لآلئ للحياة من رسائل بولس الرسول
ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, اسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. صلوا بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
سالموا بعضكم بعضا
وحدث إذ كانا في الحقل أن قايين قام علي هابيل أخيه وقتله (تك4:8), القتل يا لها من كلمة مرعبة!! كيف يستطيع أخ أن يقتل أخاه؟! أين كان عقله؟! لقد أفقدته الخطية عقله, وسلامه, ورابطة الدم والأخوة, التي بينه وبين أخيه!!
قس علي هذا, ما حدث في العالم ابتداء من قايين وهابيل, وامتدادا علي الحروب والصراعات في هذا العالم حتي يومنا هذا, فهل كان الله يقصد أن تكون خليقته بهذه الصورة؟ بالطبع لا, فكل هذا من صنع الإنسان, حتي صار الإنسان لا يحتمل أخاه الإنسان!!
وبذلك فقد الإنسان السلام, وصارت حياته متعبة, ونتيجة لذلك أصيب بالكآبة والقلق والهم و… إلخ, من أمراض العصر!! إن الإنسان بخطيته, دخل إلي هذا العالم الخالي من السلام.
تأملنا في العدد السابق:
كيف نصنع سلاما مع الآخرين؟
(1) اللسان الحلو والكلمة الطيبة
ونتأمل بهذا العدد في:
(2) النظرة الوديعة وتجنب الغضب
تجنب الغضب, وليكن لك النظرة الوديعة, فقد يقولون عن شخص ما فلان عينه بتطلع شرار!! رغم أن العين رقيقة خلقها الله لكي يري الإنسان بها أخاه الإنسان, ولكن هذا الشرار أو النار هو نار الغضب!! فلن تستطيع أن تنعم بالسلام داخل نفسك وأنت في خصام وغضب مع أي إنسان, فاعلم أيها الأخ الحبيب أن غضبك لا يصنع بر الله (يع1:20), ولا يحقق راحة الله في قلبك.
وقد علمنا الكتاب المقدس: ليكن كل إنسان مسرعا في الاستماع مبطئا في التكلم مبطئا في الغضب (يع1:19) فاستمع جيدا لمن يتحدث إليك, وقبل أن تتكلم فكر جيدا, وقبل أن تغضب فكر مرة أخري, لئلا غضبك يفسد أمورا جيدة في حياتك.
مثال..
يوسف وإخوته
عندما جاء إخوة يوسف لمصر ليأخذوا قمحا, فأعطاهم يوسف قمحا وزادا للطريق وثيابا.. وعندما صرف إخوته ليعودوا إلي أبيهم قال لهم: لا تتغاضبوا في الطريق (تك45:24).
يكفينا وعورة طريق الحياة وكثرة مشاكلها, فلا داع أن نزيدها نحن بصراعتنا معا أو تغاضبنا مع بعضنا البعض.
تجنب الغضب واطلب دائما من الله أن يعطيك النظرة الوديعة, بدلا من أن تكون عينك شريرة, وتخرج نارا وشرارا, وهذا ما علمنا إياه السيد المسيح, فقال: تعلموا مني, لأني وديع ومتواضع القلب, فتجدوا راحة لنفوسكم (مت11:29).
فإن نظرت في عيني السيد المسيح, فإنك ستنال منه هذه الوداعة, وكلما وقفت أمامه في الصلاة فإنك ستأخذ منه روح الوداعة, وتصير إنسانا وديعا, واعلم أن الإنسان الغضوب لا يكون له عشرة مع الله, ودائما ما تجده مهملا في صلواته وجلساته مع كتابه المقدس.
يقول معلمنا بولس الرسول: إن كان ممكنا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس (رو12:18), ودائما يقول: إن الغضب كالنار, والنار لا تطفأ بالنار, النار تطفأ بالماء, لذلك إن وجدت من أمامك بدأ في حالة غضب فلا تستمر في المجادلة معه لئلا تدخل أنت أيضا في حالة غضب, فتوقف وابدأ في استخدام وداعتك وحلمك ونظرتك الوديعة.
(3) المغفرة والمسامحة
المغفرة دليل علي وجود المسيح داخل القلب, نغفر لأنه من شروط حصولنا علي الغفران أن نغفر نحن أيضا.
وعدم المغفرة يجعل في النفس شعورا بالمرارة الشديدة تجاه من أساء إلينا, قد تجد إنسانا يقول: إني لا أستطيع النوم بهدوء أو بسلام, فبداخلي مرارة شديدة تجاه فلان.. هذا الأمر يجعلني غير مرتاح, نفسي أشعر بالراحة والسلام. طالما يوجد عدم غفران, لا يوجد سلام ولا راحة.
لذلك عليك أن تمتلك القلب المتسامح, وعلم نفسك كيف تسامح الآخرين, واعلم أن هذا الأمر ليس هو بالأمر الهين أو السهل, فقد يكون الكلام عنه سهلا, لكنه ليس كذلك علي أرض الواقع, لأنك كيف تستطيع أن تسامح من أخطأ في حقك؟ وكيف تغفر له؟ وكيف لا تحمل في قلبك مرارة تجاهه؟
إن هذا الأمر يحتاج نعمة خاصة من الله, ولكن عليك أن تطلب هذه النعمة من الله, أي نعمة الغفران, لذلك نصلي في الصلاة الربانية ونقول: اغفر لنا ذنوبنا, كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا.
فعلم نفسك كيف تسامح الآخر, وذلك في ضوء تعاملاتك الشخصية ولكن بالطبع هذا الكلام لا ينطبق علي الهراطقة, علم نفسك أنك تستطيع أن تقف أمام الله وتعلن أمامه أنك قد سامحت من أساء إليك.
ويفضل أن تذكر اسم هذا الشخص الذي كان قد أخطأ في حقك وسامحته, وأعلن أمام الله مسامحتك وغفرانك له, وليس هذا فقط بل أيضا صل من أجله, فالنعمة لا يوجد أمامها شيء صعب أو مستحيل.
والقديس مارإسحق يقول: إن لم تكن صانعا للسلام, فعلي الأقل لا تكن مثيرا للمتاعب. فصنع السلام هو بداية السلوك المسيحي. فتعلم صنع السلام في بيتك.. في كنيستك.. في مجتمعك.. في علاقاتك بين أصدقائك.
إن كلمة السلام تعني سعي الإنسان الدائم لأجل تحقيق هذه الحقيقة في حياة الآخر, وهي أن الله يحبه وأنه محبوب الله, فإن شعر الإنسان بهذه المحبة الإلهية سيعيش في سلام..
فليعطنا مسيحنا أن تكون حياتنا في هذا السلام, ونكون صانعي سلام طوبي لصانعي السلام, لأنهم أبناء الله يدعون (مت5:9).