أمام الأجيال الجديدة, تظهر الحاجة إلي تعبير فني يناسب احتياجاتها الجديدة المتغيرة -وغالبا ما تظهر هذه الحاجة في شكل طلب التسلية- بينما يسعي معظم من ينتجون ويوزعون الفن الجماهيري إلي الحصول علي الأرباح من وراء إشباع هذا الطلب.
بينما هناك أعداد هائلة من البشر مازال عليهم أن يتعلموا التمييز بين الجيد والغث, وأن تشكل ذوقها وتطور قدراتها علي الاستمتاع بالأعمال ذات المستوي الرفيع.
هذا يقود إلي تأكيد القوة الاجتماعية والجمالية والتربوية للكلمة والصورة. وهنا يبرز دور التربية الواعية, التي من أهم أهدافها تنمية قدرة الجيل الجديد علي التمييز بين الثمين الصادق والغث الزائف. وهذه التربية المسئولة لابد أن تتسلح بالوعي لأثر أبسط الكلمات والتصرفات, التي كما تبني الذائقة الجمالية واحترام الصدق الفني وتؤكد التمسك بالجميل من السلوكيات, فإنها قد تسرب القيم المرفوضة وتضفي القيمة الزائفة علي النماذج المتخلفة التي لا يسعي منتجوها إلا إلي الربح علي حساب قيم الخير والحق والجمال.
* دور الأسرة:
هنا يبرز دور الأسرة الرئيسي في فترة الطفولة المبكرة -فلابد أن نحيط الأبناء- بما هو جميل وراقي وصادق ونبيل, في السلوك والتعامل.. فيما ننطق من كلمات وما نعبر به عن مشاعرنا من انفعالات وعبارات.. فيما نحيط به الطفل من تناسق وانسجام في كل شيء.. في اللوحات التي نعلقها علي الجدران, فيما نختاره من أغاني وموسيقي يستمع إليها الأطفال.. فيما نتيحه لهم من برامج في التليفزيون أو علي وسائل التواصل الاجتماعي عندما يبلغون العمر المناسب للتعامل مع هذه الوسائل.
إن اختيارات الآباء التي لابد أن يتعرض لها الأبناء بحكم تواجدهم المكاني مع الكبار داخل البيت, تترك أعمق الآثار وأطولها تأثيرا في اختيارات الأبناء, وفي تنمية حسم الجمالي والأخلاقي والسلوكي- في اختياراتهم لملابسهم, لألعابهم, لأصدقائهم, لما يشاهدون من أفلام ويقرأون من كتب ومجلات, وما يستمعون إليه من موسيقي وأغان, وما يفضلون مشاهدته من لوحات وإبداعات تشكيلية.
* دور أجهزة الإعلام:
وعلي من يقومون علي شئون برامج التليفزيون, مراعاة أن تلك الشاشات أصبحت من أهم مصادر تنمية الذائقة الجمالية لدي المشاهدين الصغار. ونري هذا في تقليد الصغار, فتية وفتيات, ملابس وسلوكيات المذيعات والمذيعين, وطريقة تصفيف الشعر, بل طريقة الحديث والتعبير البدني. إن كل كادر يظهر علي الشاشة, يساهم علي نحو لحظي مستمر, في تكوين الذائقة الجمالية للمشاهدين. بل أصبحت الشاشات من أقوي وسائل نمو وتوجيه التذوق الجمالي إيجابا أو سلبا.
* أثر الحياة في مدينة:
وإذا انتقلنا إلي الشارع وما يموج به من مؤثرات علي مختلف الحواس, وهي مؤثرات يتكرر تأثيرها ويتواتر التعرض لها يوميا, بل أكثر من مرة في النوم.. يكفي أن نركز انتباها علي أثر إعلانات أفلام السينما التي يشاهدها الصغار ويتأملونها وهم في طريق الذهاب والعودة يوميا من وإلي مدارسهم- وهو ما حمل بعض الحكومات علي أن تقرر ضرورة إخضاع كل إعلان يوضع في الشارع لرقابة دقيقة, لأن هذه الإعلانات من أكثر ما يتعرض له الأطفال والشباب من منتجات الفن التشكيلي, بمساحتها المتسعة واختيار لقطاتها الأكثر إثارة وتأثيرا.
وإذا أشرنا إلي الفوضي في تجاوز طرز العمارة المتنافرة, فلابد أن نشير إلي ما يصيب واجهات تلك المنازل من تنافر في الألوان قد يصيب الشقق المتجاورة في بناية واحدة والإعلانات العشوائية عن المهن والمحال التجارية التي تقدم أسوأ نماذج للفوضي وسوء الذوق.
* دور المدرسة:
وإذا وصلنا إلي المدرسة التي يقضي فيها الطفل ثلث ساعات اليوم, وتأملنا جدران كل صف دراسي, وكيف يجب أن تكون عنوانا للذوق والجمال في كل ما يعلق عليها -وإذا تأملنا الفناء وما لابد أن يحتوي عليه من عناصر تتسم كلها بالذوق والتناغم, فلابد أن نستنتج الأثر القوي لكل ذلك في تنمية الذائقة الجمالية لدي التلاميذ.
ولابد أن نضيف أهمية الرحلات المدرسية لزيارة المتاحف الفنية والأثرية, وأن تكون الكتب المدرسية عنوانا للجمال والتناسق, شيقة جذابة, وأن نتيح للأبناء ارتياد الحفلات الموسيقية الراقية وعروض المسرح مرتفعة المستوي.. كل هذا لابد أن يتضافر معا لتنمية الذائقة الجمالية لدي أبناء الجيل الجديد.
Email:
[email protected]