صديقنا الطيب الصامت الذي استيقظنا علي استغاثته صباح الأحد الأخير من سبتمبر الماضي متألما منوجع قاتل يكاد يمزق أمعاءه, ويشل حركته, ويهدد كيانه, بعد 55عاما-هي كل حياته علي الأرض-عاشها في تعب وشقاء, منها خمس سنوات استضفناه فيها في حقل الخير, نصحبه معنا في رحلاتنا علي طريق الشفاء ونحيطه بالرعاية والمتابعة, ونقدم له علاجا متواصلا لنخفف من وطأة السكر الذي تسلل إلي شرايين جسده المنهك يهدد كل أجزائه بالفشل…ولعلكم تتذكرون الآن تفاصيل رحلاتنا المتواصلة معه علي امتداد خمس سنوات كما حكيتها لكمالأحد الماضي..ومن حيث انتهت عند قصة الصديق الذي هدده شبحكورونا بالموت وأنقذت يد الرب حياته, أواصل اليوم الحكاية.
**علي صوت استغاثة صديقنا اصطحبناه علي الفور إلي المستشفي الذي اعتدنا أن نسرع إليه بحالات الأصدقاء الذين يستغثون بنا, فيشاركوننا بمحبة فياضة في عمل الرحمة حتي أصبحنا مع الأيام شركاء فيطريق الخير أو كما يحلو لمديره الدكتور طلعت حلمي أن يذكر في وفاءمستشفي مارمرقس ولد علي يد المحطة.
**في مستشفي مارمرقس بشبرا كان التشخيص واضحا فتق أربي فالآلم أسفل البطن والذي تنطلق منه صراخاته المدوية يكشف عن وجود ضغط علي الأمعاء والأنسجة حتي كادت تخرج من مكانها…إلي هنا والتشخيص سهل, لكن الصعوبة في الإجراء, إذ لابد من الأسراع في التدخل الجراحي وفورا تجنبا لانقطاع الدم عن الأمعاء, لكن ككل الجراحات لابد أن يسبقها مجموعة من التحاليل للاطمئنان علي الحالة الصحية العامة للمريض, وقدرت علي الخضوع للتخدير العام…وهنا كانت الكارثة مع صديقنا الذي نتعجل دخوله حجرة العمليات…قسوة القدر تؤجل الجراجة التي نتعجلها, فنتائج التحاليل تحمل كارثة يطل منها شبحكورونا.
**الجراح النابغة دكتور طلعت حلمي كشف عن الكارثة في نتائج تحاليل صورة الدم, فعلي حين نسبة LYMPHOCTES أقل من الطبيعي, فإن نسبة S.FIRET أعلي من المعدل الطبيعي وبالإضافة إلي هذا وذاك فنتائج التحاليل تشير إلي ارتفاع غير عادي فيCRP وكل هذه المؤشرات تضع إشارة خطيرة نحو وجود فيروسكوفيد19 ومما يزيد من الأمر اشتباها الارتفاع الشديد في درجة الحرارة…ووسط التوتر والانزعاج من مجرد وجود اشتباه يلوح بشبحكورونا وحفاظا علي حياة صديقنا وكل الأصدقاءالعاملين بالمستشفي والمرضي أيضا كان لابد أن نخرج به لنسرع نحو عمل مسحةPCR والتي لا تتوفر إلا في عدد محدود من المستشفيات.
**من هنا بدأت رحلتنا المأساوية, وكانت هي رحلتنا الأولي مع اشتباه فيكورونا لم نكن نتصور علي الإطلاق أنها بهذه الصورة المأساوية علي عكس مايتصوره البعض أو تصوره بعض تصريحات المسئولين…عفوا إذا لم أحدثكم عن تفاصيلها حتي لاتزعجكم الحقائق, لكن المهم أن المطاف انتهي بنا عند منتصف الليل فيمستشفي الحميات بالعباسية ووسط الظلام الدامس, وطوابير القادمين يلتمسون النجاة ومجموعة الإجراءات الحاسمة والصعبة ولكنها للحقيقة لازمة…ووسط هذا الجو المشحون بالكآبة والتوتر والقلق سطع نور الرب وأمتدت يده الحانية, وجاءت نتيجة الأشعة المقطعية علي صدر صديقنا مطمئنة وانتقلنا إلي الخطوة التالية لعملPCR غير أن كل الأطباء نصحونا بعدم الانتظار يومين علي الأقل لحين ظهور نتيجةالمسحة فكل التوقعات أنها ستكون سلبية مادامت نتيجة الأشعة علي مطمئنة, ورغم كل الهلع الذي كنا نعيشه في هذه اللحظات إلا أنه كان علينا أن نسرع به ملقين كل همنا علي الله صارخين مع داود النبي في يوم ضيقي أدعوك لأنك تسنتجبني …فصديقنا حالته تتدهور أمامنا كل لحظة القيء مستمر ولاشيء يستقر في معدته حتي قطرات المياه…الجفاف يزخف علي جسده كوررة تذبل شبحكورونا الذي كان يزعجنا بدأ يتواري من أمام عيوننا ليغطيها شبح أكثر مرارة وقطعا شبح الموت.