في الأسبوع الماضي حضرت حفل زفاف سعيد, العريس شاب طموح مهندس ناجح متطلع للحياة بأمل كبير, العروس أيضا خريجة الجامعة وتعمل في مكان حساس, وعلي وجهها ابتسامة أمل وحب للحياة, رقصت العروس مع عريسها, ثم انضم الأقاب والأصدقاء لهما وهات يا رقص ومرح وفرح وهيصة وزمبليطة, وطظ في كوفيد 19 وفيروس كورونا, وأي فيرس آخر!!
انتهي الحفل علي خير وذهب العريس وعروسه إلي إحدي القري السياحية لقضاء أيام العسل, فلم يعد العسل شهرا كما كان علي أيامنا أيام الزمن الجميل. واختلي العريس بعروسه لبدء أيام العسل وبعد أن بدأ في خلع ملابسه نظرت إليه العروس نظرة غاضبة وقالت له.. إنت مش لابس الملابس الداخلية بالمقلوب ليه؟! كما قلت لك؟ قال العريس مبتسما.. أنا اعتقدت أنك تمزحين.. قالت أنا أتكلم جد المفروض أن تلبس الملابس الداخلية بالمقلوب وأنا نفسي عملت كده, وكانت فعلا العروس الجامعية المتحضرة المتفائلة ترتدي ملابسها الداخلية بالمقلوب حتي تبعد العين الحاسدة الحقودة كما قالت لها أمها.
وبسرعة تداركت العروس الموقف وحولت نظرتها الغاضبة إلي ابتسامة تتفق مع أيام العسل التي تنتظرهما.
عندما سمعت هذا الموقف ضحكت علي سذاجة العروس وأمها!
وفي نفس الوقت حزنت علي الخرافات والخزعبلات والجهل الذي مازال يعشش في عقول المصريين, حتي المتعلمين والشباب الناجح. وسألت نفسي إلي متي يبقي تراثنا الثقافي هكذا دون أن ننقيه ونحرر أبناءنا من هذه الخرافات والأوهام؟.
في اليوم التالي قرأت في جريدة الأخبار الغراء مقالا صغيرا للكاتب الصحفي الأستاذ عبدالقادر محمد علي تحت عنوان: صباح النعناع, بتاريخ الاثنين 12 أكتوبر 2020 يقول: قرأت أن الشيخ الزغبي ـ الذي أسمع اسمه لأول مرة ـ أكد أنه لن يتراجع عن فتواه بجواز أكل لحم الجن! وسواء تمسك فضيلته بالفتوي أو تراجع عنها, فقد نجح في إشعال [السوشيال ميديا] وإثارة حماس الناس وشوقهم لتذوق المشوي والمحمر والمشمر والمسلوق ولاسيما الطواجن من لحم الجن, وبدأوا يسألون عن أماكن بيعه وسعر الكيلو طازج ولا مجمد!! ويعلق الكاتب بعد ذلك قائلا: فاضي ورايق يا مولانا يا جن!!.
هذا المقال بعث في نفسي الحزن العميق أكثر من حكاية العروسين التي تعتبر بسيطة وساذجة بالنسبة لأكل لحم الجن! وهكذا أصبحت حياتنا خرافات في خرافات, والمصيبة أن تأتي هذه الخرافة من رجل دين المفروض أن يهدي الناس إلي الفضائل واتباع العقل الذي أهداه الخالق العظيم للإنسان لينظم به حياته ويسعدها.
حدثنا الدكتور خالد منتصر في الشهر الماضي في جريدة الأهرام الغراء عن أكذوبة الحمل في الجنين لمدة أربع سنوات وقال إن هذا يستحيل حدوثه وأنه ضد العلم, ولم نسمع طوال تاريخ الإنسان آلاف السنوات عن حادث مثل هذا, وقال إن العجيب أن بعض الأطباء أنفسهم وافقوا علي هذا وهم يعلمون استحالة حدوثه, وهذا دليل علي أن الخرافة أحيانا تتفوق علي العلم.
