عندما نسمع عن اليوم العالمي لمحاربة الفقر نتساءل .. هل يستطيع كل فرد مهما كانت إمكاناته متواضعة مساعدة الفقراء و المعوزين ؟ وكيف يمكن التطوع بالمجهود أو العمل لخدمة المجتمع او مساعدة الاطفال و المشردين؟ ما هي المؤسسات التي تقدم منح دراسية مجانية وهل يمكن أن يساهم ذلك في منظومة مكافحة الفقر ؟ ما هي اشهر المؤسسات الخيرية في العالم وما هو المنهج الذي تتبعه كل مؤسسة لتحقيق هذا الهدف الإنساني النبيل ؟
انقاذ الارواح :
قبل أن ننظر إلى المؤسسات الخيرية التي تقوم بتوفير الطعام والملبس والمساعدات المالية .. لابد أن ننظر إلى المساعدات الإنسانية الأصعب في تنفيذها والتي تعرض المتطوعين بها للمخاطر .. إنها المهام الصعبة التي تقوم بها الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر . وهي أكبر شبكة إنسانية في العالم مهمتها حماية أرواح البشر، وهي منظمة مستقلة محايدة تقدم الحماية والمساعدة لضحايا النزاعات المسلحة وحالات العنف الأخرى و تعزز آحترام القانون الدولي الإنساني وإدراجه في القوانين الوطنية . تاسست عام ١٨٦٣ .
تدير اللجنة الدولية مجموعة من الصناديق التي انشئت أثناء القرن الماضي من خلال تبرعات خاصة من أفراد و منظمات . يعمل بهذه المنظومة 17 مليون متطوع و نصف مليون موظف في 190 دولة .ومنذ بداية تفشي فيروس كورونا المستجد واصل أعضاء الحركة الدولية العمل في جميع الدول بتقديم الخدمات الصحية و عمل حملات توعية و قد تعرضوا لتجاوزات عديدة في بعض الدول ومع ذلك فهم مستمرون في العمل رغم مخاطر التعرض للإصابة بالعدوى .
مؤسسات الرحمة :
إن أعمال الإحسان والرحمة قديمة قدم الزمان لكنها كانت تعتمد على العطاء الفردي أو العائلي، وفي العصر الحديث أصبحت هناك مؤسسات رسمية عالمية عملاقة تقدم مساعدات لملايين الفقراء حول العالم . نسمع مثلا عن مؤسسة فولبرايت ومؤسسة سبرانتو العالمية، واللجنة الكاثوليكية للتنمية ومكافحة الجوع، نسمع عن ” أطباء بلا حدود ” و ” مهندسين بلا حدود ” و منظمة أوكسفام ومنظمة وورلد فيجن، ونسمع عن جمعيات لعلاج السرطان و أمراض الكبد وجمعيات لعلاج العيون و لعلاج الأطفال والنساء، والمنظمة الدولية للمعوقين، و نسمع مثلا عن منظمة Food for the Poor ” ” أو ” الطعام للفقراء ” التي تقدم خدماتها في بلدان أمريكا اللاتينية، وهي تمنح مساعدات الأغاثة مباشرة للفقراء . لكن خلف هذه المؤسسات العملاقة نجد أفرادا كانوا مؤسسين لها وروادا للعمل الخيري .
على سبيل المثال العالم كله يعرف الأم تريزا وكيف أفنت عمرها في خدمة المرضي والمشردين، وهناك الكثير من رجال الأعمال و الفنانين حول العالم يقومون بأعمال خيرية جليلة. نذكر منهم على سبيل المثال وليس الحصر : هنري فورد مؤسس و مشارك لمؤسسة ” فورد ” ، بول ووكر مؤسس جمعية أيادي الخير ، الوليد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود .. رئيس مجلس ادارة شركة المملكة القابضة، جورج سوروس المجري الأصل وأمريكي الجنسية .. الذي أنفق مليارات الدولارات من ماله الخاص علي مشروعات مهمة، مثل جامعة بودابست، و محطة إذاعة تبث الأخبار إلى بورما ، و مصنع لمعالجة المياه في سراييفو، ووحدات إسكان شعبي في جنوب أفريقيا .
