.