· السادات عينها بمجلس الشورى وقال “لها اختارتك لأني تعلمت منك ”
· جمال عبد الناصر أعطاها حق الأفضلية على مرشحة بروتستانية لتمثيل مصر بالمؤتمر المسيحي وقال” الكنيسة القبطية أرثوذكسية ويجب أن تمثلها أرثوذكسية ” .
· عينت باللجنة الثقافية بمجلس الشورى وطالبت بإلغاء خانة الديانة عام 1980 .
عندما تقرأ أو تسمع اسم إيريس حبيب مباشرة تجد وراء الأسم التاريخ القبطي ، فأصبح التاريخ القبطي هو لقب إيريس، وقد محل الألقاب العائلية كما هو المعتاد حينما يلقب شخص باسم عائلته ذلك لكونه عضو منها، إيريس حبيب المصري تلك المؤرخة التي كرست حياتها لكتابة التاريخ القبطي، فقد رفضت الزواج وعاشت حياتها تبحث وتتعلم وتكتب وتدون.
فهي أحد ابرز المؤرخين الاقباط فى العصر الحديث وبالرغم من أنها وضعت كتبها في صورة قصصية وأسمته “قصة الكنيسة القبطية” إلا انه بعتبر من أشهر الكتب التاريخية التي طبعت عدة مرات وأحب الناس قراءتها لأنها كتبتها بأسلوب قصصي ممتع ورائع وبديع ووضعت في داخل فقراته عبارات توضح حبها الشديد للكنيسة ومع أن الكتاب اتخذ الطابع القصصي إلا أنها استطاعت جمع مستندات في غاية الأهمية ووضعتها في كتابها نظراً لقربها من مسرح أحداث تاريخية لعديد من الباباوت في العصر الحديث، مما يعطي للكتاب قيمة بالغة الأهمية، حيث أنه لا يرقى إليه أي كتاب آخر سجل التاريخ في العصر الحديث وقد مكنها والدها حبيب المصري باشا والذي شغل منصب وكيل المجلس الملى لفترة طويلة (وكيل المجلس الملي العام لثلاث فترات متتالية) من الإطلاع على هذه المستندات التي نشرتها بعد وفاته في كتابها ولوحظ أنها سجلت بعض أحداث المجلس الملى، مما يدل على أنه ربما كان والدها يحكي لها عما يحدث خلف الأبواب المغلقة والأحداث التى روتها تشيع ظمأ القارئ للتاريخ وتعطيه فكرة كاملة شاملة عن هذه الحقبات التاريخية للكنيسة القبطية لم يتطرق إليه كتاب آخر، ويؤخذ أحياناً على كتاباتها أن بعض التواريخ التي ذكرتها غير دقيق.
وقد عاشت إيريس 84 عامًا طوال مسيرة حياتها، ولكنها استطاعت أن تلملم بين طياتها حوالي 2000 سنة من تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لتصبح واحدة من أهم المؤرخين الأقباط، وقد توفت في 2 يوليو عام 1994.
بدأت قصتها حينما ولدت إيريس حبيب المصري في أسرة قبطية 10 مايو عام 1910 ، والدها حبيب المصري كان وكيل المجلس الملي العام للكنيسة القبطية الارثوذكسيه وشغل مناصب عدة بالمجتمع منها مجلس الشوري ، وكان لها اثنين من الأخوة أمين الذي كان جراحًا بارزًا، وتوفي في الخمسينات من القرن الماضي، وسامي الذي كان مدير مكتب الدولة المصرية للسياحة في لندن، واثنين من الأخوات ايفا، التي ساعدت ايريس في عملها ودورا التي كانت متزوجة من الدكتور عزيز حبيب ووالدتها سلية مينا منقريوس خريجة مدرسة البنات الأمريكية بالأزبكية.
الحالة الاجتماعية الجيدة التي كانت عليها أسرتها، منحتها الفرصة لتلقي تعليمها في كلية البنات الأمريكية، ما أتاح لها إتقان اللغة الإنجليزية، كما أتقنت اللغة القبطية منذ صباها، على يد الأستاذ الكبير يسى عبدالمسيح، الذي كان يعمل أمينًا للمتحف القبطي، وكان له صديق انجليزي انجليكاني المذهب اسمه بيرموستر متخصص هو أيضاً في دراسة اللغة القبطية التي كان يدرسها باهتمام شديد وكان دكتور بيرموستر يزور القاهرة كثيراً ويجتمع مع يسي عبد المسيح وكتبا معا ابحاثا ً في اللغة القبطية وكانت إيريس تجتمع معهم في بعض الأحيان لتستمع وتشترك في هذه الأبحاث ، وقد حصلت إيريس على ليسانس في الآداب تخصص التعليم من كلية البنات الامريكية ، وبعد تخرجها أوفدتها وزارة المعارف في بعثة إلي لندن حيث درست علم النفس وعلم تربية الأطفال في maria gray college لمدة ثلاث سنوات ، وبعد حصولها علي الدبلوم عينت في معهد التربية بالزمالك التابع لوزارة المعارف وهذا المعهد يتخرج منه البنات اللواتي سيصبحن مدرسات ، وأثناء عملها بالمعهد قامت بكتابة ” التربية العلمية وعلم النفس ” ، وبعد السنوات المفروضة عليها أستقالت لتتفرغ لدراسة تاريخ الكنيسة التي شغفت بها منذ طفولتها .