أمامنا أيضا اليشيا كيز .. المغنية الأمريكية وكاتبة الأغاني و المتحدثة باسم جمعية الحفاظ علي حياة الأطفال، والفنانة الأمريكية ديمي لوفاتو، والممثل الهندي شاه روخ خان، والمغنية اللبنانية أمل حجازي .
في زمن كورونا :
عندما كانت أزمة كورونا في ذروتها في الموجة الأولى تبرع مصمم الأزياء الإيطالي الشهير جورجيو أرماني ب 250 ألف يورو، وقال ” لن أسمح أن تركع إيطاليا على ركبتيها حتى لو كلفني هذا الأمر كل ثروتي” ، وتبرع رجل الأعمالالبريطاني ريتشارد برانسو ب 250 مليون دولارا لمواجهة كوفيد 19 ، وأنضم لسباق التبرعات الهندي حوتام أدانفي الذي تبرع ب 13.3 مليون دولارا ، والصيني جاك ما الذي دفع 14 مليون دولارا لتطوير لقاح كورونا و توزيع مليون قناع .
أما رجل الأعمال الروسي رومان أبراموفيتش فقد حول أحد فنادقه الضخمة لاستضافة الأطباء . و قدمت الإيطالية ماريانا أليوني مصنعا للمطهرات مجانا، وحول الفرنسي برنار أرنو مصانع العطور لتصنيع معقم اليدين مجانا . وقد قام أحد أصحاب مصانع أجهزة التنفس الصناعي بتقديم تكنيك صناعة هذه الأجهزة لأي مصنع ينوي انتاجه وبدون مقابل ، و ذلك لسد العجز في هذه الأجهزة نظرا للطلب الزائد عليها في وقت محنة كورونا .
العطاء في مصر :
في مصر لدينا نماذج مشرفة نفخر بها من أهم هذه النماذج رجل الأعمال رامي فايز الذي خصص كل الفنادق السياحية التي يمتلكها للحجر الصحي لكل المصريين العائدين من الخارج في وقت أزمة كورونا ـ
وقد خصصت مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية 100 مليون جنيها لدعم جهود الدولة في مواجهة تحديات فيروس كورونا . هذا بالإضافة لتفاني الأطباء والتزامهم بالعمل الشاق تحت ضغط شديد و خطر العدوي ، وقد راح الكثير من الأطباء بالفعل ضحية العدوي و هم يعتبرون شهداء الواجب الإنساني .
ومن ناحية أخرى تطوع الكثير من الشباب لمساعدة كبار السن الذين كان من الصعب عليهم الخروج لأنهم أكثر عرضة للاصابة بسبب ضعف مناعتهم . . وذلك من خلال شراء كل احتياجاتهم من طعام و شراب و دواء .
و بخلاف أزمة كوفيد 19 . لدينا عمالقة في العطاء نذكر منهم جراح القلب الدكتور مجدي يعقوب مؤسس مستشفى القلب في أسوان التي يتم فيها إجراء جراحات القلب مجاناً لكل من يطلب . والدكتور محمد مشالي الذي أفني عمره علي الكشف المجاني أو زهيد الأجر حتي آخر يوم في عمره . حيث توفي في يوليو الماضي .
و تذخر مصر بمؤسسات خيرية كثيرة نذكر منها ” مصر الخير ” ، ” مؤسسة الأورمان ” ، و مؤسسة ستيفن تشيلدرن التي أسستها ماما ماجي . هذا بالإضافة إلى آلاف المواطنين الخيرين الذين يقدمون العطايا للفقراء بسخاء ولكنهم لا يعلنون عن أنفسهم .