السؤال الذي يفرض نفسه علينا: هل نترك الخرافة والجهل والكذب واللاعقل يسيطر علي شعبنا من خلال هؤلاء الخارجين عن العلم والدين والعقل والقانون. حقيقة إنهم قلة لكنهم يطلون علينا من كل وسائل الإعلام ومن السوشيال ميديا التي لها نصيب الأسد في تكوين الرأي العام الآن وللأسف.
المصيبة الكبري أن تشارك قنوات التليفزيون أو بعضها حتي نتوخي الدقة في الدعاية لهذا الهراء والجهل والخرافات, فمن حين لآخر نجد بعض قنوات التليفزيون تذيع إعلانات عن الشيخة المغربية فلانة تزور مصر هذه الأيام وهي تستطيع أن تكشف لك عن مستقبلك والأحداث القريبة التي ستتعرض لك, والأمراض التي يمكن أن تصيبك, والشيخ المعروف الذي حضر خصيصا من دول الخليج ليحل لك مشاكلك ويسهل لك الزواج بمن تحبها ويرضي عنها قلبك.
يحدث هذا ونحن في القرن الحادي والعشرين الدول الكبري والمتحضرة تبحث عن عوالم أخري في الفضاء الشاسع للكرة الأرضية حتي تعثر علي أماكن جديدة للإنسان بعد أن ضاقت بهم الأرض ليعيش فيها.
وإيجاد مصادر جديدة للطعام والشراب والدواء والعلاج, ونحن مازلنا نرتدي الملابس الداخلية بالمقلوب حتي لا تضربنا عين الحسود!! ثم نتفنن في الجهل والخرافة ونقول إنه يمكن أكل لحم الجن.. وفي حياتنا العادية مازالت الخرافة تسيطر علي عقولنا وتفكيرنا فتسمع عن السيدة العاقر التي تذهب إلي المقابر لكي تنجب, أو تذهب إلي أحد الدجالين لنفس الهدف! والشاب المتعلم الذي يذهب لدجال آخر لكي يعمل له عملا يفك العمل المعمول ضده! أو عمل لكي ترضي عنه حبيبة القلب وتوافق علي الزواج منه.. والمريض الذي يطلب من الدجال عمل حجاب له للشفاء بدلا من أن يذهب للطبيب.. والسيدة الحامل التي تذهب لدجال ثالث حتي تنجب ولدا لا بنتا حتي لا يطلقها زوجها.. المهم أن زوجها يفعل ذلك ويهددها وهو لا يعلم أن تحديد جنس المولود هو الذي يحدده لا زوجته.
الخرافة للأسف مازالت تعشش في عقولنا بشدة, ونحن نحتاج لثورة ثقافية شاملة تساعد علي التنوير بمعناه الحقيقي, ثورة ثقافية تفتش في تراثنا الثقافي وتنقيه من الخرافات والجهل والأمثال البعيدة عن العقل مثل المثل الذي يقول.. الكسل عسل.. والحقيقة أن الكسل فشل وضياع.. لابد أن تشارك في هذه الثورة الثقافية الأسرة والمدرسة والجامعة والنادي والكنيسة والمسجد, ورجال الدين لهم دور كبير لابد أن يقوموا به لأن بعض الخرافات يرجعها الناس إلي الدين, والدين منها براء. الدين يدعو للإيمان بالله وبالخير والحق والعقل الذي يفرق بين الخرافات والحقائق والعلم والجهل.. أما أجهزة الإعلام وبخاصة التليفزيون والإذاعة والسينما فعليها أهمية خاصة مهمة وخطيرة, فللأسف بعض هذه الأجهزة تساعد في نشر الجهل والخرافة.
وبخاصة عن طريق الدراما التي هي سلاح ذو حدين, فيجب أن توجه بوضوح إلي العلم والأدب والقيم الدينية والأخلاقية واحترام دور العقل في حياتنا وضرورة التفكير في كل مشاكلنا بعمق وموضوعية وعلم حتي نستطيع حلها.
من المهم أيضا أن تهتم الدولة بدور الجامعة والأجهزة المتخصصة في دراسة حياتنا الثقافية والتراثية والبحثية للمساهمة في القضاء علي الجهل والخرافة والخزعبلات التي تؤخرنا عن التقدم وتوقف التمدن.