( المنيا .. المنوفية .. ولاية أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية ) ثلاث مناطق مختلفة ،ولكن يجمعها شئ واحد ، وهي بصمة أب كاهن جليل ،ترك إيماناً مستقيماً ،وعلم كنسي، ومحبة..لذا شكل خبر انتقاله صدمة للكثير .. انه الأب المبارك القمص سيداروس عبد المسيح ، والذي يُعد أحد أعظم رجال الكنيسة اللاهوتيين ومن العلماء الكنسيين ، والذي رقد في الرب يوم السابع من شهر ديسمبر الحالي ، فالأب المتنيح شغل مسؤوليات كثيرة ، منها وكيل مطرانية المنوفية ووكيلاً للكلية الإكليريكية بها،كان هذا قبل سفره للخدمة بأمريكا، وهو سليل عائلة كهنوتية عريقة في إيبارشية ملوي، فجده هو المتنيح القمص سيداروس أخنوخ ” الملقب بسيداروس الكبير” كاهن كنيسة الشهيد مارجرجس بالبياضية، ووالده هو المتنيح القمص عبد المسيح سيداروس كاهن الكنيسة ذاتها، وكذلك شقيقه الأصغر القمص سيداروس سيداروس عبد المسيح .
ولمعرفة أكثر عن كيفة تعامل الأب المتنقل مع أبنائه ورعيته بالكنيسة ، استطاعت ” وطني ” التعرف على الكثير من ذكريات ابناء كنيسة ” السيدة العذراء والقديس يوسف النجار كولومبوس / أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية ، والذين شاركوا معنا هذه الذكريات و الصور النادرة …
فى البداية قال الدكتور جون مكاري : خبرتي مع أبونا سيداروس ترجع إلي حوالي ٢٠ سنة عندما قابلته في كولمبس / أوهايو ، حيث أن والدي المرحوم المهندس الاستشاري سمير مكاري ووالدتي الأستاذة ماري مكاري وأخي الدكتور مينا مكاري وأختي الدكتورة حنان مكاري ولكن توطدت العلاقة بيننا بعد وفاة والدي ليصبح بمثابة الأب الثاني لي فأعتاد علي تشجيعنا كأب ، وأتذكر أن لو حضرت القداس ونسيت ” التونية ” كان يقول لي اختار أي تونية من بتاعتي ، فأصبحت أتعمد عدم إحضار تنيتي لأخذ بركة ملابس خدمته ، وكان بعد القداس عندما أذهب إلي غرفته يُصر علي أن أتناول الإفطار معه ونقضي وقتاً جميلاً، كما أعتاد على زيارتنا بصفة دورية في المنزل وكانت أحاديثه جذابة للغاية فإعتدنا على إمضاء وقت جميل معه فكنت أرى في عينيه الحب والعطف والتقدير، كان إنسان بسيط جدًا كطفل في بساطته، تعلمت منه مسامحة المخطئ ، فكنت أراه يغفر كطفل صغير ويقابل المخطئ بالقبولات والأعناق عامل بقول الكتاب : “السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب أكثر من ٩٩ بارًا لا يحتاجون إلي التوبة ” كما أني أتذكر أنه كان بإستمرار يقول إن محبتي أنا وأخي هي نفس محبته لأبنيه جون ومينا (حيث يجمعنا مع أولاده نفس الأسم) ..
ففي فترة وجيزة نجح في أن تنتقل العلاقة من علاقة أبوة إلي صداقة فكان يجلس معنا ساعات طويلة نتناقش في أمور كثيرة بخصوص الخدمة وكتبه الدسمة وعظاته المعلمة وخدمتي الخاصة كأمين صندوق مكتبة سانت ماري كولومبوس / أوهايو .. فقد تعلمنا واستفادنا كثيرًا من أبوته فكنا نمضي ساعات طويلة تصل أحيانا إلي الواحدة بعد منتصف الليل، اتذكر عند رحلتي لمصر قام بتوصيلي للمطار بسيارته الخاصة وأثناء الزيارة قام بالاطمئنان على أكثر من مرة تلفونيا، لن يقف فيروس كورونا حاجز بيننا فعندما علم بتواجد والدتي في المستشفى فقام بزيارتنا على الرغم من حالته الصحيه، واتذكر آخر مكالمة تليفونية دارت بيننا كانت من حوالي أسبوع قبل رحيله وتحدثنا في أشياء كثيرة متنوعة .