جوزيف فريزنسكي :
منذ عام 1987 يتم الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الفقر في يوم 17 أكتوبر . حيث قام القس الكاثوليكي جوزيف فريزنسكي بمبادرته لتكريم ضحايا الفقر المدقع و أسس منظمة ايه تي دي العالم الرابع أو الحركة الدولية لاغاثة الملهوف العالم الرابع ، وذلك في بلدة نوازي لوجراند بالقرب من باريس، وقد أعلنت الأمم المتحدة عام 1992 تأييدها واعترافها رسمياً بأن هذا التاريخ هو اليوم العالمي لمكافحة الفقر .اجتمع المؤسسون في ساحة تروكاديرو في باريس وافتتح القس جوزيف اللوحة التذكارية التي يعتبرها الهاما للجمعيات والممثلين المنتخبين والمواطنين لمكافحة الفقر . كتب على هذه اللوحة تاريخ وهدف المبادرة و في ختام المقال كتب: ” أينما وجد أناس حكم عليهم بالحياة البائسة يكون هنالك انتهاك لحقوق الإنسان ، والتعاون لاحترامها هو واجب مقدس . ”
تدير الحركة الدولية لاغاثة الملهوف العالم الرابع .. مشروعات في 32 دولة في خمس قارات، وعلى إتصال بأفراد و مؤسسات صغيرة غير هادفة للربح في 46 دولة ، وتقيم مشروعات تهدف الي تحفيز الوصول إلى وسائل المعرفة ، للتأكيد على أن كل فرد يستطيع أن يتعلم و أن ينقل علمه للآخرين، أهم الوسائل لتحقيق ذلك هي ” مكتبة الشارع ” حيث يذهب متطوعون يحملون الكتب لأماكن يعيش فيها أطفال وعائلات تعاني من فقر شديد، ومن خلال القراءة وتعلم الحرف و الأنشطة المسرحية يتم بناء العلاقات مع الأطفال و أسرهم . هذا بالإضافة إلى انشاء بيوت عطلات عائلية، وهي أماكن يمكن للعائلات الغقيرة الذهاب إليها لأخذ قسط من الراحة من معاناتهم اليومية .
تتمتع الحركة بمركز استشاري عام لدى الأمم المتحدة باليونسكو و منظمة العمل الدولية و اليونيسيف، ومركز المشارك في مجلس أوروبا وسبق أن ترأست المؤسسة لجنة حقوق الإنسان حتى عام 2014 ، و مهدت الطريق لقانون مناهضة الاقصاء الاجتماعي الذي اعتمدته فرنسا عام 1998 .
إذن المعرفة والفنون والحرف اليدوية و الدفاع عن حقوق الانسان هي الأسلحة التي يحاربون بها الفقر في هذه المؤسسة .
والقروض متناهية الصغر :
دأبت الكثير من الجمعيات والمنظمات غير الحكومية علي منح الفقراء قروض متناهية الصغر ليؤسسوا بها مشروعات صغيرة جدا تعينهم علي كسب قوتهم اليومي ، و قد كان الدكتور محمد يونس أستاذ الاقتصاد السابق في جامعة شيتا جونج ( وهي احدي الجامعات الكبري في بنجلاديش ) ومؤسس بنك جرامين .. رائدا معروفا في هذا الاتجاه، و قد نجح في مساعدة أعداد هائلة من الفقراء علي الاعتماد علي أنفسهم حتى أنه لقب ب ” قديس الفقراء ” ، وفاز بجائزة نوبل للسلام عام 2006 . والجدير بالذكر أننا في مصر لدينا جهات كثيرة حكومية وغير حكومية تقدم مثل هذه القروض .
أسلحة كثيرة :
وهكذا فان محاربة الفقر قد تبدأ بتقديم المساعدات المباشرة لانقاذ المعدمين والمشردين و علاج المرضي ، لكن المرحلة اللاحقة والأهم هي مرحلة بناء الإنسان و تسليحه بالمعرفة والعلم و الأخلاق و ادراك حقوقه و كيفية الوصول إليها، والواقع أن الفقر لازال يطل برأسه ليؤرق العالم كله لكن علينا أن نستمر في محاربته و ننضم جميعنا لكتائب محاربة الفقر كل بسلاحه الذي يملكه و مواهبه التي أعطاه الله اياها . واذا كان العالم يحتفل باليوم العالمي لليتيم في الجمعة الأولي من شهر أبريل ، واليوم العالمي للعمل الإنساني في التاسع عشر من أغسطس، واليوم العالمي لمحاربة الفقر في السابع عشر من أكتوبر فعلينا أن نوقظ بداخلنا كل مشاعر الإنسانية ونجعل كل يوم في حياتنا حافلا بالأعمال والمواقف الإنسانية . .