وفي عام 1953 ذهبت في بعثة أخري لدراسة علوم القبطيات في جامعة “dropsie” علي يد أستاذ أمريكي يدعي ” كيروس جوردون”، كما ألقت سلسلة من المحاضرات عن مصر وعن الكنيسة القبطية في الإذاعة والتلفزيون الأمريكية وفي فروع جمعية اتحاد السيدات الجامعيات. إنطلاق المشروع الكبير في أحد المرات، وبينما هي منهمكة في إلقاء المحاضرات عن تاريخ الكنيسة القبطية، قالت لها سيدة أمريكية: “إذا كنتم لا تكتبون عن كنيستكم بلغة نستطيع قراءتها، فلماذا تلوموننا على جهلنا بها؟!”.. وكانت هذه هي نقطة الإنطلاق للمشروع التأريخي الكبير الذي قامت به إيريس حبيب المصري لتوثيق ما يقرب من 2000 عام من تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، متسلحة في هذا المشوار الطويل بقدراتها البحثية الكبيرة، وإتقانها للغة الأم للكنيسة وهي القبطية، ولغة البحث العلمي الأبرز وهي الإنجليزية، وفي 1955، ذهبت إلى لندن للحصول على مزيد من المواد والوثائق.
وتقدم لخطبتها كثيرون ولكنها في كل مرة كانت ترفض قائلة إنها تفضل أن تكرس حياتها للأبحاث لخدمة الكنيسة، ورغم أنها لم تتزوج وتنجب إلا أنها في عيد الأم كانت تتلقي هدايا كثيرة جداً ، أكثر من الامهات الحقيقيات لأن كل من يعرفها كان يعتبرها الأم الروحية والصديقة الوفية ، فكان كل الاقرباء والقريبات والصديقات يقدمون لها الهدايا في هذه المناسبة .
وخلال اعوام 1955 إلى 1985 كانت تلقي إيريس محاضرة في التاريخ القبطي في الكلية الإكليركية في كل من القاهرة والإسكندرية وفي معهد الدراسات القبطيه، و في 1959 قامت ايريس حبيب المصري بتسجيل اسمها في قوائم انتخاب البطريرك ومعها خمسه وثلاثين سيدة قبطية بتسجيل أسمائهن أيضاً للأشتراك في أنتخاب البطريرك وذلك فى محاولة منها لإظهار أن للنساء حق فى إنتخاب البطريرك ، ولكن وكيل المجلس الملى شطب أسمائهن حتى قبل تغيير اللائحه.
وقد رشحها البابا كيرلس السادس لحضور المؤتمر مسيحي دولي في مدينة مدارس بالهند مندوبة عن جمهورية مصر العربية ، ذلك المؤتمر الذي عقد بمناسبة مرور 75 عاماً علي يوم الصلاة العالمي ، وقد وجهت الدعوة لحضور جميع كنائس العالم ، وفي الوقت ذات رشحت معها سيدة آخري بروتستانية وكان يجب اختيار واحدة مندوبة عن البلد ، وكان وقتها السفر للخارج عليه قيود في عام 1961 وبما أن المؤتمر سيكون فيه تمثيل لمصر فقد رأي المسئولون عن السفر عرض الموضوع علي الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان يربطه ود واحترام لقداسة البابا كيرلس السادس ، فأشر علي التصريح بأن تمثل الكنيسة القبطية ارثوذكسية لأن الكنيسة المصرية أصلا أرثوذكسية .
ومن ضمن المناصب التي احتلتها في المجتمع دخولها مجلس الشوري ، حيث انضمت إلي اللجنة الثقافية المتفرعة من لجنة باسم ” تنمية الإنسان المصري ” ثم أنتخبت في لجنة ” وحدة الوطن ” وقدمت ورقة عمل ومن ضمن ما جاء فيها ما أدلي به الأستاذ ويصا واصف رئيس مجلس النواب ” سابقا ” لجريدة البورص ايجيبسيات التي كانت تصدر بالفرنسية في مصر قال ” إن مصر لا تعرف أكثرية أو أقلية ولن يكون البرلمان إلا احزاب سياسية بمعناها العصري . فالقبط دائماً مصريين يمتعون بكافة الحقوق والواجبات .. وقد اقترحت في ورقة العمل التي قدمتها – كما أقترح أيضا الاستاذ رياض معوض – الغاء خانة الديانة من البطاقة الشخصية ومن استمارات الجامعة والتوظيف .