وأنهى الدكتور جون قائلاً : كان يعلم بقرب رحيله ، فلقد رأي البابا شنودة في رؤية واعلمه أن وقت سفره قد أقترب لدرجة أن آخر مرة قام بزيارتنا قال لي خلاص أنا ماشي .. في هذه الزيارة شعرت أن فعلاً دية آخر زيارة ، لقد رحل أبي القديس الذي سوف أفتقده كثيرًا جدًا أنا وأسرتي ولكن عزائي أنه الآن يتمتع بالمكان الذي قام بالتحضير له سنيين طويلة فكانت خدمته باذلة ومتنوعة ، عطاءه غزير ، ويتمتع بعاطفة جياشة فياضة .. فوداعا بابا الحبيب المحبوب.
وتحكى مارين سمير قائلة : أنا أبني شقي جدًا و بيعمل دوشة و شقاوة فالكنيسة و أبونا أبداً ما قام بوقف القداس ولا قالي اطلعي بيه بره ، بالعكس ده كان بياخده معاه الهيكل و ” يحطه علي رجله ” و أتى إلينا البيت بمقاسات مختلفة من الـ ” تونيى ” و قالي دول ليوسف يختار منهم .
واستكملت : حتى بعد ما سيدنا أصدر قرار بأن مفيش أطفال تحت الخمس سنين تلبس شمامسة لأن يوسف وقتها كان سنتين بس .. حتى أنه كان فى العظة شايله علي رجله و بيوعظ بيه كل ما نكون فالكنيسة .
وهناك موقف آخر تحكيه “مارين” حيث قالت : بعد انتقال أخويا للسماء .. لم يتركنا أبونا سيداروس ومسبناش أبدًا أيام العزاء كلها .. فكان معانا من الصبح لبليل و بترنيم و وعظ وصلاة .. وكل يوم اثنين كنا بنعملbible study فالبيت ، ولما حد فينا يكون تعبان مبيتاخرش في زيارتنا أبداً حتي لو هو ممنوع من الحركة .
وأضافت “مارين” : أتذكر أن مواعيده كانتsharp جداً مهما كان تعبان وطالع من المستشفي .. ميتاخرش أبدًا حتى لو الأطباء قالولو متروحش .. مكنش بيتأخر علينا .. وحتى عندما كان فالمستشفي كان بيعملنا bible study، منساش أبدًا أيام خدمة ” كوجي ” للأطفال ، لو أن أى مسئول كان يشدد على أهمية نظافة المكان .. رغم إننا كنا نقوم بالتنظيف إلا أن أبونا سيداروس كان يقولي وسخو و بهدلو براحتكم .. أنا النظافة أعمل بيها أيه يا فرحتى ” كنيسة نضيفة و مقفولة “.. أنا فرحتي الحقيقية بإن عيالنا فالكنيسة و ” يجر و يلعبو ” .
من جانبها ذكرت مارى وليم أن أبونا القمص ىسيداروس كان آب وقديس على الأرض بمعني الكلمة ، عندما أتينا إلى أمريكا مكنش فى حد نقعد عنده .. فكنا أغراب بمعنى الكلمة ، حتى بعث لنا أبونا سيداروس بالإستاذ بهاء بسيارته الخاصة حتى يستقبلنا في المطار .. وتحكى مارى وليم أنه كان يهتم بأبسط التفاصيل الحياتية منذ وصولهم الولايات المتحدة الأمريكية ، فقالت : لقد استقبلنا فى البداية وراح مع زوجته وأحضر أكل وعصائر وفاكهة ومياة ، حتى أنه ملأ الثلاجة .. وكان لسة طالع من المستشفى فنزل بالرغم من مرضه وكانت الساعة واحدة بعد منتصف الليل .. وبعد ما أطمئن علينا أغلق الباب ومشي .. والصبح أتي وأتى بأشخاص اتصل بيهم تليفونيا علشان يساعدونا في إستكمال الأوراق بتاعتنا .. وبعت يجيب أشخاص تانية علشان يشوف لنا سكن .. وفعلاً عمل كل حاجة لحد ما وقفنا على رجلنا .. وحطنا علي أول الطريق فلما حصلنا على سكن أتي إلي بيتنا ومعه هدايا .. وكان يمزح مع أبنتى بأنها ” إنتاج مصر .. تقفيل أمريكانى ” .. في جلساته كانت لا تخلو من الإستفادة الروحية و الضحك .. وأنهت مارى كلامها قائلة : فقدنا آب وصديق وحكيم وعلامة .. ربنا يصبرنا علي فراقه .. صلى عنا أمام عرش النعمة .
أخبار ذات صلة