مصر في طريقها لنهو مسار انتخاب مجلس النواب الجديد, فاليوم تنتهي عملية الاقتراع للمرحلة الثانية -13 محافظة- علي أن تجري انتخابات الإعادة بها من 5 إلي 8 ديسمبر المقبل, وتعلن الهيئة الوطنية للانتخابات النتائج النهائية لها منتصف ديسمبر لتنضم إلي نتائج المرحلة الأولي -14 محافظة- ويكتمل بذلك تشكيل مجلس النواب الجديد المنتخب من 568 مقعدا نصفهم مقاعد فردية والنصف الآخر للقوائم ولا يتبقي سوي نسبة الـ5% التي يتولي رئيس الجمهورية تعيينها.
بذلك تتأهب مصر لبدء دورة برلمانية جديدة مدتها خمس سنوات ذات ملامح جديدة أهمها أنها دورة تعود فيها الحياة البرلمانية إلي البرلمان ذي الغرفتين: مجلس النواب ومجلس الشيوخ -الذي اكتمل تشكيله انتخابا وتعيينا واستهل أعماله الشهر الماضي- حيث تتعلق الأنظار بكل من الغرفتين وتكاملهما معا لصالح المسارات التشريعية للبلاد, علاوة علي الدور الرقابي الذي ينفرد به مجلس النواب علي أداء السلطة التنفيذية.
أيضا من الملامح الجديدة لمجلس النواب أن تشكيله طبقا للقانون الجديد لتقسيم الدوائر- الذي وافق عليه المجلس السابق في 17 أغسطس الماضي- أقر تخصيص 284 مقعدا للنظام الفردي موزعين علي 143 دائرة انتخابية ومثلهم من المقاعد موزعين علي 4 دوائر للقوائم, كما يضم هذا التشكيل استيفاء توازنات محددة لتحقيق تمثيل متجانس للمرأة والمسيحيين والعمال والفلاحين والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة علاوة علي المصريين المقيمين في الخارج.
هذا التشكيل بالنسبة للقوائم يدعو للتفاؤل فيما يخص الدور البرلماني للنواب -تشريعيا ورقابيا- علي المستوي القومي والمستوي الفئوي, فالتحالفات التي تشكلت بموجبها القوائم سواء كانت تحالفات حزبية أو فردية أو مختلطة تنبئ بوجود مجموعات متناغمة قد تشكل كتلا برلمانية -وهو الأمر الذي طال انتظاره ومازال يستعصي علي الإدراك بين الأحزاب- وذلك من شأنه أن يمهد الطريق لتأسيس أغلبية ومعارضة لخلق مناخ ديمقراطي في صالح التشريع والرقابة… أما علي المستوي الفئوي فهناك مساحة تمثيل متنوعة تعبر عن أطياف رئيسية في المجتمع وتستطيع أن تعكس أحوالها واحتياجاتها ليس فقط عن طريق الاستقطاب الفئوي فذلك توجه له سلبياته ومخاطره ولكن أيضا عن طريق حشد الأغلبية وراء إدراك تلك الأحوال والاحتياجات والعمل علي تحقيقها.
أما إذا تأملنا النصف الآخر من المجلس وقوامه المقاعد الفردية فهي موزعة بين نواب الأحزاب, وهؤلاء يدينون بالولاء لأحزابهم التي نتمني أن تسكن نفسها في إطار كتل سياسية ولا تتقوقع منفردة بلا تأثير ولا ثقل تصويتي, وبين المستقلين وأولئك لا يعرف بعد موقعهم من الكتل السياسية أو ثقلهم التصويتي الذي يعتمد علي درجة اصطفافهم مع بعضهم البعض أو مع الآخرين تحت القبة.
ووسط هذه الشرائح المتنوعة تعالوا نبحث عن النمط الكلاسيكي للنائب البرلماني الذي أفرزته دائرة انتخابية محددة له فيها شعبية راسخة وثقل انتخابي بفضل انتمائه العشائري أو القبلي أو العائلي وما يترتب علي ذلك من اتصاله الوثيق بدائرته الانتخابية ومعرفته بأحوالها ومشاكلها وطموحاتها واحتياجاتها… إنه ما يطلق عليه نائب الخدمات الذي بجانب أدائه لدوره البرلماني تشريعيا ورقابيا يستطيع الوفاء بأحلام أهل دائرته ويدين لهم بالولاء ويسعي لرضائهم تقديرا لأصواتهم التي حصل بواسطتها علي مقعده البرلماني… هذا النائب تغيرت معاييره في التشريح الجديد لمقاعد مجلس النواب الذي نحن بصدده لأن المقاعد الفردية تقلص عددها لحساب مقاعد القوائم واتسعت مساحات الدوائر فيها بالقدر الذي أخرجها من خصوصية التمثيل, فلم يعد المرشح يقدر في حالات كثيرة علي تغطية الامتداد الجغرافي لدائرته ولا التواصل مع شرائح ناخبيه, وذلك أمر تبدي أكثر ما تبدي في القاهرة والجيزة والمدن الكبيرة حيث تراجع بعض النواب في المجلس المنقضية مدته عن إعادة ترشيح أنفسهم بمقولة عدم قدرتهم علي تغطية اتساع الدوائر والتواصل مع أهلها… وهكذا تركوا علامات استفهام حول علاقة النائب بالناخب, وعلامات توجس إزاء سطوة نائب الأمة علي نائب الدائرة… فهل يكون لهذا التغيير أثر إيجابي مضاف لرصيد العمل البرلماني؟… أم يفرز أثرا سلبيا مخصوما من رصيد العمل البرلماني؟… هذا ما سوف تجيب عنه التجربة البرلمانية لمجلس النواب في ثوبه الجديد.