* 3 ساعات في حجرة العمليات.. و7 أيام في الرعاية.. ويد الرب أنقذته من الموت
مازالت رحلتنا مع صديقنا الصامت الطيب مستمرة.. البداية ـ كما حكيتها لكم من قبل ـ كانت منذ خمس سنوات عندما هاجمه مرض العصر اللعين ـ السكرـ فخذله, وهد كيانه, وامتص حيويته.. من يومها ونحن معه في رحلات مستمرة.. مرة للعرض علي الطبيب, ومرة لعمل تحاليل, ومرة لتقديم العلاج.. هكذا تتواصل رحلاتنا إلي أن استيقظنا ذات صباح علي استغاثته.. ألم شديد يمزق بطنه, وقيء مستمر, وارتفاع في الحرارة.. ومعه في المستشفي عرفنا السبب.. إخلاصه في عمله رغما عن كل ما فيه, واضطراره راضيا لحمل حمولات ثقيلة, أدي إلي تعرضه حسبما جاء بتشخيص حالته بالمصطلح الطبي فتق اربي ولا علاج له إلا بالجراحة.. ولا جراحة إلا بعد التحاليل.. ونتائج التحاليل أوحت باحتمال إصابته بفيروس كوفيد 19.. وتأجلت الجراحة لحين التأكد.. ودخلنا في متاهة مسحة الوباء.. وعندما تأكد لنا سلبية المسحة واختفي من أمامنا شبح كوفيد أسرعنا به إلي أقرب مستشفي لإجراء الجراحة.. لم يكن غريبا عنا فهو أحد المستشفيات التي تستقبل أصدقاءنا المرضي وتمتاز بإمكانياته الطبية العالمية.. وفي مستشفي الراعي الصالح بشبرا كانت الحلقة الثالثة في مسلسل رحلاتنا مع صديقنا الصامت الطيب.
** الفحوصات السريعة كشفت عن اختلال في وظائف الكلي نتيجة الجفاف الذي أصابه لساعات متواصلة.. الجراحة لا تحتمل التأجيل خشية انقطاع الدم عن الأمعاء, وبأسرع من كل تصور دخلنا بصديقنا غرفة عناية خاصة, وامتدت أيدي الرحمة بكل ما ينقذ حياته, وقضي ما بقي من الليل وسط أجهزة التنفس وخراطيم المحاليل ونقل الدم, وعندما أشرقت شمس الصباح كانوا يستعدون للدخول به حجرة العمليات.. وشكرنا الرب.
** ثلاث ساعات قضاها فخر أطبائنا وأمهر جراحينا الأستاذ الدكتور عادل عزيز استشاري الجراحة ورئيس مجلس إدارة المستشفي, وبصحبته مجموعة من الأطباء المساعدين وأساتذة التخدير.. لم يكن الأمر يقتصر علي إصلاح الفتق كما كان الوضع منذ يومين.. لقد تدهور الأمر مع تأخر التدخل الجراحي تحت فزع شبح كورونا, ووجد الدكتور عادل عزيز نفسه داخل حجرة العمليات أمام مشكلة أكبر ـ وهو ما كان متوقعا في الحسبان ـ فطول فترة الاختناق أدي إلي قطع مرور الدم للأمعاء الدقيقة, ففقدت في جزء كبير منها حيويتها, وبالتعبير الطبي ماتت ولم يعد أمامه من حل إلا قطع هذا الجزء وإعادة توصيل ما بقي من الأمعاء بالجهاز الهضمي بحيث يعود إلي أداء كافة وظائفه ودون تحويل مجري البراز, وهو ما تم بنجاح بمشيئة الرب وتراكم خبرات واحد من أمهر الجراحين الذين أنعم عليهم الرب بالنبوغ والمهارة.. وعاد الدكتور عادل عزيز التواصل داخل حجرة العمليات الجانب الثاني للمشكلة والذي كنا نراه هو كل المشكلة قبل أن يطل علينا شبح كورونا وأقصد هنا إصلاح الفتق الأربي.
وعن هذا قال لنا الدكتور عادل عزيز: إنه تمت معالجة الأمر بأحدث التقنيات الطبية بتركيب شبكة مصنوعة من مادة البولي البرولين وهي أحدث ما توصلت إليه الهيئات العالمية المتخصصة, والتي أمكن معها تحسين مستوي ومكان تثبيتها في الأنسجة بحيث تعطي قوة تحمل لأنسجة الجدار الخلفي للفتق, وهو ما أمكن معه أنها تتعدي نسبة ارتجاع الفتق واحد في الألف والتي كانت تتعدي من قبل 10%.
** مع كل ما قاله الأستاذ الدكتور عادل عزيز بعد خروجه من حجرة العمليات فإن كل الصعب لم ينته.. حقيقي أن شبح كورونا ومن بعده شبح الموت اللذين ظلا يطارداننا ليومين.. وحقيقي أن واحدة من أكبر الجراحات أجريت لصديقنا بدقة ونجاح.. لكن استعادة صديقنا لصحته وعافيته لم يكن بالأمر السهل.. أسبوع كامل قضاه في المستشفي تحت رعاية كاملة.. وفيما يشبه المعجزة خرج علي قدميه.. بعض من لازمونا وتابعونا خلال الرحلة لم يصدقوا. لكن هذا لم يكن غريبا علينا.. صدقوني في كل رحلاتنا نلمس يد الرب وهي تمتد إلي أصدقائنا تعطيهم الشفاء, واثقين في كلمات القديس لوقا البشير والمحتاجون إلي الشفاء شفاهم وإن غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله.. فقط نحن نحتاج إلي صلواتكم من أجل كل مريض ومتألم.. وانتظرونا في رحلة جديدة مع صديق جديد.