وعندما دعيت إلي منزل الرئيس محمد أنور السادات مع أعضاء مجلسي الشعب والشوري في 25 /12/1980 قال لها ” لقد حرصت علي أن أضعك في الصورة منذ أن تعلمت منك ” ، وفي كتاب إيريس حبيب المصري مؤرخة قصة الكنيسة القبطية ” الذي جمعته وحررته أختها دورا حبيب المصري ، قالت أن حين عين الرئيس أنور السادات إيريس عضوا بمجلس الشوري في سنة 1980 فرحت كثيراً بهذا التعيين إذ كان الوالد أول سكرتير عام لمجلس الشيوخ ، فكانت تقول إني سرت في أثرة ومشيت مكان أقدامه ، وبقيت ثلاث سنوات في مجلس الشوري إلي أن انتهت عضويتها بالقرعة في سنة 1983 في عهد الرئيس محمد حسني مبارك.
و عندما بدأت تكتب كتاب ” قصة الكنيسة ” كانت معتادة أن تسلم الكتاب إلي القمص بشوي كامل كاهن كنيسة مارجرجس بسبورتنج وهو يرسله إلي المطبعة . وكانت مكتبة الكنيسة تتولي بيع الكتاب . ووهبت كل الايراد إلي الكنيسة وكانت تقول صراحة أنها لا تكتب للمكسب المادي ولكنها تكتب لتعلم الشعب القبطي تاريخ كنيسته المجيدة .
في عام 1948 نشرت المجلد الأول من المجلدات التسعه هي كتاب عن تاريخ الكنيسة القبطيه الارثوذكسيه وأسمته (قصة الكنيسة القبطيه) وكان المجلد السابع عن قصة الكنيسة القبطية فى حبرية البابا كيرلس السادس(1959 – 1971)
في سنه 1975 نشر مجلس كنائس الشرق الأوسط في مجلدين كتابها قصة الكنيسة القبطية بعد أن أعدته باللغة الإنجليزية وهما : ” قصة الكنيسة القبطية – الجزء الأول ، الكنيسة القبطية – الجزء الثاني ، قصة الكنيسة القبطية – الجزء الثالث، قصة الكنيسة القبطية – الجزء الرابع، قصة الكنيسة القبطية – الجزء الخامس، قصة الكنيسة القبطية – الجزء السادس ” أ ” ، قصة الكنيسة القبطية – الجزء السادس ” ب”، قصة الكنيسة القبطية – الجزء السابع، قصة الكنيسة القبطية – الجزء الثامن، قصة الكنيسة القبطية – الجزء التاسع.
وفي آخر أيامها مرضت إيريس بسرطان في العظام “مرض الملكوت” ، حيث ذهبت في يوم 3 فبراير سنة 1994 م ، إلي مستشفي السلام بالمهندسين لتتلقي العلاج هناك ، وقد زارها البابا شنودة هناك وصلي لها ودهنها بالزيت، وقد ظلت إريريس فترة في المستشفي لم تعلم حقيقة مرضها ، فقد ذهبت للمستشفي عقب وقوعها علي ظهرها ، ولكنها كانت تتآلم من شدة المرض الذي لا يوجد له علاج سوي مسكنات فقط ، ثم انها خرجت من المستشفي وظلت تتحامل علي نفسها إلي آخر شهر مارس من عام 1994 وتذهب للكنيسة بمعاونة المقربين منها وبعد ذلك التزمت المنزل حتي توفت في 2 يوليو من ذات السنة .
رحلت إيريس ولكنها مازالت حيه بتاريخها ، فهي التي قالت ذات يوم ، حياة الكاتب هي خير مؤلفاته ، والتاريخ هو الحياة فهو المادة التي تفني أبداً ولكن تتغير أشكالها ، فهو ليس مجرد سرد لأسماء ملوك أو حكام وانما هو كفاح الشعوب للحصول علي الحرية والكرامة والإنسانية وتاريخ الكنيسة القبطية حافل بالكفاح في سبيل العقيدة والاحتفاظ بالاستقلال الفكري فكنيستنا تفخر بما قدمته من تعاليم ومباديء وأن المتابع لانسياب تاريخ كنيستنا القبطية بتمعن تهتز نفسه هزة فرح والعجب معا لأنه تاريخ مفرح عجيب .
وقد سقيت إيريس حبيب حبها للكنيسة القبطية من أسرتها التي ربتها علي محبة كل ركن بالكنيسة ، فقد كان يوجد صلاة شفاهية تتناقلها الأجيال عملتها الجدة للوالدة وعلمتها الوالدة لإيريس واخواتها وهي : ” أصطبحت بك يارب قبل كل الناس ، يا باني الدنيا من غير أساس وحياة الإنجيل والصليب والكاس ، إبعد عني الغم والهم والوسواس ، اصطبحت بك يارب وما اصطبحت بحد غيرك ، أطعمتني من جودك ومن كرمك ومن خيرك ، اجعل البركة تحت شمالي ويميني ” ، هذا الايمان والحياة اعطت ثمرها باسم خلد التاريخ القبطي وتخلد هو كمان معه ” إيريس حبيب ” حدوتة مصرية مسيحية وصفحة في كتاب تاريخ كتبته بايديها واحتفظ هو بها بعد انتقالها من العالم .
المراجع ، كتاب إيريس حبيب المصري مؤرخة قصة الكنيسة القبطية ، للمؤلفة دورا حبيب المصري .