لأني رجل هو عنوان حملة/ مبادرة مجتمعية دشنها المجلس القومي للمرأة منذ نحو ثلاث سنوات, وبالتحديد في 10 ديسمبر 2017م, بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة والمساواة بين الجنسين والحكومة السويدية, وهي حملة مازالت مستمرة إلي اليوم, حيث تواصل عملها في محافظات مصر المختلفة, بالتعاون مع فروع المجلس في تلك المحافظات, والغرض منها توعية الرجال والشبان بقضايا المرأة وحقوقها, بالإضافة إلي حمايتها من التحرش ومختلف أشكال العنف الذي يمارسه البعض ضد المرأة, بالإضافة إلي تصحيح بعض الأفكار الخاطئة التي رسخها المجتمع في عقول الرجال, منها مثلا أن الرجل أفضل أو أعلي من المرأة, وأنه يكفيه القيام بتوفير المال واحتياجات البيت ومتطلباته!!
تستهدف الحملة توصيل عدة رسائل أساسية للرجال والشبان منها: دعم الرجل للمرأة في العمل, التعليم, ممارسة الرياضة, المشاركة في الأعمال المنزلية, التعامل مع المرأة في العمل والدراسة باحترام, المشاركة في تربية الأولاد, مناهضة العنف ضد المرأة, كما تستهدف الحملةتسليط الضوء علي النماذج الإيجابية لدور الرجل في دعم المرأة.
في هذا الإطار تستخدم الحملة عدة شعارات منها: لأني رجل هاحميها من الختان, هاحترم زميلتي في العمل, هاحميها من التحرش, هاقف ضد كل أشكال العنف ضد المرأة, هاشجعها تمارس رياضة, هاشجعها تتعلم, هادعم وصولها لأعلي المناصب, أنا ضد الزواج المبكر, هاساعدها جوه البيت وبره البيت.
لم تكتف الحملة بإطلاق الشعارات حيث نظمت عدة أنشطة وفاعليات, منها ندوات وورش عمل ولقاءات متنوعة بحضور رجال وسيدات, شبان وشابات وأطفال, ومنها أيضا دوري رياضي تحت عنوان لأني رجل للكرة الخماسية, ويشارك في فاعليات الحملة عدد من الرياضيين والفنانين والصحفيين والإعلاميين.
نشاط كبير ومهم يقوم به المجلس القومي للمرأة برئاسة الدكتورة مايا مرسي, التي صرحت مؤخرا بأن الحملة تسعي إلي إدماج الرجال والشبان من أجل تمكين المرأة, ومن ثم توعية الرجال والشبان بأهمية مشاركتهم للسيدات في كل أمور الحياة وتدعيمهن في التعليم والعمل ومناهضة العنف ضد المرأة, وغيرها من الأمور الحياتية.
ولأن التاريخ خير معلم للإنسان, أذكر هنا أن المصلح الاجتماعي سلامة موسي (1887-1958م) كتب مقالا في مجلة (المصري), التي أصدرها في مدينة القاهرة عام 1930م, عنوانه في الاستبداد هاجم فيه الاستبداد والمستبدين مؤكدا ضرورة مقاومة الظلم والطغيان, والالتزام بالدستور, ووجوب التربية علي الروح الدستورية والتطبع عليها, كما أشار إلي أهمية المساواة بين المرأة والرجل.
أوضح سلامة أن الأمم المتمدنة تهتم بتربية الذكور مع الإناث, حتي ينشأوا علي قدم المساواة فلا يعتقد الرجل في نفسه أنه أسمي أو أذكي من المرأة ويستبد بها وهي زوجة, وعنده أن في نفس كل منا طبيعة تنزع به إلي الاستبداد والسيطرة وهي طبيعة الوحش الكامن في الإنسان. ومهمة التمدن أن تعقل هذا الوحش وتهذبه أو تمحوه من نفوسنا وذلك بأن نربي أنفسنا علي التطبع بالروح الدستورية في معاملتنا للمرأة والعامل وفي مناقشاتنا عن الدين والمسائل الاجتماعية الأخري وفي نظام الحكم الذي تسير به الحكومة.
وفي ختام مقاله يدعو الكاتب إلي ضرورة تطبيق الدستور وتعميمه في كل النواحي, فهو يقول: يجب ألا نقصر جهدنا علي تحقيق الدستور في ناحية واحدة أو شأن واحد من شئون الأمة بل نعممه في جميع شئونها حتي تسود الروح البرلمانية الدستورية في الحكومة والبيت وسائر الهيئات في المجتمع, ويضيف يجب أن نذكر أننا عندما نهدم حجرا من استقلال المرأة أو حرية العامل فإننا بذلك نهدم أحجارا من استقلال الأمة لأن الروح الدستورية لا يمكنها أن تعيش في الحكومة إذا كنا نأباها في البيت. والرجل الذي تعلم لهجة الاستبداد مع زوجته أو مع عامله قلما يستطيع أن ينزل عنها ويتعلم لغة جديدة في الكلام عن حقوق الأمة. (سلامة موسي, في الاستبداد, مجلة المصري, العدد الرابع عشر, 4 ديسمبر 1930م).
وعلي هامش حملة لأني رجل أشير هنا إلي بعض المبادئ والأفكار والمنطلقات الرئيسة:
أولا: قضية المرأة هي قضية مجتمع, تهم الرجل مثلما تهم المرأة أيضا, ذلك أن سعادة المرأة واستقرارها ينعكس علي سعادة الرجل واستقرار الأسرة والعائلة والمجتمع ككل, فالرجل والمرأة جناحا المجتمع, لا يمكن الاستغناء عن أحدهما, ونحن نتحدث عن خطط التنمية والتقدم والنهضة والتطوير.
ثانيا: يبدأ احترام المرأة وتقديرها من داخل المنزل, وينتقل هذا الاحترام وهذا التقدير إلي خارجه في كل موقع, في الشارع والمدرسة والجامعة ومواقع العمل.
ثالثا: علي المرأة دور مهم في تأكيد وعيها بمنظومة الحقوق والواجبات, تدرك حقوقها وتطالب بها, وتعرف واجباتها لتؤديها وتقوم بها, فمن الملاحظ أنه في بعض الأحيان تفرط المرأة في حقوقها وتعتبر نفسها في مرتبة أقل من الرجل, أو تعتبر نفسها سلعة يبتاعها الرجل ويشتريها.
رابعا: علي مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية دور مهم ورئيس في تأكيد قيمة المرأة وإبراز دورها ومكانتها, وهنا يأتي دور الأسرة والمؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية والفنية والرياضية والتشريعية ومؤسسات المجتمع المدني.
وختاما, فأنت أيضا عزيزي القارئ يمكنك المشاركة في تلك الحملة/ المبادرة, باستيعاب حقوق المرأة والاعتراف بها وتوعية الآخرين بمكانة المرأة, فهي أمك وأختك وزوجتك وابنتك, وهي زوجة ابنك وحفيدتك, هي زميلتك في العمل, وهي شريكتك في كل موقع تتواجد فيه, هي إنسان مثل الرجل.